آراء في السوق

Author

أسعار النفط .. العدالة ليست في قوى السوق!!

|
مستجدات السوق النفطية هي تفاعلها مع التصريحات السياسية هنا وهناك بأن سعر 70 - 80 دولاراً للبرميل عادل لكلا الطرفين المنتج والمستهلك. وليس من قبيل الصدفة أن تصل أسعار الخام إلى ما يقارب عشرة دولارات للبرميل منذ سنوات عدة، بينما اشتدت سخونة الأسعار لتلامس الـ 150 دولاراً للبرميل العام الفارط. الكل أرجع السعرين، وشتان ما بينهما، إلى قوى السوق!! فهل هذه الأسعار تعكس السعر العادل لهذه السلعة الاستراتيجية المهمة؟ المؤكد لا. شهدت الستينيات الميلادية ظهور منظمة أوبك، حيث أعطت دولها قوة تفاوضية ما مكنها من خلال جهود أعضائها المميزين كالمملكة والجزائر بذل المزيد لتحقيق أهداف الكارتل، وذلك بالحفاظ على أسعار متوازنة إلى حدٍ ما من خلال العمل بنظام الحصص، حيث تمخضت هذه التجربة عن وجود كيان إنتاجي قوي يُحاور المستهلكين من خلال مصالح الطرفين المُتبادلة. حري بنا الإشارة إلى أهمية النفط والتي تتزايد يوما بعد يوم كونه مصدراً عظيماً من مصادر الطاقة، وثانيهما لاستخداماته المختلفة في صناعات متنوعة تُغطي المجالات كافة. ولا أدل على أهميته السياسية من حرص الدول المستهلكة والمنتجة له على ضمان الإمدادات الكافية، فالبعض يعتمد أسلوب الحوار الهادئ الدبلوماسي من خلال إقامة علاقات قائمة على المصالح المشتركة للحصول على ما يحتاج إليه من هذه السلعة، والبعض الآخر يستخدم لغة التهديد والوعيد في حالة التفكير بالتأثير في أسعاره، لا بل التهديد باستخدام القوة لضمان الحصول على ما يحتاج إليه. تمتاز الصناعة النفطية وبمراحلها المختلفة بسيطرة عدد محدود من الشركات النفطية الكُبرى، حيث يوجد عدد قليل من المنتجين (احتكار القلة) يشكلون كارتل فيما بينهم، ويقابله عدد كبير من المشترين، فالسمة الرئيسة لهذه السوق هي تحقيق درجة عالية من التركيز الاحتكاري، بحيث يراقب المنتجون بحذر أسعار هذه السلعة ليتم اتخاذ القرار المناسب إذا خرجت الأسعار عن مسارها المحدد. قوى السوق قد لا تكون كافية لتحديد السعر العادل للنفط لسبب بسيط، وهو أن السوق تأخذ في اعتبارها عوامل أخرى غير العوامل الاقتصادية البحتة عند تحديد الأسعار، كالمتغيرات السياسية، البيئية، والاجتماعية كالإضرابات والقلاقل السياسية والطائفية. ولكي يعكس سعر برميل النفط السعر العادل هناك بعض المتغيرات الاقتصادية، والتي من المُفترض أخذها في الاعتبار حال تقييم الأسعار العادلة. وبإلقاء نظرة على هذه الصناعة، نجد أن القطاع النفطي يختلف عن بقية القطاعات التعدينية الأخرى، فهذه الصناعة تتطلب كما هائلا من الاستثمارات الرأسمالية، وعليه فإن معدل الإنفاق فيها عال خاصةً في المجمعات النفطية التي تتطلب وفرة الكهرباء والماء والغاز وخلافه. ومن المؤكد أيضاً أن الصناعات النفطية ومشتقاتها تتصف بالتقدم التكنولوجي الهائل، والذي يتزايد يوماً بعد يوم، خاصةً أن هذا التقدم تترتب عليه عمليات فنية معقدة تتطلب مهارات عالية، وفي المقابل نجد أنها تتطلب استثمارات هائلة في مجال البحوث العلمية والعملية لتطوير وتجديد عملياتها مع مراعاة ارتفاع درجة المهارات الإدارية والعمالية المطلوبة لتشغيل هذه الصناعة. وإذا كان هذا هو الحال، يتبين لنا اعتماد هذه الصناعة وبشكل كبير على الآلات ونسبة ضئيلة من العنصر البشري شريطة توافر المهارات العلمية والقيادية التي تتجاوب وبشكل سريع مع التطورات التكنولوجية المُتجددة لهذه الصناعة ولذا سيكون الاستثمار في هذا القطاع مرهقا لميزانيات الدول المنتجة. كذلك مصادر الطاقة الأخرى كالفحم أشد تأثيراً في البيئة، حيث إن هدف تحقيق التوازن الاقتصادي يتطلب التطابق ما بين الحاجات البشرية والمتوافر من الموارد اللازمة لتلبيتها، ولذا فالتلوث بأشكاله كافة ينعكس سلباً على تحقيق التوازن الاقتصادي، حيث إن الأمراض ونفقاتها وإزالة الآثار السلبية وتكاليفها ستؤثر في الإنتاج والموارد الطبيعية عامة. وليس بغريب أن النفط قابل للنضوب مع نهاية القرن الحالي، كما هو متوقع، واستنزاف هذه المادة المهمة في توليد الطاقة سيحرم الشعوب الاستفادة المدنية من استخداماته الأخرى، وبالمقارنة فإن الفحم الحجري يوجد بكميات كبيرة تكفي لمئات قادمة من السنين، مع العلم أن استخدامه الرئيس لا يتعدى توليد الطاقة الكهربائية، ولهذا فالسعر العادل للنفط يجب أن يأخذ في الاعتبار تكاليف البدائل وليس تكاليف الإنتاج، وهذه التكاليف في الغالب باهظة كالطاقة النووية. يضاف إلى ذلك أن الدول المنتجة للنفط تعتمد عليه في تمويل مشاريعها التنموية، فطبقاً لإحصائيات صندوق النقد العربي بلغت الصادرات العربية من الوقود المعدني نحو 69.6 في المائة عام 2003 لتصل إلى 75.4 في المائة 2007، بينما وصل إجمالي الواردات العربية من الآلات والمعدات والمصنوعات نحو 66 في المائة من إجمالي الواردات لعام 2007، بالتأكيد ستزيد تكاليف الواردات مع انخفاض أسعار الخام وارتفاع الأسعار العالمية. إن النقاط سالفة الذكر تؤطر لنموذج تتحدد فيه أسعار النفط ليس من خلال قوى السوق فقط، بل من خلال آلية تأخذ في الحُسبان مصالح الدول المنتجة بالدرجة الأولى من خلال العوامل العادلة المُحددة للأسعار مع مراعاة ظروف الدول النامية الساعية إلى تحقيق نموها المحلي ومن ثم العالمي فرفاهية الإنسان أينما كان.
إنشرها
Author

هل حقاً أكملت العجلة دورتها وبدأ الاقتصاد العالمي بالتعافي؟

|
يسود حالياً شعور عام بأن الاقتصاد العالمي قد تخطى أسوأ مراحله, وأن حدة الأزمة الاقتصادية تبدو أقل مما كان يُعتقد في البداية، خصوصاً بعد أن قامت حكومات الدول المعنية بضخ مبالغ هائلة لتنشيط اقتصادياتها والحيلولة دون انهيار بنوكها. فقد أظهرت الإحصائيات إلتي أصدرتها المفوضية الأوروبية في الأسبوع الماضي أن حكومة الولايات المتحدة وحدها صرفت أو أقرضت أو التزمت بما مجموعه 12.8 ترليون دولار منذ بداية الأزمة. يقابل ذلك 5.3 ترليون دولار لدول الاتحاد الأوروبي الـ 18 ويستدل المتفائلون بعدد من الظواهر التي سوف ألقي الضوء عليها كل على حدة. 1 - أعلن صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي عن توقعاته بأن الاقتصاد العالمي سينمو بمعدل 2.4 في المائة العام المقبل. وهذا يعد مرتفعاً عن المعدل الذي أعلنه الصندوق في نيسان (أبريل) الماضي، الذي كان 1.9 في المائة. إلا أن هذه الأخبار السارة أفسدها في الوقت نفسه تقريباً تصريح لرئيس البنك الدولي ذكر فيه أن الاقتصاد العالمي سوف ينكمش هذه السنة بمعدل 3 في المائة ( وهذا المعدل هو ضعف ما أعلنه البنك قبل شهرين). كما تنبأ رئيس البنك بأن آثار الصدمة سوف تعمل على إبطاء الانتعاش لعدة سنوات. وحتى مدير عام صندوق النقد الدولي نفسه ذكر في تصريح له يوم الإثنين الماضي أن "الأسوأ قادم". 2 - أشار العدد الأخير لمجلة "الإيكونومست" إلى أن "العاصفة الهوجاء التي لم يشهد لها الاقتصاد العالمي مثيلاً منذ عام 1930 قد بدأت تنقشع". كما أوضح الإعلان الأخير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تمثل معظم الدول الصناعية إلى أن المعامل الذي تستخدمه لقياس النشاط الاقتصادي لأعضائها قد ارتفع بنسبة 0.5 في المائة في نهاية نيسان (أبريل). وهذا ثاني ارتفاع شهري له على التوالي. يقابل ذلك معامل سالب خلال الـ 21 شهراً السابقة. هذه الأخبار السارة والمشجعة يعكرها ما يصل إلينا من دول شرق أوروبا وبعض دول البلطيق التي قد تلجأ واحدة منها أو أكثر إلى إعلان إفلاسها والامتناع عن دفع الالتزامات المستحقة عليها. 3 - قيام عشرة من البنوك الأمريكية الرئيسية الـ 19 بإعادة 68 مليارات دولار مضافاً إليها أربعة مليارات دولار كعوائد على هذه المبالغ إلى الخزانة الأمريكية. كما أن أحد البنوك البريطانية بدأ فعلاً بإعادة بعض المبالغ إلى وزارة الخزانة البريطانية. ولا تزال هناك تسعة بنوك أخرى مدينة بمبالغ تصل إلى 100 مليار دولار لم تقم بإعادتها. كما أن المبالغ المستردة سوف تستخدم لضخ رؤوس أموال جديدة لبعض البنوك الأمريكية الصغيرة التي لم تتمكن وزارة الخزانة من مساعدتها في الجولة الأولى. من جهة أخرى، فإن بعض البنوك التي أعادت المبالغ تدعي أنها قبلت هذه المبالغ في الأساس بناءً على ضغوط من وزارة الخزانة. 4 - أظهر عدد من التنبؤات الجادة أن اقتصادات الدول الصاعدة التي يزيد عددها على 60 دولة منها الصين والهند والبرازيل وروسيا ودول مجلس التعاون تنمو بوتيرة أسرع وبمعدلات نمو قد تصل إلى ضعف معدلات النمو المتوقع للاقتصاد العالمي ككل في العام المقبل. فقد يزيد معدل نموها الاقتصادي على 5 في المائة. كما أن لدى هذه الدول فوائض كبيرة. فإذا أخذنا الصين على سبيل المثال فإن إحصائيات الشهر الماضي أظهرت أن نموها الصناعي وصل إلى 8.9 في المائة سنوياً مع توقع الحكومة الصينية أن يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام إلى 8 في المائة. (ولأولئك الذين يشككون في الأرقام التي تصدرها الحكومة الصينية فإن البنك الدولي تنبأ في آخر إحصائياته بأن ناتجها المحلي الإجمالي سينمو هذا العام بمعدل 7.2 في المائة), إضافة إلى ذلك، في الوقت الذي زادت الصين من استثماراتها الداخلية بمعدل 30 في المائة هذا العام لتنشيط الطلب الداخلي فإن وارداتها انخفضت بمعدل 25 في المائة مما يزيد من الشكوك في قدرتها على لعب دور القاطرة للاقتصاد العالمي. كما أن الصين في الوقت نفسه تجمع لديها فائض تجاري في أيار (مايو) الماضي يساوي 13.4 مليار دولار وقبله في نيسان (أبريل) 13.1 مليار دولار. والسؤال الذي يمكن أن يطرح هو: كيف نريد من هذه الدول أن تسهم في تنشيط الطلب العالمي وبالتالي تحريك معدلات النمو في الوقت الذي تتراكم لديها الفوائض. 5 - ارتفاع أسعار البترول التي كانت في حدود 35 دولارا في شباط (فبراير) من العام الحالي ووصلت الآن إلى ما فوق 70 دولارا. أي أنها تضاعفت في أقل من أربعة أشهر (صحيح أنها لا تزال أقل من نصف مستواها أيام قمة النشاط الاقتصادي قبل 18 شهراً إلا أن العالم حالياً يعيش في ظل أزمة اقتصادية أدت إلى معدلات نمو سالبة). لا شك أن جزءاً كبيراً من هذه الزيادة في الأسعار يعود إلى تحسن في الرؤية الاقتصادية. ومثال على ذلك وصلت واردات الصين من البترول في أيار (مايو) إلى أعلى معدل لها منذ أكثر من 14 شهراً. وقد دعا ذلك التحسن منظمة الطاقة الدولية إلى رفع تقديراتها للطلب على البترول في هذا العام بمقدار 120 ألف برميل في اليوم مقارنة بتقديراتها في الشهر الماضي. كما أن جزءاً آخر من الزيادة يعود إلى نقص المخزون الأمريكي. وهناك جزء من هذه الزيادة في أسعار البترول يعود إلى الارتفاع العام في أسعار المواد الخام عموماً (الذي قد يكون سببه تحسن توقعات النمو). فإذا ساد الاعتقاد بأن معدلات النمو الاقتصادي سوف ترتفع فمن نافلة القول إن الطلب على البترول سوف يرتفع ومن ثم فإن المضاربين يحرصون على أن يكون في حوزتهم براميل ورقية عندما يرتفع الطلب وتزيد الأسعار خصوصاً أن هناك سيولة في السوق وأسعار الفائدة منخفضة والعائد من الاستثمارات الأخرى منخفض أيضاً. وخلاصة القول إنه يمكن الاستنتاج أن هناك بوادر تحسن يبدو أكثر وضوحاً في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وهما أول دولتين ضربتهما الأزمة الاقتصادية. وقد تمثل هذا النمو في أرقام البطالة أو بمعنى أدق انخفاض عدد الوظائف المفقودة أو عدد من يصرفون من وظائفهم. كما أن هناك تحسنا في أرقام العجز التجاري بالنسبة للولايات المتحدة حيث انخفض هذا العجز إلى مستواه في عام 2001. إلا أن الحكومات تضخم أي تحسن اقتصادي طفيف وهذا واجبها فهي تريد نشر التفاؤل لعل ذلك ينتشل الاقتصاد من كبوته. إضافة إلى ذلك الكل يريد أخبارا سارة قبل قمة مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى المقرر عقدها في إيطاليا خلال الفترة من 8 إلى 10 تموز (يوليو) من هذا العام. وهذا واضح من نغمة البيان الختامي لوزراء مالية هذه المجموعة أثناء اجتماعهم قبل أربعة أيام، حيث أشاروا إلى "أن هناك علامات قوية لثبات الوضع - ولم يقولوا استئناف النمو - بما في ذلك التحسن في أسواق الأسهم وانخفاض أسعار الفائدة والنظرة الإيجابية للاقتصاد من قبل قطاع الأعمال". والمؤمل أن يسهم هذا التحسن إضافة إلى توقعات النمو السريع في الدول الصاعدة في خلق دينامكية جديدة تعمل على تغيير الوضع إلى الأفضل. إلا أن نهاية الانحدار أو الاقتراب من هذه النهاية ليس معناه بالضرورة استئناف النمو بخطوات متسارعة. فقد واجه العالم أزمتين اقتصادية ومالية. فلو حلت الأزمة المالية وتحسنت أوضاع البنوك فإن الفرد العادي في الدول الصناعية لن يعاود السلوك الاستهلاكي السابق نفسه. فالمستهلك الأمريكي على سبيل المثال كان يصرف أكثر من دخله ويراكم الديون. وقد أسهم هذا السلوك في تحريك الاقتصاد العالمي وزيادة نموه. هذا الوضع يصعب الرجوع إليه خصوصاً أن انخفاض أسعار الفائدة صاحبته قيود إضافية على الإقراض مما جعل تكاليف الاقتراض أعلى من السابق. الاستنتاجات والتوصيات 1 - سواء استأنف الاقتصاد العالمي نموه أو تباطأ انحداره أو قارب الوصول إلى قاع هذا الانحدار فإن على دول مجلس التعاون أن تستمر في سياساتها الهادفة إلى دعم قطاع البنوك بما في ذلك ضخ مزيد من السيولة وإبقاء أسعار الفائدة منخفضة والإبقاء على قنوات التمويل الميسرة حتى يمكن توفير التمويل اللازم لمشاريع التنمية القائمة والمخطط لها. فالبنوك الأجنبية مازالت أوضاعها لا تسمح لها بالمشاركة في تمويل هذه المشاريع. 2 - رغم أن معظم الدول الصاعدة خصوصاً الصين والهند والبرازيل تواجه انخفاضاً في أسعار المواد يراوح حالياً بين 3 في المائة إلى 4 في المائة (بالسالب) رغم ارتفاع أسعار البترول إلا أن على دول المجلس أن تتوقع موجة جديدة من صعود هذه الأسعار خصوصاً المواد الأولية. والسبب أن دول مجلس التعاون غير منتجة للمواد الأولية. لذا فإن أي تحسن في النشاط الاقتصادي سيزيد من أسعارها لسببين الأول هو زيادة الطلب الحقيقي والثاني هو زيادة الطلب الناتج عن المتاجرة بها نتيجة لانخفاض الثقة بالعملات الرئيسية. 3 - قبل أن يدور الحديث عن استئناف معدلات النمو لاحظنا أن أسعار المواد الغذائية بدأت ترتفع. فقد ارتفعت أسعار المنتجات الزراعية إلى مستوياتها في عام 2007/2008. بل إن أسعار فول الصويا والذرة والقمح قد ارتفعت منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي بمعدل 50 في المائة. ويعود السبب في ذلك إلى زيادة الطلب الصيني والتأثير السلبي لموجة الجفاف في أمريكا اللاتينية ونقص التمويل الزراعي للمزارعين في مناطق أخرى نتيجة الأزمة المالية. ولذا فإن على دول المجلس مراجعة برامجها الوطنية الهادفة لتوفير الغذاء بهدف تكثيف وتسريع الجهود في هذا الجانب حتى لا تفاجأ بتطورات السوق. 4 - أثبتت دول المجلس صحة توجهاتها الاقتصادية فيما يخص إصرارها على تنفيذ برامج زيادة طاقاتها الإنتاجية من البترول استعداداً لمواجهة الزيادات المحتملة في الطلب عليه. فهي حالياً تعتبر إلى حد كبير الدول المنتجة الوحيدة التي لديها طاقة إنتاجية قابلة للاستغلال في حالة زيادة الطلب. كما أن ذلك يظهر مدى التزامها بصحة وسلامة الاقتصاد العالمي عن طريق توفير الوقود اللازم لدوران عجلته وأنها شريك يمكن الاعتماد عليه.
إنشرها
Author

مامدى حاجة سوق المال السعودية إلى "إدارة مخاطر"؟

|
بالنظر إلى مخرجات العمل المحاسبي من المعلومات التي تصدرها منشآت الأعمال والمتاحة للاستخدام الخارجي من الأطراف أصحاب العلاقة الذين لهم مصلحة مباشرة أو غير مباشرة عبر وسائل الإفصاح المتعددة والمتعارف عليها في بيئة النشاط الاقتصادي السعودي، نجد بداية أن المحتوى من المعلومات المحاسبية يتعلق بالقاعدة من مفردات المعلومات التي ينطوي عليها والذي يتم الإفصاح عنه اعتمادا على أكثر من وسيلة وفقا لطبيعة المعلومات التي يتكون منها، فهناك الإفصاح داخل القوائم المالية المنشورة والذي يتعلق بعرض القيم المالية للمعلومات الواردة بالقوائم المالية ويعبر عنها في شكل محتوى رقمي، وهناك الإفصاح خارج القوائم المالية المنشورة ويعبر عنه بالمحتوى الوصفي الذي يتعلق باستخدام التعبير الإنشائي في وصف السياسات والمبادئ المحاسبية المستخدمة في إعداد المحتوى الرقمي للقيم المالية، إضافة إلى تقرير مجلس الإدارة. وبالنظر تحديداً إلى المحتوى الوصفي نجد أنه يقع تحت مسمى ما يعرف " بالإيضاحات حول القوائم المالية أو الإيضاحات المرفقة بالقوائم المالية "، وهو ما يتم تبويبه ضمن مجال الإفصاح العام المكمل للقوائم المالية والذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من القوائم المالية، ويرتبط هذا المحتوى بالإيضاحات التي يتم تبويبها إلى العديد من البنود المرتبطة بشكل أساسي بالأسس والمفاهيم والمبادئ المحاسبية المتبعة لإعداد القوائم المالية وتوصيف عناصرها من خلال التعبير الإنشائي في إعداد المحتوى الرقمي داخل القوائم المالية المنشورة. وفي ضوء ذلك نجد أن المجال العام للإفصاح اشتمل على العديد من البنود التي تندرج ضمن الإيضاحات المرفقة للقوائم المالية ومن أهمها وأكثرها تأثيرا في المحتوى الإخباري " الملخص لأهم السياسات المحاسبية " التي اتبعت عند إعداد القوائم المالية، ومن هذه البنود ما يتعلق بالبند المرتبط بالإفصاح عن الأدوات المالية وإدارة المخاطر، إذ يتأسس المحتوى الوصفي من المعلومات المحاسبية لهذا البند داخل التقارير المالية على حدود المطالبة بالإفصاح عن أنواع المخاطر التي تتعرض لها الأدوات المالية وذلك بالتوقف عند سرد اسم المجال فقط الذي يجب الإفصاح عنه ولم يتعداها إلى مرحلة التدخل المباشر لترشيد الاختيار بالشكل الذي يؤدي إلى تطبيق أفضل الأسس الملائمة في تحديد أسس قياس وتحليل المخاطر وتقييمها وكيفية التعامل معها من خلال إدارتها للسيطرة عليها، ومن ثم توفير معلومات تفصيلية عنها تكون مفيدة في العديد من نماذج القرارات خاصة في ضوء الاتجاه الحديث للإفصاح المحاسبي المرتكز على مدخل الأحداث، إذ يجب أن تندرج المعلومات المرتبطة بالمخاطر بشكل تفصيلي ضمن المفردات التي ينطوي عليها بناء المحتوى الكامل من المعلومات المحاسبية وتشكل جزءا أساسيا منه، ليصبح المطلوب هنا هو الكشف عما تم في هذا الشأن وألا يقتصر المحتوى الكامل من المعلومات لبند الأدوات المالية وإدارة المخاطر على المقاييس المالية فقط وإنما يمتد ليشمل المقاييس غير المالية مما ينعكس إيجابيا على مدى مساهمتها في تحقيق الاستمرارية للمنشآت وتنفيذ أهدافها الاستراتيجية بقدر أعلى من الكفاءة على إمكانية إدارة مخاطرها، وهذا بدوره يحتاج إلى نظام معلومات فعال لإدارة المخاطر في بيئة ممارسات الأعمال الحديثة في الاقتصاد السعودي. والسؤال الذي يدور في الذهن الآن ماذا يعني هذا المصطلح؟ بداية يمكن القول إن الاتجاه العام للاستخدام الحالي لمصطلح إدارة المخاطر بدأ في أوائل الخمسينيات وكان من أوائل المطبوعات التي أشارت إلى هذا المصطلح ما يسمى بمجلة Harvard Business Review عام 1956 حيث تناولت هذه المجلة في إحدى مقالاتها أن المنشآت ينبغي أن يكون لديها إدارة مسؤولة عن المخاطر، ومن هذه البداية البسيطة جاء علم إدارة المخاطر كأحد فروع علم الإدارة والذي يقوم على فكرة بسيطة مؤداها أن الإدارة يمكنها التعرف على المخاطر التي تتعرض لها وتقييمها لتفادي حدوث خسائر معينة أو عدم تحقيق المكاسب والتقليل من تأثيرها إلى أدنى حد ممكن إلا أن هذا المصطلح لم يكن له أي وجود حتى بداية الثمانينيات من القرن العشرين، إذ شهد العقدان الأخيران من القرن السابق ظاهرة جديدة تمثلت في لجوء الكثير من المنشآت إلى إنشاء إدارات متخصصة لتحديد المخاطر، ونوعيتها، وحجم كل منها، وكيفية إدارتها. ويعد الاهتمام بإدارة المخاطر في العقدين الأخيرين من القرن السابق نتاج تطور وسائل وأدوات مالية أخرى مستحدثة في الأسواق، خاصة أن الأدوات التقليدية المستخدمة في إدارة المخاطر لا تمكنها من التعامل مع نوعية جديدة من المخاطر المالية في ظل المستجدات والمتغيرات البيئية الحديثة في ضوء ظاهرة مواكبة عالمية الأسواق وعولمتها وظهور مبتكرات مالية حديثة تلبي الاحتياجات المختلفة لمنشآت الأعمال المعاصرة في العصر الحديث، التي أصبحت تمثل خطراً ليس فقط على المنشآت فحسب بل على النشاط الاقتصادي على كل من الصعيدين المحلى والعالمي. ويرتكز محور وظيفة إدارة المخاطر على مدى إمكانية السيطرة على المخاطر والقضاء عليها أو تقليلها من خلال التصميم والتنفيذ لإجراءات من شأنها تقليل إمكانية حدوث الخسائر إلى الحد الأدنى باستخدام أساليب و/ أو تقنيات يمكن اتباعها للتعامل مع المخاطر، وإذا ما قررت إدارة المخاطر في منشآت الأعمال استخدام أي من الأساليب أو التقنيات للتعامل مع المخاطر، فإنه يجب عليها دراسة حجم الخسائر المحتملة واحتمال حدوثها والموارد المتاحة لتعويض الخسائر إذا قدر لها أن تحدث، كما يحب تقدير العوائد والتكاليف من اتباع أحد هذه الأساليب، ومن ثم اتخاذ القرار المناسب باستخدام المعلومات الملائمة في هذا الشأن. ومن منظور عام فإن هذا المصطلح لإدارة المخاطر يرتكز على عملية الحماية للأصول، ومن ثم فإن إدارة المخاطر ما هي إلا وظيفة تستهدف أساساً القيام بعملية الحماية للأصول والالتزامات والتدفقات النقدية المستقبلية وبالتالي فهي تقوم على عملية تحديد وتقويم المخاطر، واختيار التقنيات اللازمة لإدارتها للتكيف مع المخاطر التي يمكن التعرض لها. كما عرفت لجنة بازل وهي إحدى الجهات المهنية المتخصصة إدارة المخاطر بأنها سلسلة متعاقبة من أربعة إجراءات تتمثل أولا في التعرف على الأحداث لواحد أو أكثر من الأنواع الرئيسية للمخاطر، المتمثلة في مخاطر السوق والائتمان والسيولة وغيرها من المخاطر الأخرى التي تنتمي إلى أنواع فرعية أخرى محددة، وثانيا في التقويم للمخاطر من خلال استخدام البيانات ونماذج المخاطر، وثالثاً في الرقابة وإصدار التقارير الخاصة بالمخاطر بشكل جيد وفى توقيت جيد، وأخيرا في السيطرة على هذه المخاطر بواسطة إدارة المخاطر. وبهذا فإن مهام إدارة المخاطر تتركز على التنسيق بين الأطراف المتعاملة كافة لضمان توفير البيانات كافة حول المخاطر، والتأكد من صحة البيانات والمعلومات، واستمرار تدفقها للمساعدة على إعداد تقارير المخاطر بشكل دوري ودقيق، وأن استخدامها بكفاءة يعد أحد الأسباب الرئيسية لنجاحها في تحقيق أهدافها في بيئة النشاط الاقتصادي بصفة عامة، وفي أسواق المال بصفة خاصة، مما يساهم في دعم السيولة ورفع كفاءة النشاط الاقتصادي وتنشيط الأسواق. ويبقى التساؤل الثاني والمهم هل منشآت المال والأعمال في بيئة الاقتصاد السعودي بحاجة لإنشاء إدارة متخصصة للحماية من المخاطر؟ بطبيعة الحال فإن الاقتصاد السعودي لا يشذ عن القاعدة، المتمثلة فيما سبق ذكره من ظاهرة عالمية الأسواق وعولمتها نتيجة عمليات التحرر الاقتصادي واعتبارات المنافسة وتطور نظم تكنولوجيا المعلومات مما يترتب عليها تغير نظرة منشآت المال والأعمال السعودية بما يفرض عليها في الفترة الحالية مواجهة هذه المتغيرات الحديثة التي أفرزت معها العديد من التحديات ذات التأثير المختلف الذي ألقى بظلاله على بيئة النشاط الاقتصادي السعودي وبشكل يفرض عليها ضرورة مواكبة تلك المتغيرات، خاصة فيما يتعلق بالتغيرات المستمرة والتقلبات المتزايدة في أسعار الأدوات المالية الأساسية المستخدمة في تدبير الأموال حتى تستطيع المحافظة على كيانها وبقائها وتصبح قادرة في الوقت نفسه على النمو والمنافسة فالمعروف أن أسواق المال ما هي الأساس إلا أسواق تتعامل في الأصول المالية سواء كانت تلك الأصول قصيرة أو طويلة الأجل وإضافة إلى الأسهم والسندات، وإدارة المخاطر هي ذلك النوع من علوم الإدارة الذي جاء ليلبي الاحتياجات المختلفة في هذا الشأن بالمحافظة على الأصول الموجودة في المنشآت لحماية مصالح الأطراف الخارجية من مودعين ودائنين ومستثمرين وأطراف أخرى ذات علاقة من أصحاب المصالح وإحكام الرقابة والسيطرة على المخاطر المترتبة عليها من استخدام الأدوات المالية الأساسية والعمل على الحد من الخسائر وتقليلها إلى أدنى حد ممكن وحماية صورة المنشأة بتوفير الثقة المناسبة لدى الأطراف أصحاب المصالح الخارجية وتحديداً المستثمرين بالقدرة على تحقيق الأرباح رغم أية خسائر عارضة قد تحدث وتؤدي إلى تقليص الأرباح أو عدم تحققها، وبمعنى أوسع فإن إدارة المخاطر تسهم بشكل كبير في حماية أسواق المال التي ترتكز وتعتمد عليها أغلب اقتصاديات مؤسسات المال والأعمال على المستوى الدولي، مما يجعلها على درجة بالغة الأهمية في إحداث التوازن المالي والحفاظ على الاستقرار النقدي بالنسبة لمنشآت المال والأعمال على صعيد الاقتصاد العالمي ككل وبشكل عام وعلى مستوى بيئة الاقتصاد المحلي السعودي على وجه التحديد والتخصيص.
إنشرها
Author

هل تسمح "المالية" بإفلاس الشركات السعودية بسبب تداعيات الأزمة العالمية؟

|
عندما بدأت الأزمة المالية العالمية تنثر تداعياتها على كل بقاع المعمورة وبالتحديد على الأسواق المالية والقطاعات البنكية، كتبت ثلاثة مقالات في هذا الصدد، جميعها ظهرت في "الاقتصادية" الأول في تاريخ 1/11/2008م، والثاني في 3/12/2008م، والثالث في 14/2/2009م، وفي المقالات الثلاثة أشرت إلى خطورة قيام البنوك بالحد من القروض والتسهيلات الائتمانية المقدمة للشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة وللأفراد في ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية واقترحت في المقالات الثلاثة ضرورة تدخل وزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" للحد من هذا الانكماش الائتماني البنكي الذي إن ترك على حاله سيؤدي إلى انكماش اقتصادي. وقد جاء في المقال المنشور في 3/12/2008م اقتراح عدة سياسات مالية واقتصادية للتعامل مع تداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد السعودي، محورها الأساسي هو قيام وزارة المالية مع مؤسسة النقد بالتدخل للمساعدة إيجابياً في حل العقدة المالية الناشئة بين البنوك السعودية وشركات سعودية في قطاعات مختلفة عندما أوقفت البنوك تجديد قروضها القصيرة الأجل وتسهيلاتها الائتمانية، بسبب عجز هذه الشركات عن سداد الفوائد على القروض أو سداد القروض. وتعود المشكلة المالية للشركات أساساً إلى انخفاض إيرادات هذه الشركات أو الانخفاض الحاد في قيمة أصولها أو مخزونها من السلع بسبب صاعقة كهربائية جاءت من وسط السحاب القادم من بلاد بعيدة أو ما يسمى بالأزمة المالية العالمية. من جهة أخرى فإن البنوك لا تستطيع تحمل مخاطر الإقراض لآجال طويلة في ظروف اقتصادية عالمية ومحلية غير واضحة المعالم، حيث إن قاعدتها التمويلية لهذه القروض هي من ودائع قصيرة الأجل, والحصافة البنكية تقضي أن يكون حجم ومدة التمويل للمقترضين متمشياً مع حجم ومدة الموارد المالية المتاحة للبنك والتي منها يتم الإقراض. لذا فإن قروض البنوك للشركات مداه قصير الأجل في أغلب الأحيان ويجدد كلما انتهت مدته، إذا قبل البنك بذلك، كما تدفع الفوائد على هذه القروض إما ربع سنوية أو شهرية. عندما تكون السماء صحواً لا رعد فيها ولا برق، ولا غبار يحجب الرؤية الاقتصادية المستقبلية لأداء الشركات ومبيعاتها وأرباحها، فإن البنوك تجدد هذه القروض تلقائياً، بل إن البنوك تلاحق الشركات الجيدة والكبرى لإعطائها المزيد من القروض والتسهيلات الائتمانية، وهذا بالفعل ما حصل في الأعوام 2005م، 2006م ، 2007م قبل انفجار الأزمة المالية في تشرين الأول (أكتوبر) 2008م. أما وقد انفجرت الأزمة المالية من نيويورك وأمطرت العالم كله أزمات مالية، تسارعت البنوك السعودية وغيرها في إيقاف تجديد القروض والتسهيلات التي كانت تغذي هذه الشركات بالوقود المالي والنقدي اللازم للاستمرار في عمليات الإنتاج والبيع. لذا فإن الشركات السعودية تواجه اليوم معضلتين ماليتين: الأولى: تتمثل في انخفاض إيراداتها من عملياتها التجارية أو انخفاض قيمة أصولها بسبب التداعيات السلبية للأزمة المالية العالمية على جميع القطاعات الاقتصادية . هذه التداعيات أثرت سلباً في قدرة هذه الشركات على سداد القروض التي لم تجددها البنوك ،كما كان يتم في الأعوام الماضية، وطالبت بسدادها في تاريخ استحقاقها. وكذلك الحال بالنسبة للفوائد المستحقة على هذه القروض. الثانية: قيام البنوك السعودية بإلغاء أو الحد من حجم القروض والتسهيلات المالية التي كانت تقدمها لهذه الشركات لتمويل عمليات التشغيل والتطوير. الأزمة المالية العالمية في حجمها وسرعة انتشارها كان من الصعب على الشركات التنبؤ بها ، وإجراء الاحتياطات المالية اللازمة لمواجهتها. لذا فإنها وجدت نفسها فجأة أمام أزمة مالية مع البنوك التي سارعت إلى عدم تجديد قروضها أو الحد منها لمواجهة مخاطر الأزمة المالية العالمية. من هنا بدأت تظهر عمليات الإفلاس التي أخذت تطل علينا في الأخبار المقروءة والمسموعة، وبدأ معها تخفيض التقييم الائتماني للشركات ولبعض البنوك ذات القروض الكبيرة لهذه الشركات المتعثرة. لابد من الإشارة هنا إلى أننا لا نُحمل الأزمة المالية العالمية كل الأسباب ونعفي المالكين لهذه الشركات أو المصانع أو القائمين على إدارتها المالية من بعض الأخطاء سواءً من حيث التوسع في الاقتراض القصير الأجل من البنوك لتمويل عمليات استثمارية طويلة الأجل، أو الاستفادة من هذه القروض والتسهيلات في عمليات استثمارية مخاطرها كبيرة، هذا قد يكون جزءا من الواقع، لكن تبقى الأزمة المالية العالمية وتداعياتها هي العامل الأساسي في الأزمة المالية لهذه الشركات. هنا يبرز دور وزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي، في ضرورة اتخاذ خطوات فاعلة لاحتواء الآثار المدمرة للأزمة المالية العالمية في القطاعات الاقتصادية السعودية والشركات والمصانع ذات الجدوى الاقتصادية طويلة الأجل التي تحتاج إلى دعم مالي، ويمكن لهذا الدعم أن يتمثل في تحويل قروض الشركات قصيرة الأجل من البنوك إلى قروض طويلة الأجل أما من الدولة أو من البنوك ولكن بضمانة الدولة وذلك مقابل تنازل أو رهن الشركة لشيء من أصولها وأسهمها لصالح صندوق الدولة (صندوق الاستثمارات العامة أو الصندوق الصناعي). مثل هذا الإجراء أو ما شابهه يعطي الشركات المتعثرة مالياً فسحة من الزمن تسترد فيها أنفاسها وقواها لمعالجة آثار الأزمة المالية العالمية على وضعها المالي. البنوك السعودية أو أي بنوك أخرى لا تستطيع تحمل مخاطر المستقبل الطويل، لأنها قائمة على قاعدة تمويلية ذات أمد قصير كما أسلفنا في ظل غياب سوق مالية للدين الطويل الأجل. لذا فإن الدور الأساسي هنا لحماية الشركات والمصانع الوطنية من الإفلاس والدمار، هو لوزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي، وهما وحدهما القادرتان على تحمل مخاطر الإقراض طويلة الأجل لإنقاذ الشركات السعودية والمصانع من الإفلاس والانهيار. لقد رأينا دولاً لها الريادة في مجال اقتصاديات السوق وفي نهج سياسة محافظة تقضي بالحد من تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي تقف بشكل مباشر في وجه الأزمة المالية وتداعياتها على الشركات والمؤسسات المالية, حيث قامت وزاراتها المالية وبنوكها المركزية بضخ أموال كثيرة لمنع إفلاس مؤسسات وشركات في قطاعات مختلفة من اقتصادها الوطني، في المجال المالي والعقاري والصناعي. لذا فإنني اقترح مرة أخرى إنشاء هيئة مشتركة من وزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي يوكل لها بشكل مباشر وبأقل قدر من البيروقراطية الحكومية، مهمة التعاطي مع هذه المشكلة والعمل مع كل من البنوك والشركات المتعددة للوصول إلى هيكلة مالية يسهم فيها كل طرف من الأطراف الأربعة : وزارة المالية ومؤسسة النقد والبنوك والشركات كل بما لديه من أجل الحفاظ على الشركة أو المصنع من الإفلاس ما دامت الجدوى الاقتصادية لهذه الشـركات وأهميتها للاقتصـاد الوطنـي قائمـة، ويمكن لهذه الهيئـة أن تقوم بعدة أمـور ماليـة منها: 1) دعم البنوك بغطاء مالي يقلل من مخاطر الإقراض للشركات المتعثرة مالياً ويجعلها قادرة على تجديد القروض والتسهيلات الائتمانية لهذه الشركات ضمن إطار عام وهيكلة جديدة للأصول المالية والقروض لهذه الشركات. 2) دخول صندوق الاستثمارات العام - الفرع الاستثماري لوزارة المالية - إما مقرضاً لآجال طويلة أو مساهماً في هذه الشركات من خلال تملك جزء من رأسمالها ومن ثم إعادة طرحه لمساهمين آخرين أو لأصحاب هذه الشركات بعد أن تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي. إن ترك الشركات والمصانع الوطنية تحتضر وتموت على يد البنوك التي منعت عن الشركات المتعثرة مالياً الماء والهواء بتجميد أرصدتها، هو أسوأ دور لوزارة المالية ومؤسسة النقد، وستكون نتائجه انهيار بعض الشركات والمصانع التي هي إحدى لبنات القطاع الخاص إضافة إلى ضياع القروض والإعانات المالية التي قدمتها الدولة لقيام صناعات وطنية وقطاع خاص منتج. لنأخذ على سبيل المثال، صناعتين أعتقد أن الدولة تعدهما صناعات مهمة حيث قدمت لها دعماً مالياً كبيراً على هيئة رأسمال أو قروض وهي: 1) صناعة البتروكيماويات الممثلة في الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك". 2) صناعة الحديد، الممثلة أيضاً في شركة حديد التابعة لـ "سابك". لقد تعرضت كلتا الصناعتين لآثار سلبية من جراء الأزمة المالية العالمية، أثرت على مبيعاتها وإيراداتها، ولولا أن الدولة هي المالك الأساسي لهاتين الصناعتين، ومع الدولة يأتي الدعم المالي والمعنوي وتأتي الثقة لدى البنوك المقرضة بأن قروضها لن تذهب سدى،لولا هذا الدعم الحكومي الظاهر أو الباطن لهاتين الشركتين لتعرضت هذه الصناعات الاستراتيجية للموقف ذاته، تجاه البنوك الدائنة، ما قد يعرضها للإفلاس والتوقف. هناك صناعات مشابهة لهاتين الصناعتين ليس بالضرورة من حيث الحجم، ولكن من حيث الأهمية للاقتصاد الوطني الذي من أهم مكوناته الإنتاجية القطاع الخاص بشركاته ومصانعه ومؤسساته حسب استراتيجية الدولة وخططها الخمسية. هذه الشركات المملوكة للقطاع الخاص تتعرض اليوم لأزمة مالية بسبب الأزمة المالية العالمية وتداعياتها ويكون السؤال إذن هو : إن كان الأمر يتعلق بالاقتصاد الوطني ودعم مؤسساته الإنتاجية وصناعاته الأساسية، فلماذا تتدخل الدولة هنا ولا تتدخل هناك ؟ إن صناعة مثل الحديد أو الأسمنت أو البتروكيماويات أو غيرها من تلك التي تقوم بتصنيع منتج يلعب دوراً مهما في عمليات الإنتاج، عندما تصاب بعاصفة مالية هوجاء لأسباب خارجة عن عملياتها الإنتاجية وإدارتها المالية لا حول لها بها ولا قوة، فإن من واجب السلطات المالية المعنية بالشأن الاقتصادي على مستوى الوطن، النظر في هذه الإشكالية المالية الطارئة حتى لا تطيح بصناعة يسبب إفلاسها خسارة اقتصادية وطنية إلى جانب الخسارة الفردية. فبناء مصنع ذي طاقة إنتاجية عالية يغذي السوق المحلية بإنتاج ويصدر جزءا منه إلى الخارج، ويوظف بعضاً من العمالة الوطنية، ليس من السهل الوقوف صمتاً أمام انهياره بسبب أزمة مالية عالمية شبه طارئة. الصناعات التي تعاني ضائقة مالية يعود معظم أسبابها إلى انخفاض الطلب بشكل حاد على منتجاتها وخدماتها, وبالتالي هبوط إيراداتها الذي أثر بالتالي في قدرة هذه المصانع على سداد الفوائد والقروض البنكية التي حلت آجالها. إن عدم وضوح الرؤية المستقبلية لمصير هذه الصناعات وعدم وضوح موقف وزارة المالية ومؤسسة النقد من هذه الإشكالية جعل البنوك تهرع إلى تشديد موقفها تجاه هذه الشركات, وذلك بعدم تجديد القروض التي استحقت آجالها ومعظمها قروضا قصيرة الأجل أو سحب وتقليص بعض التسهيلات الائتمانية وتبني موقف لا يمكن وصفه بالمتعاون. المرء قد يجد تبريراً لموقف البنوك التي تبحث عن تأمين استرداد قروضها في الأزمات المالية، لكن الموقف الذي لا يبرر هو موقف وزارة المالية، موقف المتفرج أمام صناعات وشركات وطنية تحقق أرباحا جيدة حتى تاريخ انفجار الأزمة المالية وتتعرض للإفلاس بسبب أزمة مالية لا حول لها بها ولا قوة. المطلوب من وزارة المالية والمعنيين بالشأن الاقتصادي الوطني هو دراسة وضع الشركات الوطنية ذات الجدوى الاقتصادية والواقعة في أزمة مالية بسبب الأزمة المالية العالمية التي جعلتها مهددة بالإفلاس والانهيار وتقديم الدعم المالي اللازم لها وذلك بضمان جزء من قروضها البنكية أو استبدالها بقروض طويلة الأجل من صندوق الاستثمارات العامة، كما تستطيع وزارة المالية أيضاً ومن خلال علاقتها الوثيقة بمؤسسة النقد العربي السعودي توجيه البنوك لاعتماد سياسة تعاونية وإيجابية مع الشركات والصناعات ذات الجدوى الاقتصادية والمالية فيما يتعلق بتجديد قروضها أو تأجيل سداد فوائدها لآجال قصيرة ومتكررة حتى تستطيع هذه المصانع والشركات استرداد أنفاسها خصوصاً أن بوادر انفراج الأزمة المالية العالمية بدأت معالمها تلوح في الأفق. ما اقترحه هنا ليس جديداً في مسرح العلاقات المالية بين الدولة والقطاع الخاص في ظل الأزمة المالية العالمية الراهنة، فدعم الشركات والمؤسسات المهمة وحمايتها من الإفلاس، قامت وتقوم بها الدول الرائدة في اقتصاد السوق لمواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية. يتردد كثيرا القول إن الأزمة المالية العالمية لم تؤثر في وضع بنوكنا واستثماراتنا، وذلك بفضل السياسة المالية والاستثمارية المحافظة جداً لمؤسسة النقد العربي السعودي ووزارة المالية وهذا قول لا يستطيع المحلل المالي والاقتصادي القبول به قبل إجراء رصد للفوائد والخسائر التي نجمت عن هذه السياسة الاستثمارية الخارجية المحافظة جداً على مدى العشر سنوات الماضية على سبيل المثال. لكن ليس هذا هو موضوع المقال فقد يكون له وقت آخر. ما أريد أن قوله هنا أنه وأن تجاوزنا أثر الأزمة المالية العالمية على البنوك بفعل السياسة الاستثمارية المحافظة التي تنتهجها وزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي، فإن هذه الأزمة ستؤثر في صناعتنا وقطاعاتنا الاقتصادية المختلفة إن لم تأخذ وزارة المالية ومؤسسة النقد موقفاً إيجابياً وفاعلاً للحد من دفع البنوك السعودية الشركات والمصانع الوطنية ذات الجدوى الاقتصادية والمالية طويلة الأجل إلى الإفلاس، بسبب سياستها الإقراضية المحافظة، وبسبب غياب سوق سندات طويل الأجل متاح للبنوك والشركات وبسبب عدم تدخل وزارة المالية لمنع إفلاس هذه المصانع والشركات الوطنية التي عصفت بها أزمة مالية عالمية أتت من خارج الحدود وخارج إراداتها وقدرتها. الأزمة المالية العالمية لم تكن حدثاً اقتصادياً ومالياً، كان على الشركات والمصانع أخذ الاحتياطات اللازمة له، فالأزمة كانت صاعقة أقوى من قوى السوق وفوق تنبؤاته وحساباته، ليس فقط على مستوى القطاع الخاص ولكن حتى على مستوى المؤسسات الحكومية. فوزارة المالية أول من عانى هذه الأزمة المالية التي سببت انخفاضاً حاداً في أسعار البترول وبالتالي هبوطاً في إيراداتها مما جعل وزارة المالية غير قادرة على تمويل ميزانياتها لعام 2009م بعد أن كانت ميزانيتها لعام 2008م تحفل بالفوائض المالية، فلجأت الوزارة إلى الاستدانة من أرصدتها الخارجة لتمويل ميزانية 2009م. إن الشركات الوطنية ذات الجدوى الاقتصادية الجيدة ليست لديها احتياطات مالية كبيرة مثل وزارة المالية، فهي مدينة للبنوك المحلية والأجنبية بقروض قصيرة الأجل لتمويل عملياتها التشغيلية وعملياتها الاستثمارية طويلة الأجل، وكان يمكن لهذه المصانع والشركات أن تتجاوز الأزمة لو أن البنوك وخصوصاً السعودية تحملت شيئا من المخاطر واستمرت في تجديد القروض أو جدولة الفوائد المستحقة لآجال قادمة. وقد لا تلام البنوك على ذلك في ظل غياب موقف واضح وصريح من وزارة المالية في دعم قروض الشركات المتعثرة ذات الجدوى الاقتصادية. تقول وزارة المالية إنها لمواجهة مثل هذه الحالة فقد زادت معدلات الإقراض لدى صندوق الاستثمارات العامة والصندوق الصناعي. إن الإعلان في حد ذاته لا يحل المشكلة المالية العالقة بين البنوك السعودية وبعض الشركات والمصانع الوطنية فيما يتعلق بالسداد والتي جعلت هذه الشركات والمصانع في حالة إفلاس قانونية. الأمر يتطلب تدخلاً مباشراً وفاعلاً من قبل وزارة المالية ومؤسسة النقد للحد من عمليات الإفلاس التي بدأت تطل برأسها وتزداد يوماً بعد يوم والتي إن تداعت وتكاثرت ستؤثر في الاقتصاد الوطني بشكل سلبي يضيع الجهود التي قامت بها الدولة على مر السنين الماضية لبناء شركات ومصانع منتجة تدعم الاقتصاد الوطني وتبني قطاعاً أهلياً هو العمود الفقري في عملية إنتاج السلع والخدمات وخلق فرص عمل منتجة للمواطنين وليست هذه هي الاستراتيجية الاقتصادية التي يقوم عليها النهج الاقتصادي للدولة.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها
بعد تجربة هبوط الأسهم هل نراجع أنفسنا؟
بعد تجربة هبوط الأسهم هل نراجع أنفسنا؟

شاهدنا وعشنا جميعا حركة التصحيح (الهبوط) الحادة التي شهدتها سوق الأسهم والتي بدأت في أواخر شهر المحرم من...

إذا لم يكن لك حساب لن تتمكن من الاكتتاب .. لماذا؟
إذا لم يكن لك حساب لن تتمكن من الاكتتاب .. لماذا؟

إذا لم يكن لديك حساب في البنك فإنك لا تستطيع الاكتتاب في الأسهم المطروحة بالسوق الخاصة بالمجموعة السعودية...

Author

صناعة السوق فن لا يتقنه إلا القلة

|
<p><a href="mailto:[email protected]">[email protected]</a></p> كثر الحديث عن صناع السوق ودورهم المأمول في إعادة الثقة إلى سوق الأسهم بعد الانهيار الكبير الذي تعرضت له، وانقسم المختصون في أسواق المال في آرائهم، بين مادح وقادح للأدوار التي قام بها الصناع في مرحلتي صعود الأسهم وهبوطها، وفي مرحلة التشافي الحالية. وبعيدا عن الآراء الحادة، يمكن القول إن صناع السوق المنضبطين كانوا ولا يزالوا يمارسون أدوارا قيادية في توجيه السوق وإعطائها الزخم الكبير الذي لم تكن تتمتع به من قبل، إلا أنهم، وهذه حقيقة ثابتة، ينقسمون فيما بينهم بين القائد المحنك وبين القائد الذي أقحم نفسه في قيادة الجمع دون أن يكون لديه الإلمام الكافي بمتطلبات القيادة ما أدى إلى خسارته وخسارة من معه، لذا يعتبر من الظلم حقا أن نتحدث عن صناع السوق بصفة العموم دون تمييز بينهم، فنلحق المصلح بالمسيء. كتبت هذه المقدمة بعد أن بدأت ألحظ جهود صناع السوق الحقيقيين لإعادة بناء سوق الأسهم السعودية على أسس علمية تنم عن ذكاء خارق وعمل محترف. نجح بعض الصناع في نفض بقايا الانهيار من فوق عباءة السوق متسلحين بمقدرتهم الفائقة على صناعة السوق أو ما يمكن أن نطلق عليه "فن صناعة السوق". فالمعروف أن أسواق المال الخليجية قد تعرضت إلى انهيارات عنيفة بدأت مع بداية عام 2006 وهي لا تزال تعاني من آثار الانهيارات ولم تستطع حتى اليوم الخروج من عنق الزجاجة، رغم التدخلات الحكومية، وسن القوانين والأنظمة الداعمة لتلك الأسواق. كانت السوق السعودية آخر الأسواق الخليجية تحركا لدعم سوقها في مواجهة الانهيار، إلا أنها أصبحت أول الأسواق الخليجية تشافيا من الكارثة التي حلت بأسواقنا الخليجية. التدخل الحكومي القوي والإرادة السياسية أدتا إلى خلق قناعات لدى صناع السوق مفادها، أن الدولة لن تترك سوق الأسهم في محنتها التي عصفت بها، وستعمل جاهدة على إعادة التوازن لها من جديد، ما أدى إلى عودة صناع السوق لممارسة أدوارهم الحقيقية التي قادت السوق، بفضل الله، إلى تعويض أكثر من 40 في المائة من خسائرها في مدة زمنية بسيطة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، مقارنة بحجم الكارثة. من هنا كان لزاما علينا أن نبرز الدور الحيوي الذي مارسه صناع السوق المنضبطون، الذين يهدفون دائما إلى تحقيق المكاسب المزدوجة، مكاسبهم الشخصية ومكاسب السوق والمتداولين، وفق المعايير العادلة والنزيهة، فالسوق السعودية تزخر بصانعي سوق من الدرجة الأولى، وهم بحق مكسب حقيقي لأي سوق مالية يتواجدون فيها، وأستثني من هؤلاء حديثي العلم بسوق الأسهم من كبار المضاربين الذين أوقعوا السوق في مستنقع الانهيار، وها هم يعودون لممارسة دورهم الشقي الذي ربما أجهض كل المحاولات الخيّرة التي بذلت من أجل إرجاع السوق إلى وضعها الطبيعي. مع ظهور المجموعات Groupsأصبح لدينا صناع سوق غير منضبطين في مقابل الصناع الحقيقيين ما قد يخلق نوعا من التصادم غير المحمود الذي ربما جرّ السوق إلى مرحلة جديدة من عدم الاستقرار وانعدام الثقة، فالمجموعات الجديدة لا تعترف بمراكز الشركات المالية كمبدأ في تحديد القيم العادلة للأسهم، إنما تعتمد أساسا على عنصر السيطرة والاستحواذ، وتحديد النطاقات السعرية المرتفعة معتمدة على قوة الدعم المالية، وهو أمر خطير لا بد أن يقحم السوق، مستقبلا، في منزلقات الانهيار. الانسجام والتفاهم هما المدخل الحقيقي للحؤول دون حدوث التصادم المدمر بين فئتي الصناع، كما أن تفهم هيئة السوق المالية لوضعية الصناع وكبار المضاربين قد يساعد كثيرا في خلق جو من التعاون المثمر بين بعض أطراف السوق الفاعلة. يمكن خلق الانسجام والتفاهم المثمرين من خلال تشكيل مجلس استشاري لسوق الأسهم بحيث يضم في عضويته نخبة من صناع السوق، كبار المضاربين، الخبراء، وأعضاء من هيئة السوق، ووزارتي المالية والتجارة. يهتم المجلس بشؤون سوق الأسهم السعودية، ويكون وسيلة لتبادل الأفكار، وكشف مكامن الخطر والتجاوزات، ونقل المعلومات وإصدار التوصيات في كل ما من شأنه حماية السوق والمتداولين وحماية الاقتصاد الوطني من الأزمات الحادة. أعتقد أن المجلس، إذا ما أنشئ، فإنه سيحقق الكثير من النجاحات، وسيقدم الكثير من التوصيات الكفيلة بالارتقاء في الأداء، وسيساعد على إذابة جبل الجليد والاحتقان بين بعض الأطراف الفاعلة في السوق، وربما يصبح، مستقبلا، جهاز الإنذار الأول لمواجهة الأخطار، ومركزا فاعلا لمعالجة الأزمات.
إنشرها
Author

حوكمة الشركات بين الطواعية والنظام..

|
كاتب اقتصادي <p><a href="mailto:[email protected]">[email protected]</a></p> اكتسبت قضية الحوكمة أهمية كبيرة منذ انفجار الأزمة المالية الآسيوية، فضلاً عن سلسلة اكتشافات تلاعب الشركات في قوائمها المالية مثل فضيحة شركة انرون، وشركة بارملات، وشركة ورلد كوم، مما جعلها تمثل إحدى أهم القضايا التي استحوذت علي اهتمام المؤسسات التنظيمية العامة والمهنية والخاصة إضافة للأكاديميين والممارسين للأعمال التجارية بكافة أنواعها، ورغم التباين الكبير في درجة الاهتمام بين الدول المتقدمة والنامية، إلا أنه يمكننا القول إن بعض الدول النامية أبدت اهتماما مناسبا بهذا المفهوم الجديد، ونحن في المملكة بدأنا نعطي هذا الموضوع اهتماما بالغا خاصة بعد انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية. والحوكمة كمفهوم تعني ببساطة وضع مجموعة من التنظيمات والتطبيقات التي تهدف في النهاية إلى فرض نظام رقابي على الشركات من أجل الإفصاح السليم "وليس الإفصاح المبالغ فيه" والشفافية العالية بما يخدم مساهمي الشركة والمتعاملين معها وأصحاب المصالح منعا لتفرد أو تلاعب أعضاء مجلس الإدارة بالشركة، وباختصار فإن الحوكمة تهدف أن تكون الشركة من الوضوح والشفافية بالنسبة للمساهمين والمتعاملين معها كما هي بالنسبة لأعضاء مجلس الإدارة، لكي يستطيعوا بناء قراراتهم على بينة. وكما أن الحوكمة تمنع أعضاء مجلس الإدارة من التفرد والتلاعب، وهذا ما يرفضه الكثير منهم لسبب أو لآخر، فإنها على الجانب الآخر تقدم لهم طبقا من النتائج الإيجابية المباشرة وغير المباشرة، ومن الآثار المباشرة على الشركة للحوكمة الجيدة تمكنها من أن تعلب دوراً فعالاً في مجالات الإصلاح المالي والإداري للشركة، وزيادة ثقة المستثمرين والممولين في قوائمها المالية وما يترتب على ذلك من الحصول على تمويل أرخص، ومن الآثار غير المباشرة للحوكمة الجيدة تنشيط الاستثمار الوطني وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية والمساعدة على الحد من هروب رؤوس الأموال الذي نعاني منه حاليا، كما تدعم الجهاز المصرفي وتزيد قدراته، وتفعل سوق الأوراق المالية، وتدفع عجلة التنمية الاقتصادية بقوة. وإذا كان النظام يجبر الشركات على تحقيق شروط ومتطلبات الحوكمة الجيدة، فإن النتائج الإيجابية تحفز الشركات على اللجوء للحوكمة الجيدة طواعية وليس خوفا أو امتثالا للنظام، وهذا بطبيعة الحال أفضل بكثير فمن يعمل بقناعاته كمؤثر داخلي يحقق نتائج إيجابية أكثر ممن يعمل تحت تأثير الخوف من النظام كمؤثر خارجي، وشتان بين المؤثر الداخلي الذي يشكل قوة دافعة، والمؤثر الخارجي الذي يشكل قوة رادعة. والوضع الطبيعي في تطبيق أي نظام يقول إن الغالبية تحترم وتطبق النظام طواعية ليقينها بنتائجه الإيجابية، وأن القلة القليلة هي من تخالف النظام لحاجة في نفسها، وأن النظام لها بالمرصاد، ولكي أؤكد لكم هذه الحقيقة تخيلوا معي حركة المرور فنحن نلتزم باحترام نظام المرور طواعية لمعرفتنا بالنتائج الإيجابية لذلك، والقليل القليل هو من يخالف فيرصده النظام ويوقفه عند حده، ولو أن العكس هو الصحيح لما استطاع النظام ضبط الحركة ولأصبح الخطر يدهمنا من كل مكان. إذن الوضع الصحي والمطلوب هو أن تطبق الشركات نظام الحوكمة طواعية لما ستنعم به من نتائج إيجابية، ونعني بالشركات هنا أعضاء مجالس الإدارات وهم من يسيطرون عمليا على هذه الشركات، ويخشى الجميع أن يوظفوها لتحقيق مصالحهم على حساب مصالح المساهمين والاقتصاد الوطني، ومن لا يعمل طواعية لطمع في نفسه ونقص في عقله فإن النظام به كفيل ليردعه ويردع أمثاله من أن يظلم نفسه ويظلم الآخرين معه. وإذا كانت النتائج الإيجابية دافعا لأعضاء مجالس الإدارات لتطبيق نظام الحوكمة في الدول الغربية، فإن ما وعدنا به رب العزة والجلالة بالنعيم الذي لا ينفد في الآخرة وبطيب العيش في الدنيا إذا تعاملنا مع الآخرين بالأخلاق الإسلامية السامية ( الأمانة، الصدق، الإخلاص، العدل، المساواة، الوفاء بالوعود والعهود.. إلخ) لهو حافز إضافي إن لم يكن رئيسيا لدينا معاشر المسلمين لتطبيق مفاهيم وقيم الإدارة الأخلاقية التي ينادي بها الغرب اليوم بعد أن نضج فكريا نتيجة التجربة والخطأ. وختاما أوجه خطابي لأعضاء مجالس إدارات الشركات المدرجة والمرتقب إدراجها لأقول لهم لم يخلد التاريخ صاحب مال دون أخلاق إلا قارون، وأظنكم لا ترغبون بهذا النوع من التخليد، لكنه بالتأكيد خلد الكثير من الأثرياء أصحاب القيم الأخلاقية وبلادنا ولله الحمد تغص بهم ولا مجال لذكرهم حتى لا نذكر أحدا ونسى الآخر، لكنني سأذكر شخصية عالمية أخلاقية سيخلدها التاريخ وهو بيل جيتس الذي غطى صيته الأخلاقي - بدعمه للمناشط الخيرية ذات الطابع الإنساني - على صيته التجاري، وكلي أمل بأن تطغى الإدارة الأخلاقية في بلادنا على حساب اللا أخلاقية وأبناء بلدي جدراء بذلك.
إنشرها
حوكمة الشركات بين الواقع والتطبيق
حوكمة الشركات بين الواقع والتطبيق

يبدو جليا في الأفق أن السوق المالية تخطو خطوات ثابتة نحو آفاق المستقبل في ظل رؤية واضحة لهيئة السوق المالية...

نظام الكفالة السعودي نحو العالمية
نظام الكفالة السعودي نحو العالمية

ورد في مجلة "ناشيونال ريفيو" الأمريكية في 13 (يناير) 2004 مقال لمارك كريكوريان المعروف بتحامله...

الأسهم.. كصكوك صادرة من الشركات المساهمة (2)
الأسهم.. كصكوك صادرة من الشركات المساهمة (2)

أشرت أثناء الحديث عن الأسهم كصكوك تصدرها الشركة المساهمة، إلى المرسوم الملكي الكريم رقم م/22 وتاريخ 30/7...

Author

اكتتابات ... مع وقف التنفيذ

|
[email protected] تتكون أي سوق مالية في العالم من سوق أولي (يعرف بسوق الإصدارات الأولية) وسوق ثانوي (يعرف بسوق التداول) يعملان جنبا إلى جنب لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للسوق المالية، حيث تتركز الاكتتابات و الإصدارات في السوق الأولي وتتركز عمليات الشراء والبيع اليومية في السوق الثانوي. يتم قياس مدى تطور أي سوق مالية من خلال معايير متعارف عليها من أهمها: (1) مستوى التنظيم والرقابة (2) درجة كفاءة السوق (3) القيمة السوقية الإجمالية (4) قطاعات السوق ومدى تمثيلها للاقتصاد (5) حجم الشركات المدرجة من حيث الأصول والمبيعات (6) أداء الشركات المدرجة من حيث التقييم والنمو. لقياس عمق الأسواق المالية، يتم استخدام معايير مختلفة من أهمها: (1) عدد الشركات المدرجة (2) العدد الإجمالي للأسهم المتداولة (3) حجم/ قيمة التداول اليومية (4) عدد الصفقات اليومية، وهنا يجب ألاَّ نخلط بين معايير تطور الأسواق ومعايير عمقها حيث إن البعض يتعامل مع "عدد الشركات المدرجة" على أنها معيار لتطور السوق مما يعني انحرافا واضحا في الاستراتيجيات التي يجب أن تركز أولا على معايير تطور السوق المالية ثم التركيز على معايير عمقها. إن الإطار الصحيح لسوق الإصدارات الأولية ينحصر في تأسيس شركات جديدة أو في تحول شركات قائمة من ملكية خاصة إلى ملكية عامة من خلال عملية لرفع رأس المال حيث تذهب متحصلات الاكتتاب في الحالتين إلى حقوق المساهمين في هذه الشركات مما يعني توسعاً حقيقياً في الأصول وفي توظيف الموارد الطبيعية والبشرية. في المقابل، نجد أن استراتيجية التخارج بين المؤسسين والمكتتبين لا تنطوي على توسع في الأصول أو في الموارد بل هي في الحقيقة استنزافا للعرض النقدي الذي يعتبر أمانة موكلة بيد المسؤولين في مؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية يجب توجيهه دائما لخدمة الاقتصاد الوطني. عند دراسة الاكتتابات في سوقنا المالية، نجد أن جميعها اتبع استراتيجية التخارج (باستثناء شركة البولي بروبلين المتقدمة) وهي استراتيجية لا تقدم أي قيمة مضافة للاقتصاد لأنها لا تخدم إلا المؤسسين البائعين. في الإطار نفسه، نجد أيضا وجود ارتباط ايجابي بين تاريخ الإعلان عن هذه الاكتتابات وتاريخ بعض الانخفاضات في القيمة السوقية الإجمالية إلا أن الأهم من ذلك هو ظهور مشكلات رئيسية في سوق الإصدارات الأولية تتلخص في الآتي: 1. صغر حجم بعض الشركات المدرجة حديثا في السوق (حيث إن رأسمال بعضها لا يتجاوز 400 مليون ريال فقط) مما يدل على أن إدراج هذه الشركات الصغيرة لا يعكس بأي حال قوة ومتانة الاقتصاد الوطني، ولنتساءل هنا: لماذا لا تعطى الأولوية للشركات العملاقة التي تعكس قوة وصلابة اقتصادنا بدلا من سياسة "المكتمل أولاً يدرج أولاً"؟ 2. المخاطر الائتمانية المرتفعة لبعض هذه الشركات و التي تجاوزت قيمة المديونية فيها إجمالي رأس المال مما يعني زيادة في عدد الشركات المثقلة بالديون في السوق، والسؤال الآخر: ما موقف الهيئة فيما لو واجهت إحدى هذه الشركات مخاطر الإفلاس؟ 3. قيام بعض الشركات بتغييرات جوهرية في هيكلة رأس المال لأسباب غير منطقية بهدف زيادة عدد الأسهم المطروحة للاكتتاب وهذا يضع أكثر من علامة استفهام!! 4. التقييم المرتفع لعلاوات الإصدار ووصول السعر السوقي لأسهم معظم الاكتتابات لمستويات أقل من سعر الطرح مما يعني تحقيق المكتتبين خسائر نتيجة لاكتتابهم في هذه الشركات. ولنتساءل: أين المستشارون الماليون الذين كانوا يدافعون عن عدالة تسعير علاوات الإصدار؟ ولماذا لا يقومون الآن بالشراء طالما أن الأسعار السوقية اقل من القيمة العادلة؟ 5. مماطلة بعض الشركات في استكمال إجراءات الإدراج لتفادي تداول السهم بأقل من سعر الطرح مما يضع هيئة السوق المالية في موقف محرج، وسؤالي: ما موقف الهيئة مع المكتتبين فيما لو تأخرت إجراءات الإدراج لأسابيع أو لأشهر؟ 6. وصول سوق الإصدارات الأولية لمرحلة النضج مما يعني ارتفاع مخاطر تغطية الاكتتابات على البنوك وهذا بدوره يزيد المخاطر على القطاع المصرفي في المملكة و قد يؤدي إلى رفع رسوم الاكتتابات إلا أن هذا الرفع لن يعوق هذه الشركات (بأي حال من الأحوال) عن المضي قدما بسبب متحصلات الاكتتاب المغرية جدا. 7. وجود عدد هائل من الشركات (يفوق عددها عدد الشركات المدرجة أساسا في السوق) التي تنتظر دورها لدخول السوق المالية إضافة إلى عدم وجود توازن بين جدولة الاكتتابات من طرف و نمو العرض النقدي و القيمة السوقية الإجمالية من طرف آخر، ولنتساءل: أين هذه الاكتتابات عندما كانت السوق تحقق ارتفاعات حادة خلال الفترة بين 2003م-2005م؟ هل العدد الهائل من الاكتتابات الجديدة هو توجه لتعويض أخطاء الماضي؟ في ظل هذه السلبيات، نأمل من مسؤولي هيئة السوق المالية الموقرة إعادة النظر تجاه سوق الإصدارات الأولية وتبني فكرة إيقاف الاكتتابات الجديدة مؤقتا لأن الهدف في هذه المرحلة الحرجة يجب أن يكون موجهاً نحو إعادة الثقة بين المستثمرين ونحو دعم القيمة السوقية الإجمالية التي تعاني نزيفا هو الأكبر في تاريخ السوق المالية السعودية و هو بلا شك إجراء مؤقت سبقتنا إليه بعض الأسواق المالية الإقليمية آخذين في الاعتبار أن عمق السوق هو توجه استراتيجي بعيد المدى يحتاج في تطبيقه إلى سنوات طويلة. نحن نؤمن أن سوق الإصدارات الأولية هي جزء لا يتجزأ من السوق المالية وأنه عند انتهاء الأزمة التي تعانيها السوق المالية حاليا، فإنه يجب إعادة جدولة الاكتتابات الجديدة ولكن ضمن ضوابط ومعايير محددة بهدف تلافي السلبيات القائمة والارتقاء بسوق الإصدارات الأولية مع الأخذ في الاعتبار دراسة عدة اقتراحات منها: الاكتتاب على دفعات والإدراج المباشر للأسهم (كما هو معمول به حاليا في دولة الكويت الشقيقة). وأخيرا تحديد نسبة تخصيص أعلى من الأسهم لأرامل وأبناء شهداء الوطن ولذوي الاحتياجات الخاصة (المعمول بها أيضا في دولة الإمارات الشقيقة).
إنشرها
Author

الأدوات المالية في سوق الأسهم السعودية

|
[email protected] تعاني السوق المالية السعودية قلة الأدوات المالية بالمقارنة بباقي الأسواق المالية العالمية أو الإقليمية حيث إن الأدوات المالية المتاحة حاليا للشركات تعتمد بشكل رئيسي على: الأسهم العادية (أسهم جديدة أو أسهم حقوق الأولوية) والاقتراض المصرفي (قروض أو تسهيلات) وأخيرا السندات أو الصكوك الإسلامية، في حين يتاح للمستثمر الأسهم العادية والتمويل بالهامش. في الوضع الحالي، فإن إصدار الأسهم العادية للمرة الأولى (شركة حديثة التأسيس) أو لفترات لاحقة (أسهم حقوق الأولوية) يمثل إصدارا لأدوات ملكية تسعى من خلاله الشركات إلى تأسيس أو رفع رأس المال سواء تضمن ذلك علاوة الإصدار (لشركات قائمة) أو من دون (لشركات حديثة التأسيس). بالنسبة للقروض المصرفية، فهي أدوات دين تأخذ أشكالا متعددة مثل: القروض قصيرة ومتوسطة الأجل (بفائدة ثابتة أو متغيرة) أو تسهيلات الجاري مدين التي تمنح العميل خطا ائتمانيا بفائدة متغيرة يستخدمه عند الحاجة في حين تبرز السندات والصكوك الإسلامية كأدوات دين بديلة تتاح للشركات التي ترغب في تنويع مصادر تمويلها مع تكلفة أقل. بالنسبة للمستثمر، فإن أمامه خيارين إما الأسهم العادية كأداة ملكية وإما التمويل بالهامش كأداة دين. في السياق نفسه، تعتبر محدودية الأدوات المالية عاملا مهما يؤثر سلبيا في الهيكلة الحالية للسوق المالية السعودية ولهذا تسعى هيئة السوق المالية مشكورة إلى تطوير الأدوات المتاحة أو تلك التي لم تتح بعد ضمن جهودها الرامية إلى تطوير السوق المالية بشكل عام حيث تفتقد سوقنا حاليا العديد من الأدوات المالية الضرورية بهدف تنويع القنوات التمويلية والاستثمارية، التي نرى أن يتم تقديمها ضمن إطار شريعتنا الغراء، منها على سبيل المثال لا الحصر: 1. الأسهم الممتازة التي تتيح للشركات رفع رأس المال مقابل دفع توزيع نقدي سنوي محدد دون حصول المساهمين الجدد على حق التصويت في الجمعيات العمومية ودون لجوء الشركة لأدوات دين ترفع من حجم المديونية بالمقارنة بقيمة حقوق المساهمين. 2. أسهم الخزانة التي تتيح للشركات تخفيض رأس المال (بطريقة غير مباشرة لفترة مؤقتة) في جانب الالتزامات مقابل تخفيض النقدية في جانب الأصول بهدف رفع ربحية السهم وتخفيض مكررات الربحية. 3. المشتقات المالية، التي تتكون أساسا من عقود الخيار والعقود المستقبلية وعقود المبادلة لإعطاء المستثمر خيارات أوسع من القنوات الاستثمارية والاستفادة من ميزة الرفع المالي (تحديدا في عقود الخيار والعقود المستقبلية). 4. البيع المسبق، الذي يتيح للمستثمر المتشائم اقتراض أسهم من مالكها الأصلي للقيام ببيع الأسهم أولا ثم شرائها لاحقا لتغطية المركز المكشوف وإعادة الأسهم لصاحبها وهي بذلك تمنح توازنا بين عروض المتشائمين وطلبات المتفائلين. 5. الأوراق المالية القابلة للتحويل سواء تحويل السندات أو الصكوك الإسلامية إلى أسهم عادية أو تحويل الأسهم الممتازة إلى أسهم عادية وهي أداة مهمة تسمح للشركات تحويل أدوات الدين أو الملكية إلى أدوات ملكية (مثل تحويل السندات أو الأسهم الممتازة إلى أسهم عادية) مما يعني تخفيض المديونية أو رفع رأس المال بطريقة مخطط لها ضمن فترة زمنية معينة. 6. أوراق الإيداع الدولية التي تهدف إلى إصدار أسهم عادية جديدة عن طريق اكتتاب خاص بهدف تداولها في أسواق مالية عالمية (مثل سوق لندن للأسهم) وبالتالي تتمكن الشركات من رفع رأس المال والإدراج في أسواق مالية أخرى دون التأثير في العرض النقدي المحلي. إضافة إلى محدودية الأدوات المالية تبرز مشكلة أخرى لا تقل أهمية عنها وهي كيفية التعامل مع هذه الأدوات المالية في ظل ضعف الوعي بمفاهيم الإدارة المالية بين أعضاء مجالس إدارات الشركات، حيث نجد الكثير منهم يتخذ قرارات تدل على جهل واضح بأبسط هذه المفاهيم. فمثلا، نجد في شركة معينة تصل تكلفة رأس المال فيها نسبة 17 في المائة سنويا بالمقارنة بتكلفة تمويل تصل نسبتها 8 في المائة سنويا إلا أن مجلس الإدارة يوصي برفع رأس المال باستخدام أسهم حقوق الأولوية بدلا من الاقتراض ظنا منهم أنها أقل تكلفة وهو بلا شك خطأ شائع يؤكد ضعف الوعي المالي. على المنوال نفسه، خطأ آخر سيحدث فيما لو قرر مجلس إدارة شركة معينة تحقيق عائد بنسبة 20 في المائة سنويا على الاستثمار في الأصول استخدام حقها (إذا سمح النظام بذلك) بشراء أسهم الشركة نفسها (ما يعرف بأسهم الخزينة) في الوقت الذي يكون فيه العائد المتوقع على سهم الشركة لا يتجاوز 4 في المائة سنويا وهو أيضا خطأ يؤكد ضعف الوعي الاستثماري بين بعض أعضاء مجالس إدارات الشركات. بالنسبة للمستثمر، فإن كيفية التعامل مع الأدوات المالية تصبح صعبة عندما يكون هناك قصور في الوعي بمفاهيم الاستثمار والإدارة المالية مما يعرضه إلى أخطاء تكلفه الكثير من الأموال. فمثلا، لو قرر مستثمر ما استخدام التمويل بالهامش الذي يكلفه 9 في المائة سنويا في شراء سهم يعطيه عائدا لا يتجاوز 5 في المائة سنويا مما يعني تحمل المستثمر تكلفة مرتفعة للحصول على عائد محدود آخذين في الاعتبار أن الإطار الصحيح لمفهوم العائد لا يعني المكاسب الرأسمالية وإنما المكاسب من التوزيعات سواء كانت نقدية أو أسهما لأنها هي الهدف الحقيقي لأي استثمار. حتى نرتقي بسوقنا المالية العزيزة علينا، فإنه لا بد من توسيع قاعدة الأدوات المالية المتاحة أمام الشركات والمستثمرين ولا بد أيضا من رفع مستوى الوعي بمفاهيم الاستثمار والإدارة المالية بين جميع الأطراف ذات العلاقة بالسوق المالية بما في ذلك أعضاء مجالس إدارات الشركات، أعضاء الإدارات التنفيذية في الشركات، المستثمرون بكافة شرائحهم، مديرو الصناديق، مديرو المحافظ، الوسطاء وغيرهم وهي عملية بلا شك تمثل تحديا استراتيجيا أمام هيئة السوق المالية لتطوير هيكلة السوق. الأهم من ذلك هو أن لا تتعارض الأدوات المالية المقترحة مع مبادئ شريعتنا السمحة ونظام الشركات المساهمة ونظام السوق المالية والنظام الأساسي لكل شركة.
إنشرها
Author

عضو مجلس إدارة الشركة المساهمة .. غالب أم مغلوب

|
[email protected] قرار إيقاف تداول سهم شركة بيشة وشركة أنعام عن التداول أثار العديد من التساؤلات وزاد من حدة اللغط حول واجبات مجالس إدارات الشركات المساهمة تجاه الشركة ومسؤوليتهم عن نتائجها، وإثارة هذا الموضوع ظاهرة صحية تصب في مصلحة السوق والاقتصاد السعودي بشكل عام، فقد نصت المادة 72 من نظام الشركات على أن لمجلس إدارة الشركة المساهمة أوسع السلطات في إدارة الشركة، وبالتالي فقد فوضت الجمعية العامة صلاحياتها كليا (وهذا هو الغالب الأعم) أو جزئيا لمجلس الإدارة، وأرجو أن يشاركني القراء في هذا المقال المقتضب التعليق على بعض نصوص نظام الشركات، وتطبيقاتها على أرض الواقع. تأملوا النصوص التالية الواردة في نظام الشركات السعودي والتي تحكم تعارض المصالح أو المخالفات الممكن حدوثها من عضو مجلس الإدارة: المادة 69: "لا يجوز أن يكون لعضو مجلس الإدارة أية مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في الأعمال والعقود التي تتم لحساب الشركة، إلا بترخيص من الجمعية العامة العادية يحدد كل سنة .. إلخ، وعلى عضو مجلس الإدارة أن يبلغ المجلس بما له من مصلحة شخصية في الأعمال والعقود التي تتم لحساب الشركة .. إلخ". المادة 70: "لا يجوز لعضو مجلس الإدارة بغير ترخيص من الجمعية العامة العادية يجدد كل سنة، أن يشترك في أي عمل من شأنه منافسة الشركة أو أن يتجر في أحد فروع النشاط الذي تزاوله، وإلا كان للشركة أن تطالبه بالتعويض، أو أن تعتبر العمليات التي باشرها لحسابه الخاص قد أجريت لحسابها". المادة 71: "لا يجوز للشركة المساهمة أن تقدم قرضا نقديا من أي نوع لأعضاء مجلس إدارتها أو أن تضمن أي قرض يعقده واحد منهم مع الغير، ويستثنى من ذلك البنوك وغيرها من شركات الائتمان إذ يجوز لها في حدود أغراضها وبالأوضاع والشروط التي تتبعها في معاملاتها مع الجمهور أن تقرض أحد أعضاء مجلس إدارتها أو .. إلخ". المادة 72: "لا يجوز لأعضاء مجلس الإدارة أن يذيعوا إلى المساهمين في غير اجتماعات الجمعية العامة، أو إلى الغير ما وقفوا عليه من أسرار الشركة بسبب مباشرتهم لادارتها وإلا وجب عزلهم ومساءلتهم عن التعويض". ودعونا نطرح الأسئلة التالية ليجيب عنها كل قارئ بقدر ما رزقه الله من حصافة وفطنة: 1 – هل جميع أعضاء مجالس الإدارة في شركاتنا المساهمة لا تربطهم أي مصلحة مباشرة أو غير مباشرة بأعمال وعقود الشركة؟ وإذا وجدت هذه المصلحة هل قام العضو بإبلاغ المجلس رسميا بذلك، فضلا عن أخذ موافقة الجمعية العامة على ذلك؟ 2 – هل جميع أعضاء مجالس إدارة شركاتنا المساهمة مستقلون فعليا من حيث الشكل فضلا عن الموضوع؟ وهل من يقوم بمنافسة الشركة منهم قام فعلا بأخذ ترخيص من الجمعية العامة بذلك؟ ومن لم يحصل على ترخيص هل سبق أن تمت مطالبته بالتعويض أو بالاستقالة على الأقل؟ 3 – هل يمكن الجزم فعلا بعدم وجود معاملة تفضيلية في الشركات المساهمة بما فيها المؤسسات الائتمانية لأعضاء مجلس الإدارة؟ 4 – هل قام جميع أعضاء مجالس إدارات شركاتنا المساهمة بالمحافظة على سرية معلومات الشركة؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فلماذا أشارت هيئة السوق المالية إلى تجاوزات لم تعلن عن تفاصيلها في حينه؟ وإذا كانت الإجابة بنعم أيضا فلن أزيد تعليقا حيث إن السوق بما فيه ينضح! بعد إجابتكم عن الأسئلة السابقة، وما يستنبط منها من أسئلة أخرى، تأملوا معي النصوص التالية الواردة في نظام الشركات السعودي والتي تحكم مسؤوليات مجلس الإدارة: المادة 76: "يسأل أعضاء مجلس الإدارة بالتضامن عن تعويض الشركة أو المساهمين أو الغير عن الضرر الذي ينشأ عن إساءتهم تدبير شؤون الشركة .. وتقع المسؤولية على جميع أعضاء مجلس الإدارة إذا نشأ الخطأ عن قرار صدر بإجماعهم، أما القرارات التي تصدر بأغلبية الآراء فلا يسأل عنها المعارضون متى أثبتوا اعتراضهم صراحة في محضر الاجتماع. ولا يعتبر الغياب عن حضور الاجتماع الذي يصدر فيه القرار سببا للإعفاء من المسؤولية إلا إذا ثبت عدم علم العضو الغائب بالقرار أو عدم تمكنه من الاعتراض عليه بعد علمه به". المادة 77: "للشركة أن ترفع دعوى المسؤولية على أعضاء مجلس الإدارة بسبب الأخطاء التي تنشأ عنها أضرار لمجموع المساهمين، وتقرر الجمعية العامة رفع هذه الدعوى وتعين من ينوب عن الشركة في مباشرتها، وإذا حكم بشهر إفلاس الشركة كان رفع الدعوى المذكورة من اختصاص ممثل التفليسة، وإذا انقضت الشركة تولى المصفي مباشرة الدعوى بعد الحصول على موافقة الجمعية العامة العادية". المادة 78: "لكل مساهم الحق في رفع دعوى المسؤولية المقررة للشركة على أعضاء مجلس الإدارة إذا كان من شأن الخطأ الذي صدر منهم إلحاق ضرر خاص به .. إلخ". ودعوني استقطع جزءا آخر من وقتكم الثمين لطرح باقة ثانية من الأسئلة الروتينية: 1 – هل يعرف أعضاء مجالس إدارة شركاتنا المساهمة حجم المسؤولية الملقاة على عواتقهم؟ 2 – هل يعي أعضاء مجالس إدارة شركاتنا المساهمة أنهم شركاء بالتضامن عن سوء إدارة الشركة أو عن قراراتها الخاطئة بسبب التقصير؟ 3 – هل يعرف المساهمون في الشركات المساهمة حقوقهم الشرعية والنظامية أو حتى جزءا منها، وخاصة ما يتعلق بمساءلة أعضاء مجالس الإدارة؟ 4 – هل يعرف المساهمون أن إبراء ذمة أعضاء مجلس الإدارة من قبل الجمعية العامة يعفيهم من المسؤولية عن أخطاء وسوء الإدارة باستثناء الغش والتزوير؟ 5 – هل ما يتقاضاه أعضاء مجالس إدارة الشركات المساهمة من حيث المقابل المالي يتناسب مع المسؤولية الملقاة على عواتقهم؟ 6 – هل يعلم أعضاء مجالس الإدارة في شركاتنا المساهمة أنهم يمكن أن يحصلوا على مكافأة عن عضوية المجلس على شكل راتب شهري أو بدل حضور جلسات أو مزايا عينية أو نسبة من الأرباح، ويجوز الجمع بين أكثر من ميزة في الوقت نفسه؟ الطريف في الأمر أن الشركة عند حاجتها لرئيس تنفيذي أو لأحد كبار التنفيذيين، تبذل الغالي والنفيس في سبيل إيجاده وتتعاقد مع الشركات المتخصصة لصيد هؤلاء الرجال، وتغريهم بالرواتب النقدية والمزايا العينية، وعند تعيين أعضاء مجالس الإدارات غالبا ما يتم ذلك بأسلوب الفزعة، ويحمد المرشح ربه حيث سيصبح عضو مجلس إدارة الشركة الفلانية، والأهم من ذلك أنه سيحصل على شرهة قدرها ثلاثة آلاف ريال عن كل اجتماع!
إنشرها
Author

الأسهم والسياسة

|
[email protected] عند البحث عن مسببات ما حصل في سوق الأسهم الأسبوع الماضي كان مما يذكره الناس التوتر السياسي في منطقة الخليج، وعلى وجه الخصوص أزمة احتجاز البحارة البريطانيين والتوتر السياسي بين بريطانيا وإيران. وعلى الرغم من حقيقة تأثر أسواق الأسهم بالأحداث السياسية بشكل عام، إلا أن المبالغة في ربط ما حصل بتلك الأزمة هو ربط غير منطقي ولا يوجد ما يسنده في السوق السعودية. وعلى الرغم من عدم وجاهة هذا السبب إلا أنه لا بد من تقرير ذلك حتى لا تستخدم الأحداث السياسية لتحقيق مآرب من يتلاعب في السوق أصلاً. ولعل الشاهد القوي على عدم منطقية هذا السبب في تأثيره على سوقنا هو عدم تأثر بورصة طرفي النزاع طهران ولندن بهذه الأحداث!!! فهل نحن أقرب للبحارة من بريطانيا!!! هذا من ناحية، أما من ناحية استقراء تاريخ السوق السعودي، فإنه يلاحظ عدم حساسيته مع الأحداث السياسية الخارجية. والدليل أن السوق كانت ترتفع بشكل غير مسبوق إبان بداية الغزو الأمريكي للعراق على الرغم أن هذه الحرب تعد أشد تأثيراً على الوضع السياسي والاقتصادي في المنطقة برمتها. ومع ذلك فإنه لا يخفى على من يدرك خصائص أسواق المال الدور الكبير للسياسة فيه، فمن المعروف أن السياسيين يحركون الاقتصاد والاقتصاد يحرك السياسة، والعكس صحيح. وبخلاف التشريعات والقوانين المنظمة للسوق، فإنه من الصعب معرفة حجم التدخل السياسي الرسمي في السوق. وهذا طبعاً يرجع إلى أن التدخل السياسي غير التنظيمي غير مرغوب في سوق الأسهم أصلاً، والرغبة في أن يكون هذا التدخل محدوداً في حالة الاضطرار إليه. وحتى لا نستغرق في النظريات، فإن الواقع العملي لسوق الأسهم والتذبذبات الحادة فيه توحي بوجود تكتلات اقتصادية قوية غير معلنة على غرار التكتلات السياسية بين الدول. والواقع أن هذه التحالفات ليست حصراً على سوق الأسهم، بل هي موجودة ومقبولة إلى حد ما في جميع أوجه النشاط التجاري. إلا أن عدم إشهار هذه التحالفات في سوق الأسهم جعلها تعمل بتكتيك يتناسب مع واقعها المحظور. وعلى الرغم من منطقية هذه التكتلات في العرف التجاري إلا أن طبيعة وسرعة التعاملات في سوق الأسهم قد فرضت على هذه التكتلات العمل بدهاء السياسيين دون اعتبار للأخلاق المهنية Business Ethics، ناهيك عن الآداب الإسلامية. لذا فإن العقوبات والجزاءات القانونية يصعب إيقاعها على هذه التكتلات لاعتمادها على الأثر الجماعي في البيع والشراء، ومن هذا المنطلق فإنه قد يكون من الأجدى محاولة التعرف على من يتحكم ويدير هذه التكتلات، ثم تعريضهم للضغط الاجتماعي كبديل عن العقوبة القانونية. وخلاصة القول إن السياسة كمعنى وأسلوب موجودة في أفكار كبار المتعاملين، وإن لم يكونوا من السياسيين اصطلاحا.
إنشرها
Author

عقد الاستصناع إحدى أدوات تمويل بناء الوحدات السكنية

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
E-mail:[email protected] طبعا كما هو معلوم فإن أدوات التمويل المتوافق مع الشريعة تعتبر متعددة ومتنوعة مقارنة بأدوات التمويل التقليدية، التي تعتمد غالبا على القرض بفائدة، وهذا بطبيعة الحال يجعل لهذه الأدوات أعني المتوافقة مع الشريعة امتيازا استهداف شريحة أكبر من المستفيدين. طبعا قبل الدخول في تفاصيل كيفية الاستفادة من مثل هذا النوع من العقود في التمويل المتوافق مع الشريعة لا بد أن نوضح مفهوم الاستصناع في الفقه الإسلامي. بالطبع كما هو واضح من مصطلح الاستصناع نجد أن له علاقة بالصناعة، وهو عبارة عن اتفاق بين طرفين على أساس أن أحدهما يتولى أداء عمل ما، يتفقان عليه مسبقا، والآخر يدفع مبلغا ماليا أيضا متفق عليه كمقابل لذلك العمل، وطبعا مثل هذا العقد نجد ان له ممارسات يومية لدى المجتمع، وبالطبع قد لا يستغني عنه أحد، فعلى سبيل المثال، العقد الذي يتم بين محل خياطة الملابس والزبائن، حيث يطلب الزبون من المحل خياطة ثوب له بمقاسات وطريقة معينة، على أن يدفع له مبلغا معينا مقابل هذا العمل، وبمجرد ما ينتهي الخياط من إعداد الثوب فإنه يسلمه للزبون ويأخذ المبلغ المتفق عليه. طبعا من الممكن أن يتسلم المحل جزءا من المبلغ قبل البدء بالعمل، والباقي بعد الانتهاء تماما من خياطة الثوب، أو أن يتسلم كامل المبلغ عند الانتهاء من العمل. يمكن أيضا تطبيق هذا المثال على عقود المقاولات والبناء، لكن بالطبع بشكل أعقد نوعا ما، حيث يتفق طرفان على أن يعمل أحدهما للآخر منزلا أو محالّ تجارية، ويتفقان على آلية معينة لطريقة سير العمل ووقته، وكيفية سداد دفعات المبلغ المطلوب إلى أن يتمكن المقاول من إنجاز العمل وتسلم كامل المبلغ المتفق عليه. وهذا كله يندرج تحت مفهوم الاستصناع بشكل عام، وقد توسع فقهاء المذهب الحنفي في دراسة مثل هذه العقود وتفاصيلها. مع توجه كثير من المؤسسات اليوم سواء المصرفية منها وغير المصرفية إلى تمويل مشاريع الإسكان، أصبح من الأهمية بمكان دراسة الوسائل التي يمكن تطبيقها لتمويل تلك المشاريع، خصوصا أن حاجة المجتمع السعودي كبيرة لمشاريع الإسكان، وتوفير عدد كاف من الوحدات السكنية لاستيعاب حجم الطلب المتزايد من المواطنين، ولتلافي احتمالات التضخم الذي قد يكون كبيرا نتيجة لتزايد الطلب في مقابل قلة المعروض، ولذلك من الممكن أن يستخدم مثل هذا النوع من العقود لتمويل شركات المقاولات، أو الشركات العقارية بشكل عام لبناء وحدات سكنية مناسبة للأفراد. وتتلخص العملية بأن يتم اتفاق بين المؤسسات المالية وشركات المقاولات أو الشركات العقارية على أساس أن تتولى المؤسسات المالية تمويل بناء عدد من الوحدات السكنية، بمواصفات معينة ويكون التمويل على شكل دفعات خلال فترة البناء، وتتولى تلك الشركات بناء تلك الوحدات وتسليمها في الموعد المتفق عليه. وبعد أن تتسلم المؤسسات المالية الوحدات السكنية تبدأ في عرض هذه الوحدات على المواطنين، سواء تم ذلك عن طريق البيع بالتقسيط، أو البيع نقدا. طبعا كما ترى أخي القارئ أن مثل هذا العقد يعالج مشكلة توافر السيولة للشركات التي تتولى عملية بناء المساكن حيث إن كثيرا من المقاولين يواجهون مشكلة نقص السيولة لبناء وحدات سكنية كافية لحجم الطلب الذي يمكن أن يحتاج إليه المجتمع. في الوقت ذاته هذا النوع من العقد يوفر فرصة لتمويل الأفراد للحصول على مسكن بالتقسيط الذي قد يمتد إلى مدد تصل إلى حدود 25 سنة.
إنشرها
Author

تحديد سقف أدنى للرواتب .. هل يكون أحد الحلول لمشكلة السعودة والبطالة؟

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
E-mail: [email protected] كما هو معلوم أن عددا من الدول في العالم تفرض حدا أدنى للرواتب للعاملين، وهذا يعتبر نوعا من حفظ حق العامل وذلك في ظل وجود نوع من الاستغلال لظروف قلة فرص وجود عمل، وحاجة أفراد المجتمع إلى الحصول على أي مورد مالي، حتى وإن كان لا يتناسب مع حجم الجهد الذي يبذله العامل أو الموظف، والعائد الذي يحققه لتلك الشركة، وكما ورد في التقرير الذي نشرته جريدة "الاقتصادية" بتاريخ 17/4/1428هـ "أوصت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز دول الخليج بوضع حد أدنى للرواتب في القطاع الخاص لتحفيز مواطنيها للعمل في هذا القطاع، ما يسهم في تقليل معدلات البطالة في تلك الدول، فضلا عن تقليل عبء مسؤولية التوظيف على الدولة". بطبيعة الحال تحديد السقف الأدنى من الرواتب له عدد من السلبيات، منها على سبيل المثال، أن من شأنه أن يزيد من العبء على المستثمرين، حيث إن تحديد السقف الأدنى سيزيد من أجور العاملين الذي قد يصل في السوق المحلية أحيانا إلى أقل من ألف ريال، في حين أنه عند تحديد سقف أدنى للرواتب، قد يصل إلى ما يقارب ثلاثة آلاف ريال، وهذا يمكن أن يعتبر أقل ما يمكن أن نقول عنه إنه يكفي لحاجة المواطن الذي يتحمل عبء أسرة صغيرة، ليتمكن المواطن من تغطية أعباء الإيجار، والمصروفات اليومية للأسرة. وهذا من شأنه بطبيعة الحال أن يقلل من هامش العائد الذي تحققه الشركات والمؤسسات، ومن شأنه أيضا أن يزيد في أسعار السلع والخدمات، وحصول نوع من التضخم، الذي يمثل اليوم شبحا بالنسبة لمنطقة الخليج. ومع ما تقدم فإن تحديد سقف أدنى الرواتب من شأنه أن يزيد من فرص حصول وظائف مناسبة للسعوديين، حيث إن ذلك سيزيد من إقبال أفراد المجتمع على الوظائف في القطاع الخاص، ويزيد من إمكانية التنافسية بين اليد العاملة المحلية والخارجية، فالتاجر أو الشركة عندما تحدد راتبا لوظيفة معينة بثلاثة آلاف ريال مثلا، سيتقدم عدد أكبر من الأيدي العاملة السعوديين المدربة التي لا تختلف كثيرا في كفاءتها عن اليد العاملة من الخارج، بل قد تكون أفضل في كثير من الأحيان منها، مع امتياز اليد العاملة المحلية بإقامتها في البلد، ولا تحتاج إلى الحصول على إقامة، وإجازة، وتذاكر وتكاليف إضافية لا تتطلبها اليد العاملة المحلية، إضافة إلى الاستقرار الذي يكون غالبا بشكل أكبر لدى اليد العاملة المحلية، إلى غير ذلك مما يتطلبه الأمر فيما يتعلق باليد العاملة من الخارج. يضاف إلى ذلك أن تحديد سقف أدنى من الرواتب سيسهم باجتذاب أيد ماهرة ومدربة جيدة من الخارج، التي لا تقبل عادة بالأجور المتدنية، ما يسهم بشكل أكبر في تدريب الأيدي العاملة المحلية، ويكون لديها كفاءة عالية في تأدية الأعمال المنوطة بها في البلد بشكل حرفي وجيد، بدلا من أن تكون السوق المحلية عبارة عن حقل تجارب لعمالة خارجية رديئة، نتيجة لأن كثيرا من الشركات والمؤسسات تلجأ إلى تلك العمالة لتقلل من التكاليف والمصروفات، رغبة في تحقيق عائد أكبر، وهذا من شأنه أن يسهم في انخفاض مستوى الجودة التي ينشدها المجتمع أو السوق المحلية بشكل عام. طبعا من وجهة نظر متواضعة، قد يكون من الصعب تطبيق هذا الإجراء على جميع الوظائف والمهن، خصوصا على سبيل المثال بعض الحرف فيما يتعلق بأعمال البناء والمقاولات، وأعمال أخرى هي ليست في الأساس مستهدفة من قبل الأيدي العاملة المحلية، ولكن يبقى تحديد السقف الأدنى للرواتب خيارا مطلوبا لعدد كبير من الفرص الوظيفية، التي تعتبر محل نظر وقبول واهتمام الأيدي العاملة الوطنية، وعندما يكون هناك خيارات لدى المؤسسات التجارية لشغل تلك الوظائف يكون الأمر أحد خيارين، الأول توظيف أيد عاملة محلية، والثاني إتاحة الفرصة لأيد عاملة مميزة ومدربة، لأنه في هذه الحالة ستكون الخيارات أكبر وأوسع من خلال زيادة أعداد المتقدمين لشغل تلك الوظائف من السوق الخارجية، وهذا من شأنه إتاحة فرصة أكبر للوظائف بالنسبة للمواطنين، وزيادة حجم العمالة المدربة جيدا في السوق المحلية، وهذا من شأنه أن ينعكس بشكل إيجابي على أداء تلك المؤسسات في المجتمع، وتقلل من فرص وجود عمالة غير مدربة التي تأخذ فرصة تدريبها وعملها العشوائي في السوق المحلية، وبعد تحقيقها خبرة جيدة في السوق الحلية تنتقل للبحث عن فرص أفضل في أسواق أخرى لتحقيق عائد أفضل.
إنشرها