التنويع الاقتصادي في الخليج وتعزيز النتائج

اتسمت بداية 2025 بتزايد حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي، مدفوعةً بتصاعد الحمائية وتقلبات الطلب العالمي على النفط وإنتاجه. ولذلك، تُعدّ الجهود الجارية نحو التنويع الاقتصادي في منطقة الخليج أكثر أهمية من أي وقت مضى. في هذا السياق، يرصد عدد يونيو 2025 من "التحديث الاقتصادي الخليجي" التطورات الاقتصادية الكلية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، ويشرحها في ضوء الظروف العالمية، ويُقيّمها من منظور متوسط ​​إلى طويل الأجل.

على الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال مرتبطة بأسواق الطاقة العالمية، فإن التنويع الاقتصادي الجاري سيُحسّن من مرونتها الاقتصادية في مواجهة حالة عدم اليقين الإقليمية والعالمية. ويتجلى ذلك في ديناميكيات الإنتاج الأخيرة في دول المجلس.

فعلى الرغم من انكماش قطاع الهيدروكربون 3.0% في 2024، إلا أن النمو غير الهيدروكربوني ظلّ مرنًا، مسجلاً نموًا بـ3.9%. في المستقبل القريب، من المتوقع أن يظل النمو في دول مجلس التعاون الخليجي قويًا عند 3.2% في 2025 و4.5% في 2026. ومن المرجح أن يظل القطاع غير الهيدروكربوني محركًا مهمًا للنمو في جميع أنحاء دول الخليج.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، دأبت دول مجلس التعاون الخليجي على تعزيز أسس اقتصادها الكلي، وهو شرط أساسي للنمو المستدام. وواصلت السياسات المالية والنقدية الحكيمة دعم الاستقرار الاقتصادي في المنطقة. وعلى الرغم من استمرار حالة عدم اليقين بشأن عائدات النفط، فقد تجنبت دول الخليج العجز غير المستدام من خلال توسيع قاعدة دخلها والحفاظ على احتواء نفقاتها المالية على نطاق واسع. وتحوم معدلات التضخم حول 2.0%، وهي أقل بكثير من المستويات التي شهدتها عديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأخرى. ومع ذلك، لا تزال الأرصدة الخارجية تعتمد إلى حد كبير على إنتاج النفط وأسعاره، حيث شهدت السنوات الأخيرة زيادة في عجز الحساب الجاري أو تقلصًا في الفوائض. لا تزال الديون السيادية محصورة في معظم دول مجلس التعاون الخليجي، ما يحمي اقتصاداتها من ظاهرة مقلقة تتمثل في تزايد سريع في الديون، وهو ما لوحظ في عديد من الاقتصادات الأخرى.

تبرز رحلة عُمان نحو ضبط المالية العامة كمثال جدير بالملاحظة على الإصلاح الاقتصادي الفعال والإدارة المالية المسؤولة. واسترشادًا برؤية 2040، أطلقت السلطنة إستراتيجية وطنية جريئة وشاملة تركز على التنويع الاقتصادي والاستدامة على المدى الطويل. وكان من أهم ركائز هذه الجهود اعتماد الخطة المالية متوسطة الأجل في 2020، التي أدخلت إصلاحات واسعة النطاق تهدف إلى تعزيز الاستدامة المالية. وقد أسفرت إصلاحات عُمان عن نتائج ملموسة، ما عزز قدرة البلاد على مواجهة الصدمات الاقتصادية الخارجية.

ويسلط قسم خاص من هذا التقرير الضوء على التحديات التي واجهتها عُمان بسبب اعتمادها على النفط، والإجراءات التي اتخذتها لاستعادة التوازن المالي، والنتائج المشجعة لهذه الإصلاحات. يُركز هذا الإصدار من "تحديثات الوضع الاقتصادي في الخليج" بشكل خاص على فاعلية السياسة المالية. وبما أن أجندة التحول الجارية تعتمد بشكل كبير على النفقات المالية، فإن مسألة ما إذا كانت هذه النفقات تُحقق النتائج المتوقعة تُصبح حاسمة.

و يُظهر التحليل نتائج مهمة يُمكن أن تُوجه السياسة المالية في المستقبل. أولاً، أسهم الإنفاق العام في دول الخليج في استقرار التقلبات الدورية في الناتج - حيث تُشير تقديراتنا إلى أن زيادة الإنفاق المالي بمقدار وحدة واحدة تُعزز الناتج بما يصل إلى 0.45 وحدة. ثانياً، يُظهر التقرير أيضاً إسهام الاستثمار المالي في النمو طويل الأجل، في ظل توازن مستدام للميزانية على المدى الطويل.

ما زلتُ فخورة بالشراكة بين البنك الدولي ومجلس التعاون الخليجي في صياغة حوار السياسات، وتعزيز تحسين النتائج الاقتصادية في المنطقة. ومن خلال استناد توصياتنا إلى بحثٍ وتحليلٍ دقيقين، إلى جانب الحوار مع جميع الجهات المعنية، نعتزم الإسهام برؤىً ثاقبةٍ تُعزز أجندة التحول في دول الخليج. آمل أن تُسهم الرؤى المُقدمة من خلال تحليلنا للأداء الاقتصادي الأخير في الدول المجلس وتوقعاتنا المستقبلية في دعم دول الخليج في صياغة أجندة التنمية التي التزمت بها.

خاص بـ"الاقتصادية"

 

مديرة مكتب مجموعة البنك الدولي في دول مجلس التعاون الخليجي

 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي