أوروبا وإلغاء القيود التنظيمية لمواجهة التحديات
بينما نغلق فجوة الدخل، تواجه بولندا تحديات جديدة: تحول الطاقة، وتطوير سوق رأس المال، والارتقاء بالتطور التكنولوجي. ويجب علينا أيضا تعزيز الأمن في ظل غزو روسيا لأوكرانيا. ويمثل هذا تحولا جذريا مقارنة بالثلاثين عاما الماضية، حين استفادت بولندا من مكتسبات السلام إلى جانب قوتها الداخلية.
ومع تحول البلد إلى قوة إقليمية، فإن دور بولندا في الاتحاد الأوروبي يتطور أيضا مع تحولها من متلقٍ خالص لأموال الاتحاد إلى بلد يتولى دورا ماليا متعاظما بالتدريج ضمن ميزانية الاتحاد الأوروبي مع الإسهام في الوقت نفسه بصورة نشطة في عمل السوق الموحدة من خلال التجارة. وقد تجاوزنا الصين كسوق تصدير للمنتجات الألمانية؛ كما تزود الصناعة البولندية جميع أنحاء أوروبا بالسلع.
وهناك تشابه متزايد بين التحديات التي تواجه بولندا وتلك التي تواجه الاتحاد الأوروبي. وهناك 3 منها تستحق اهتماما خاصا: ضمان ألا تشكل أوجه الجمود في أوروبا قيدا على النمو الاقتصادي؛ وإدارة تحول الطاقة بحكمة؛ ومواصلة التعاون للتصدي للتحديات الأمنية، التي يمثل إنفاق بولندا على الدفاع لمواجهتها- وهو الأكبر بين دول الناتو نسبة إلى إجمالي الناتج المحلي- أمرا بالغ الأهمية.
وتحتاج أوروبا في المقام الأول إلى إلغاء القيود التنظيمية وتحقيق وفورات الحجم. فقد كانت السوق الموحدة عملا ناجحا -كما يتضح من أداء التصدير الرائع الذي حققته بولندا- لكنها لا تزال غير مكتملة. ومن أكبر الحواجز التي تواجه الاتحاد الأوروبي ما يفرضه الاتحاد على نفسه من قيود. فوفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، تعادل الحواجز غير الجمركية داخل السوق الموحدة تعريفة جمركية بنسبة 44% على السلع الصناعية و110% على الخدمات.
ودون سوق موحدة بحق، لا يمكن للشركات الأوروبية التوسع، وتظل الابتكارات المحلية محصورة داخل الحدود الوطنية. وهذه إمكانات يجب أن تستغل.
وعلاوة على ذلك، من الضروري تنفيذ تحول الطاقة بصورة صحيحة. وفي هذا السياق، تمثل إزالة الكربون أولوية وستظل كذلك.
غير أنه من الضروري معالجة تفاوت أسعار الطاقة مقارنة بالولايات المتحدة والصين. إذ تواجه الصناعة الأوروبية أسعار كهرباء وغاز تصل إلى ثلاثة أضعاف الأسعار لدى شركائنا التجاريين الرئيسيين. ويمثل تحول الطاقة ضرورة بيئية وفرصة اقتصادية في آن واحد، نظرا للمنافع غير المباشرة التي تتحقق من تقليل التلوث والميزة التنافسية الناتجة عن سلسلة قيمة الصناعة النظيفة.
وفوق كل ذلك، بدأت أوروبا تستعيد ثقتها في المشروع الأوروبي. فالتكامل الأوروبي في عهد أديناور وشومان ودي جاسبيري كان مسعى غيّر وجه العالم. لقد كان نقلة نوعية تاريخية تحققت بفضل قادة يتمتعون برؤية تجاوزت قيود زمنهم ومصالحهم قصيرة الأجل. غير أن التردد والتشرذم في الآونة الأخيرة أديا إلى إبطاء جهود التكامل. ولا تزال المصالح الضيقة تعرقل بعض المبادرات الرامية إلى تعميق التكامل.
كذلك فإن المخاوف بشأن التمويل المشترك تمثل عائقا أمام العمل البحثي المتعلق بأحدث التكنولوجيات على نطاق مماثل لمشاريع وكالة ناسا ووكالة المشروعات البحثية الدفاعية المتقدمة في الولايات المتحدة. ولا تزال أوجه عدم الاتساق التنظيمي بين البلدان تفرض تحديات أمام القطاع الخاص.
غير أن التيار بدأ يتحول. فأوروبا، بعد صحوتها الجغرافية-السياسية، بدأت تدرك الحاجة إلى موجة جديدة من التكامل الاقتصادي، ومعها تنظيم ذكي وقوانين مبسطة لإحياء روح الازدهار التي طالما ميزت نمط الحياة الأوروبي. وأنا متفائل.
فالتوصل إلى اتحاد أوروبي تنافسي وآمن ليس أمرا ممكنا وحسب، بل هو قريب المنال أيضا. والطريقة التي تكيف بها مواطنو بولندا مع التغيرات الجغرافية-السياسية منذ 35 عاما ينبغي أن تلهمنا جميعا. فالتغيير الإيجابي الكبير ممكن حتى في أوقات الاضطرابات العالمية. وحكومات الاتحاد الأوروبي تتخذ الاستعدادات اللازمة لنهوض الاقتصاد الأوروبي.
وزير مالية جمهورية بولندا