بنك الإنماء.. والتنمية
E-mail: [email protected]
لا شك أن المواطنين استبشروا كثيرا بصدور قرار إنشاء بنك الإنماء برأسمال قدره 15 مليار ريال. ولعل من أهم أسباب ذلك الاستبشار أن هذا البنك يمكن أن يقال له بنك المواطن، لأن المواطنين يساهمون في 70 في المائة من الأسهم المطروحة بشكل مباشر وبالقيمة الاسمية، والـ 30 في المائة الباقية هي في النهاية للمواطن وبشكل غير مباشر، حيث ستكون مقسمة بين المؤسسة العامة للتقاعد، والتأمينات الاجتماعية. والسبب الثاني أن مثل هذا البنك وبرأسمال ضخم يزيد من فرص حصول المواطنين على خدمات بنكية أفضل، ويزيد من تنافسية البنوك التي في النهاية تصب في مصلحة المواطن.
إن مثل هذا المشروع الضخم يعود بالذاكرة إلى قصة إنشاء أول مؤسسة مالية إسلامية غير تقليدية، والتي قام عليها الدكتور أحمد النجار في مدينة صغيرة في مصر تسمى ميت غمر في عام 1963، وهذا البنك يقوم على فكرة دعم المشاريع التنموية للبلدة وذلك أن الأهالي يقومون بإيداع أموالهم في البنك ومن ثم يقوم البنك بتمويل المزارعين مثلا عبر ما يسمى بعقد المضاربة والذي يعتبر أحد أقسام عقد المشاركة في الفقه الإسلامي، حيث يأخذ أحد الشريكين دور الممول وهو الذي يتكفل بالمصاريف المالية للمشروع، ويقوم الطرف الثاني بدور العامل الذي يتولى إدارة المشروع بشكل مباشر والعمل فيه، وفي النهاية يقسم الربح حسب الاتفاق المبرم بين الطرفين.
ونجاح هذه التجربة كان نواة لإنشاء المزيد من المؤسسات المصرفية التي تتعامل وفق الأسس والمعايير الشرعية الإسلامية. وبعد أكثر من 40 عاما على التجربة السابقة، وصل عدد المؤسسات المالية الإسلامية إلى أكثر من 300 مؤسسة حول العالم، بأصول تقدر بأكثر من 300 مليار دولار.
ويمكن لنا باختصار أن نقسم أنواع التمويل الإسلامي إلى ثلاثة أقسام حسب أهداف ذلك التمويل: فالنوع الأول يمكن أن نسميه تمويل ربحي حيث يهدف البنك إلى الحصول على الربح من الجهة التي يمولها وليس له أي ارتباط بمدى ربح الشركة الممولة أو إنتاجيتها أو خططها ومشاريعها. وهذا في الغالب يقدم فيه البنك ما يسمى بالتمويل عن طريق المرابحة، وهذا النوع من التمويل يعتبر الأكثر انتشارا بين أنواع التمويل المقدمة في السعودية.
النوع الثاني من التمويل، وهو عقد تبرعي ويقوم على إقراض المستفيد دون فائدة وهو ما يسمى بالقرض الحسن، لمساعدة المستفيد على قضاء حاجاته أو إنشاء مشروع صغير، وهدف مثل هذا النوع بالنسبة للممول الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى.
النوع الثالث وهو بيت القصيد هو التمويل التنموي والذي يقوم على عقد المشاركة وهو ما سبق الإشارة إليه بعقد المضاربة والذي يحرص البنك فيه على نجاح المشروع ويقوم بدراسة المشروع وخططه، وجدواه الاستثمارية، ونتائجه، ومن ثم فهو أثناء إقامة المشروع يحرص على تذليل العقبات المالية ويتابع التقدم الذي يحصل فيه. وسبب تسميته بالتمويل التنموي أن البنك في النهاية يسهم ويحرص على تنمية المشاريع سواء الصغيرة منها أو الكبيرة، وسواء الصناعي منها أو الزراعي أو الخدمي، وهذا لا يعتبر الهدف الأهم بالنسبة للنوع الأول والثاني.
وهذا النوع من التمويل وهو التنموي يعتبر أقل انتشارا بكثير مقارنة بالنوع الأول وهو الربحي بين المؤسسات المصرفية الإسلامية في السعودية، مع أنه يحقق عوائد أكبر، خصوصا مع ما يشاهد من النمو الاقتصادي الكبير على المستويين المحلي والإقليمي، وهذا يعتبر الرهان الأكبر على نجاح مثل هذا النوع من التمويل، إضافة إلى أن فيه تلبية لحاجات المجتمع.
ويبقى السؤال هل سيقوم بنك الإنماء بلعب دور رئيس في تقديم التمويل التنموي خصوصا بعد الانتشار الكبير للتمويل القائم على عقد المرابحة، والذي يعتبر حجم التنافس كبيرا فيه في السوق السعودي، ويبقى الامتياز لمن يقدم خدمات ومنتجات جديدة تلبي حاجات المجتمع وتقدم عوائد مجزية.