السعودية وإستراتيجية النفط طويلة الأمد

في خطوة محسوبة توطد ريادتها طويلة الأمد في سوق النفط العالمية، وظفت السعودية قدرتها على إنتاج النفط بأدنى تكلفة للتعامل مع تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية. وتستفيد هذه الإستراتيجية من التحوّل الكبير في سياسة الطاقة الأمريكية لمصلحة الوقود الأحفوري كالنفط والغاز الطبيعي.
قادت السعودية يوم السبت الماضي مجموعة أوبك+، التي تضم شركاء مثل روسيا، في الاتفاق على زيادة الإنتاج بمقدار 548 ألف برميل يومياً في أغسطس، للاستفادة من ارتفاع استهلاك الوقود في فصل الصيف.
إلا أن بعض المحللين يتوقعون أن يؤدي هذا القرار إلى إضعاف أسعار النفط على المدى الأبعد من خلال خلق فائض في السوق العالمية. وكانت وكالة الطاقة الدولية قد توقعت فائضاً يعادل نحو 1.5% من الاستهلاك العالمي في الربع الرابع من العام.
في المقابل، قال الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك هيثم الغيص، في مقابلة مع قناة الشرق أن الطلب العالمي على النفط سيستمر بالنمو على المدى الطويل ليتجاوز 120 مليون برميل يومياً بحلول منتصف القرن، أي أعلى بـ 20 % تقريبا عن المعدل السنوي الحالي، نظرا للازدياد السكاني و ارتفاع حجم الاقتصاد العالمي.
و تبدو السعودية مرتاحة نسبيا لبيئة أسعار النفط المنخفضة في ظل التحولات الأخيرة في الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، بعد إقرار القانون المعروف بالكبير والجميل الذي من المتوقع أن يسرّع إنهاء الإعفاءات الضريبية على مصادر الطاقة البديلة كالرياح والطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية.
وترافق هذا مع سياسات تهدف إلى تقليل تكلفة التنقيب عن الوقود الأحفوري واستخراجه من الأراضي الفيدرالية، ما يشير إلى استمرار الاعتماد على النفط والغاز كمصادر طاقة أساسية.

الصبر الإستراتيجي

يلبي هذا الصبر الإستراتيجي تجاه الأسعار المنخفضة غرضين بالنسبة للرياض: فمن جهة، يضمن استمرار الطلب على النفط، ومن جهة أخرى، يشدّد الخناق على منتجي النفط الصخري ذوي تكلفة الاستخراج المرتفعة في أمريكا الشمالية.
وتشير التحليلات إلى أن تكاليف الحفر والإكمال في النفط الصخري الأمريكي آخذة في الارتفاع، تجعل الربحية صعبة في عالم تقل فيه الأسعار عن 70 دولاراً للبرميل كما هو الحال. في المقابل، تعتبر تكلفة استخراج النفط في دول الخليج من الأدنى في العالم، بحدود ال 10 دولارات للبرميل.
وقد تؤدي فترة مطولة من الأسعار المنخفضة إلى تقليص الاستثمارات، وانخفاض الإنتاج، وربما اندماجات في قطاع النفط الصخري، ما يتيح للمنتجين منخفضي التكلفة كدول أوبك لاستعادة حصص سوقية. كما تستند هذه الإستراتيجية السعودية الطويلة الأمد إلى طلب قوي في آسيا.
ورفعت أرامكو السعودية يوم الاثنين السعر الرسمي لبيع خامها العربي الخفيف للعملاء الآسيويين لشهر أغسطس، ما يعكس ثقة السعودية في قدرة المنطقة على استيعاب الزيادة في إنتاج النفط.
وتبقى التوقعات لاستهلاك النفط في آسيا قوية، في ظل نمو كبير في الطلب في دول مثل الهند، مدفوعاً بالتوسع الاقتصادي والنشاط الصناعي. ورغم أن نمو الطلب في الصين قد يتباطأ، إلا أن حجم استهلاكها العام لا يزال يشكل حجر زاوية في السوق العالمية.

ضغوط على متجاوزي حصص الإنتاج في أوبك+

تدني أسعار النفط تحت 70 دولاراً للبرميل يخدم غرضاً آخر بالنسبة للرياض، إذ يشكل ضغط كبير على أعضاء أوبك+ الذين لا يلتزمون بحصص الإنتاج. ورغم أن هذا الإنتاج الزائد يوفر لها دفعة إيرادات قصيرة الأجل، فإنه يسهم في فائض عالمي ويضغط على الأسعار وعلى إيرادات الدول الأخرى المصدرة للنفط.
وتُعد كازاخستان من أبرز الدول التي تجاوزت سقف إنتاجها المتفق عليه. فهي على سبيل المثال، تحتاج إلى سعر يزيد على 121 دولارا للبرميل لتغطية ميزانيتها، ومع بقاء السوق دون 70 دولاراً، تواجه عجزاً مالياً كبيراً.
لذا تعد زيادة أوبك لإنتاجها أداة قوية لتشجيع الالتزام بمستويات إنتاج الأعضاء، ما يعزز موقع القيادة السعودية داخل المنظمة، وهي توجه السوق نحو أهدافها طويلة الأمد.

خاص بـ"الاقتصادية"
مدير تطوير المحتوى في أكاديمية المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام
رئيس تحرير «CNN الاقتصادية» سابقا

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي