المقالات

default Author

ما الذي يجعل من الأسواق أسواقا ناشئة؟

|
ما زالت كل من قطر والإمارات، تنتظران ترقية أسواقهما المالية من أسواق نامية إلى أسواق ناشئة، وقد يستغرق ذلك بعض الوقت. فقد ورد في النسخة الإلكترونية لصحيفة "وول ستريت جورنال" التقرير التالي: "قرر مؤشر مورجان ستانلي كابيتال إنترناشيونال، تأجيل البت في ترقية أسواق الأوراق المالية لكل من الإمارات وقطر ستة أشهر أخرى، وهو ما شكل ضربة قوية للمستثمرين المحليين، الذين يرون في الترقية إلى سوق ناشئة، وسيلة لتنشيط مستوى التداول الذي يشهد تراجعا". وكمدير أكاديمي لحرم إنسياد أبوظبي، ومن المقيمين في المنطقة لأكثر من عامين ونصف العام، فإنني أجد هذه الحقائق مثيرة للاهتمام. وبقدر فهمي في الأمور المالية، أريد هنا أن أكون حريصا على تأكيد محدودية هذا الفهم، فإن التغير على المؤشر، قد يكون له تأثير في معنويات المستثمرين، لسببين على الأقل: الأول منهما جوهري، وستؤدي ترقية المؤشر إلى تحسينات في الركائز الاقتصادية الكامنة. أنا لم أرَ دلائل تشير إلى أن الترقية في مؤشر السوق العالمية لـ "مورجان ستانلي"، تتتبع بدقة التحسينات في الركائز الاقتصادية الكامنة. أما السبب الثاني الذي يجعل الترقية تدفع باتجاه مزيد من الاستثمارات، فهي دينامية التحقيق الذاتية، التي تجعل المستثمرين يدخلون إلى السوق بعد الترقية، بناء على الاعتقاد أن الآخرين سيدخلون أيضا. وإذ أفترض أن خيبة الأمل لدى المستثمرين المحليين مردها الأمل بأن الترقية ستنعش الوضع، فإنني أود أن أشير إلى أن هذا الأمل لا مبرر له. باختصار، فإنني لا أشاركهم الأمل بأن هذه الشهادة الأجنبية، ستعيد تنشيط مستوى التداول الذي يشهد تراجعا. من أجل فهم شكوكي حول هذه المسألة، ينبغي النظر إلى السؤال التالي: هل ثمة أمل حقيقي في اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية إلى الأسواق المالية التي لا تجتذب حتى جزءا بسيطا من الأموال الهائلة المتأتية من الصادرات النفطية؟ وكما قد يتبادر إلى أذهانكم، فإنني أعتقد أن الجواب عن هذا السؤال هو بالقطع "لا". وفي الوقت ذاته، فإنني لا أريد أن أكون متشائما حول أهمية الأمل بالحصول على شهادة "مورجان ستانلي" دون أن أطرح بديلا بناء. أنا أؤيد، على وجه الخصوص، إعادة تصميم السوق هندسيا، حيث تكون قادرة على حل مسألة المصالح التنافسية بشكل فعال. أنا أطرح هذه الفكرة، وأفصح بشكل كامل بأنني أمريكي، وحيث إنني عشت خارج الولايات المتحدة في السنوات الماضية، فإنني غالبا ما سئلت عن النجاحات الاقتصادية لبلادي "والتجاوزات، التي سأتجاهلها لأغراض مقالتي هذه". وفي معرض الحديث عن النجاحات، فقد كانت إجابتي تتركز على عامل واحد: هنالك بند في دستور البلاد ينص على أن التجارة بين الولايات يقتصر تنظيمها على الحكومة الفيدرالية. وفي اعتقادي أن هذا البند قد أوجد السوق التي تحتل المركز الأول في العالم، وأطلق عملية تكامل اقتصادي استمرت حتى يومنا هذا، بل توسعت على نطاق عالمي. التفكير في أصل ونشأة هذا البند القانوني، يعيدني إلى أهمية العملية التي حَلَّت مشكلة تضارب المصالح بنجاح. ومما يجدر ذكره، أن هذا البند من القانون لم يُسن من أجل إيجاد سوق على مستوى كبير، وإنما سُنَّ بسبب رفض نيويورك الانضمام إلى الاتحاد، لأن بنسلفانيا تتقاضى ضرائب عن البضائع المستوردة من نيويورك، كما رفضت بنسلفانيا الانضمام إلى الاتحاد، لأن نيويورك تتقاضى ضرائب عن البضائع المستوردة من بنسلفانيا. من الواضح أنه كان للاتفاق الدستوري بين ممثلين عن 13 ولاية، شاركوا فيه على قدم المساواة، نتائج مرضية. لا أقول هذا من أجل أن أقترح على الإمارات أو غيرها أن تحاكي ما جرى في مكان آخر، فقد لا يكون هذا أكثر فائدة من محاولة اجتذاب استثمارات أجنبية عن طريق الحصول على تصنيف معيّن للسوق المحلية للأوراق المالية من وكالة تصنيف خارجية. وبالمقابل، فإنني أحث المستثمرين المحليين، على تصميم برنامج تبادلي متميز، وقادر على حل مشكلة تضارب المصالح، وهذا هو الطريق الأضمن للنجاح في تكوين أسواق لرؤوس أموال محلية، تجذب انتباه وأموال المستثمرين المحليين والأجانب. بهذه الروحانية، أود أن أختم باقتراح محدد، قد يبدو بعيد المنال وهو: على الشركات المحلية الكبيرة في الإمارات العربية المتحدة أن تتبادل الأسهم مع شركات أخرى، وتتطلب قواعد هذا التبادل أن يكون المخرج من هذه الاستثمارات مستندا إلى الندية في سوق الأسهم المحلية، والنتيجة هي أن يكون لجميع أصحاب المصلحة الرئيسيين حصصهم من الأسهم، التي يجب أن يتم تداولها في المبادلات المحلية. إن عملية عادلة وتشاركية لوضع قواعد ومعايير تحكم هذه المبادلات، ستؤدي على الأغلب، إلى صياغة برنامج للتداول من شأنه تسهيل المعاملات، وأنا على ثقة بأن برنامجا كهذا سيعمل على استقطاب المستثمرين المناسبين، والاستثمارات الأجنبية المناسبة للاقتصاد المحلي، وأعتقد أن هذه استراتيجية واعدة وأكثر نفعا من الأمل بالحصول على شهادة من "مورجان ستانلي" لتنشيط السوق المالية التي ليس بمقدورها أن تستقطب رأسمال محليا وافرا.
إنشرها
Author

استقرار سوق العقار السكني

|
نستطيع أن نختلف كثيرا حول توجه سوق العقار السكني خلال الفترة المقبلة، وستجد كثيرا من الآراء حول هذا الموضوع من المتخصص وغير المتخصص، لكن ما لا يختلف عليه المهني والمحايد في سوق العقار السكني أن النتيجة المطلوبة لهذه السوق أن تصل إلى مرحلة استقرار، ويعني هذا أن تدفعها محركات الطلب السليمة التي تعتمد في الدرجة الأولى على معدل دخل الأغلبية من الراغبين في التملك، وبلا شك استقرار سوق المساكن كان وما زال هاجسا يعانيه كثير من الدول حول العالم، والسعودية ليست استثناء، لذلك السؤال المهم قبل إطلاق الأحكام على توجه الأسعار مستقبلا هو، هل وضع السوق وأسعارها الحالية يدلان على سوق مستقرة ومستدامة وصحية وقابلة للاستمرار وتحقيق الغرض الأساسي منها، وهو توفير وحدات سكنية تتناسب مع دخل الأغلبية الراغبة في التملك. الإجابة يمكن اختصارها في مؤشر وزارة الإسكان في برنامج التحول الوطني الذي عبرت عنه بمكرر متوّسط سعر الوحدة السكنية إلى إجمالي دخل الفرد السنوي، الذي يعرف عالميا بمؤشر القدرة على التملك في منطقة معينة، حيث ذكرت "الإسكان" أن خط الأساس للمؤشر هو 10 وتطمح أن تصل به إلى 5، والمعيار الإقليمي 6.7 وعند القياس لا بد من الأخذ في الاعتبار أن هناك انفتاحا أكبر على تملك الأجانب في معظم الدول المجاورة، بينما السعودية لديها نظام متحفظ لتملك العقارات للأجانب، وهذا يعني أن الطلب من المواطنين هو المؤثر، كذلك نجد أن المعيار العالمي للمؤشر هو 3، وللمعلومية فإن وصول المؤشر إلى أعلى من 5 في المقاييس العالمية يعني أن المنطقة شبه مستحيل التملك فيها لمن يقطنها من أصحاب الدخل المتوسط، وذلك يعني أن هناك خللا في تلك السوق يحتاج إلى علاج، أو أن هناك ميزة خاصة لتلك السوق، مثلا أن تكون مركزا تجاريا عالميا ومنطقة استثمارية مرغوبة لكل المستثمرين، ومن هذه المدن مثلا لندن ونيويورك وهونج كونج وغيرها من الأمثلة التي توضح أن الحاصل في هذه المدن هو وضع شاذ، والشاذ لا يقاس عليه، لذلك لا يعقل أن يصل المؤشر لدينا إلى مستوى هذه المدن ذات الوضع الخاص، إلا أنه قد يكون من المقبول أن منطقتي الحرمين المكي والنبوي خاصة المناطق المركزية يحصل فيهما مثل ما يحصل للمدن العالمية، لما لهما من مكانة خاصة عند المسلمين على مستوى العالم ولمستوى أمانهما الاستثماري العالي وطبيعة سوقهما وحجم الطلب عليهما مقارنة ببقية المدن. لذلك نحن في حاجة إلى سياسات إسكان حديثة وتوجيه الدعم من قبل المنظم لإعادة التوازن للسوق، وتنظيم العلاقة بين أطراف السوق العقارية، وهي المستثمر الذي يضخ رأسماله في السوق، والمطور الذي ينتج المنتجات السكنية باختلاف أنواعها، والمستخدم النهائي وهو الراغب في التملك، ويعتبر الهدف الأساسي للمطور والمستثمر، لأنه من سيقوم بشراء المنتجات العقارية وجعل العجلة تدور ليحصل المستثمر على العوائد، ويقوم المطور بضخ منتجات أخرى من المساكن لمستخدمين آخرين، وحتى يسود الاستقرار سوق العقار السكني، على الجهات الحكومية أن تقوم بواجبها أولا حتى تدفع السوق نحو الاستدامة قدر الإمكان، ويتلخص دور الحكومة في ثلاثة محاور رئيسة هي: أولا، وجود الأنظمة والتشريعات وضمان تطبيقها على الجميع، وتتلخص في تحديث الأنظمة المتعلقة بالإسكان وتطويرها باستمرار وحفظ حقوق الملكية بضبط ثروة الأراضي والعقارات والتخلص من الصكوك المشبوهة التي أضرت السوق كثيرا، وكذلك ضمان حق التقاضي ليسود العدل وتمضي أحكامه على الجميع، ثانيا العدالة في توزيع الثروة، وهذا يعني إتاحة الفرص للجميع دون تميز للتمكن من المنافسة في السوق وتوجيه الدعم وفقا لمعيار الإبداع والإنتاجية بلا تفضيل، ولعل ضعف العدالة في توزيع ثروة الأراضي والاحتكار والتشوهات التي صاحبتها أدت إلى الآثار الوخيمة التي نعيشها اليوم، ومثل نظام رسوم الأراضي قد يسهم في تعديل المسار، لكن ما زلنا في حاجة إلى توجيه الدعم بشكل أكبر للمطورين المنتجين ورعاية من لديه أفكار أو ابتكارات في مجال بناء المساكن تسهم في تخفيف التكاليف المتعلقة بها، وثالث الأدوار هو متابعة السوق وتقويم تشوهاتها، وهنا يبرز التفاعل المباشر من خلال المتابعة اللصيقة لمؤشرات واضحة ومعلومات دقيقة نفتقدها في سوق العقار بشكل عام والسكني بشكل خاص، فلا وجود مثلا لمؤشرات سعرية للمساكن بمختلف أنواعها وتفاصيلها لتساعد المواطن العادي والمستثمر والمسؤول على اتخاذ قراراه، كما لم تتضح حتى الآن تفاصيل عناصر مؤشر القدرة على التملك، وما مواصفات متوسط سعر المسكن وما متوسط دخل الفرد، حتى يتم قياسها بشكل دوري، واتخاذ الخطوات العملية لضمان استقرار السوق من خلالها، وتحقيق الهدف المنشود في 2020 أن تصل إلى 5. الخلاصة، أن هناك مشاريع إسكان متعثرة ونسب إنجاز ضعيفة جدا، توضح أن كل خطوة مقبلة لا بد أن تكون مدروسة بعناية، فلا مجال للتجارب بعد اليوم، إذا أردنا للسوق أن تستقر.
إنشرها
Author

«رؤية 2030» .. تعظيم استثمارات السعودية

|
يأتي تعظيم قدراتنا الاستثمارية كأحد أهم محاور "رؤية المملكة 2030"، خاصة تطوير صندوق الاستثمارات العامة ليصبح أكبر صندوق سيادي استثماري في العالم، والهدف النهائي من كل هذا هو رفع إيرادات السعودية غير النفطية، مع شرط ألا يكون صندوق الاستثمارات العامة منافسا للقطاع الخاص، بل سيكون محركا فاعلا لإطلاق بعض القطاعات الاستراتيجية التي تتطلب رؤوس أموال ضخمة. ومن أجل هذا سيتم الدخول في شراكات طويلة الأمد مع الدول الشقيقة والصديقة من أجل التبادل التجاري ونقل المعرفة. هذا هو النص الحرفي الذي ورد في "رؤية المملكة 2030". ولأن هذه القيادة العليا لهذه الدولة تمضي جادة وصادقة في تنفيذ ما خططت له، فقد أخذ الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد على عاتقه تنفيذ هذه الرؤية الطموحة جدا، فذهب إلى أقصى الغرب ثم إلى أقصى الشرق في جولة تاريخية، ومن ثمار تلك الجولات ما تحقق من إنجاز عالمي غير مسبوق تمثل في تأسيس صندوق رؤية سوفت بنك برأسمال 100 مليار دولار. وهذا الصندوق سيهدف إلى تعزيز الاستثمارات في القطاع التقني على مستوى العالم ليكون من بين أكبر الصناديق الاستثمارية في هذا القطاع الحيوي. وقد استثمر صندوق الاستثمارات العامة 45 مليار دولار تسدد على مدى خمس سنوات، ويعد صندوق الاستثمارات أكبر مستثمر في هذا الصندوق النوعي، وتأتي مجموعة سوفت بنك باستثمار قدره 25 مليار دولار. ولم يمض وقت طويل منذ تم إطلاق الصندوق ومبادراته عالميا، حتى أبدى عديد من الشركات العالمية المتخصصة رغبتها في الانضمام إليه، فقد أكدت شركة أبل أنها تعتزم استثمار مليار دولار في الصندوق، وذلك بهدف تدبير أموال تساعدها على تمويل التكنولوجيا التي قد تستخدمها في المستقبل، وقد أكدت شركة أبل أن هذا الصندوق سيزيد من سرعة تطوير التكنولوجيا، التي قد تكون مهمة من الناحية الاستراتيجية لشركة أبل، وإضافة إلى شركة أبل فقد قررت كل من شركة أوراكل وكوالكوم وفوكسكون التغطية المالية لصندوق سوفت بنك، كما بحث آخرون مسألة الاستثمار في هذا الصندوق ومن ضمنهم صندوق الثروة السيادي لإمارة أبو ظبي، وهيئة قطر للاستثمار. هذا العمل العالمي الجاد من قبل مؤسسات عملاقة يدل بلا جدل على سلامة خطوات المملكة وعلى دقة اختياراتها في التحول الاستراتيجي في عمل صندوق الاستثمارات العامة، فهذه التوجهات تجعل المملكة شريكا في الحضارة الإنسانية بشكل عام، وهو ما سينعكس حتما على المملكة، سواء في نقل التكنولوجيا المتطورة، أو في توجيه الحراك العالمي نحو ما يخدم أهداف المملكة الكبرى والسامية لمصلحة الإنسانية جمعاء، وهو ما يسمى اليوم بالقوة الناعمة. أضف إلى كل هذا ما ستحققه هذه الاستثمارات من تنويع لمصادر المالية العامة للدولة والتخلص تماما من قلق أسعار النفط، وهو الأمر الذي سينبئ عن اقتصاد مستدام متوازن، يمكننا من التخطيط الأفضل للمستقبل. وكتقييم أولي ونحن نناقش مسألة التوجهات الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة، فمن الواضح أنها تأتي بناء على عميق فهم، ورغبة جادة في التنويع، يجب علينا هنا الإشارة إلى استثمار الصندوق في شركة أوبر، حيث اشترى الصندوق حصة في هذه الشركة الحديثة تقدر بـ 3.5 مليار دولار، وأوبر هي شركة تمثل منصة تقنية لدعم النقل حول العالم، من خلال تطبيقات إلكترونية متقدمة للتواصل بين الركاب والسائقين. وفي هذا السياق نشير إلى أن شركة أبل تعمل في المسار نفسه الذي يعمل فيه صندوق الاستثمارات العامة في تحقيق تحول في استراتيجية استثماراتها. ففي العام الماضي، استثمرت الشركة مبلغ مليار دولار في شركة ديديشوكينج التي تعد شركة مناظرة لشركة أوبر في الصين. وإذا علمنا أن سوفت بنك هي قوة عالمية كبرى في عالم الإنترنت، وتعتزم من خلال صندوق سوفت بنك دعم هذه القوة العالمية وزيادة الاستثمار في تكنولوجيا الاتصالات، ومن ذلك الاستثمار في OneWeb، وهي شركة الأقمار الصناعية الأمريكية الناشئة والاستحواذ على شركة Arm البريطانية التي تصمم الرقائق المستخدمة في الهواتف الذكية. وعندما نجد "أبل" وهي الشركة العملاقة في هذا المجال أيضا تتجه لاستخدام سيولتها المتراكمة التي تصل إلى 240 مليار دولار لتوزيع استثماراتها على التكنولوجيات الجديدة بدلا من تطوير منتج ناجح كهاتف آيفون، فإن هذا كله يعد مؤشرا واضح الدلالة على مستوى التنافسية التي يعمل عندها الصندوق، ويتخذ من خلالها قراراته، ما يدعم الاتجاهات التي اتخذها الصندوق، ويعزز من صحة القرارات. بالطبع فإن العوائد على الاستثمارات هي المحك الأساس لنجاح الاستثمار أو عدمه، لكن ونحن في البدايات، فإن قرارات الشركات العالمية الكبرى الناجحة، التي تأتي في سياق قرارات واستثمار الصندوق، تعطي مؤشرات مطمئنة جدا في الوقت الراهن بلا أدنى شك حيث إن المملكة العربية السعودية تختار استثماراتها في الخارج بدقة وعناية شديدتين بما يحقق لها عوائد مجزية ومستدامة.
إنشرها
Author

مكاتب الاستقدام.. «بلانا منا وفينا»

|
إن كانت مكاتب الاستقدام الأجنبية في البلاد المصدرة للعمالة المنزلية ترفض الأسعار المخفضة للاستقدام التي سنتها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وبدأت بها من سريلانكا، وهي أقوال ترددها وتمررها مكاتب الاستقدام المحلية، فما الذي يدفعها ــ أي المكاتب في الدول المصدرة ــ إلى القبول بأسعار مخفضة ومنطقية ومعتدلة لتوريد العمالة المنزلية إلى دول الجوار في المنطقة، وألا تقبل بتلك الأسعار عندما يكون الاستقدام للسعودية. أشك في رواية أن الأسعار المرتفعة سببها تلك المكاتب الأجنبية، بل أجزم بأن "بلانا منا وفينا"، وأن الذي يرفع الأسعار تلك المكاتب المحلية، التي دفعها جشعها واحتياج الناس للعمالة المنزلية، إلى المضي قدما دون أي وازع أخلاقي أو ديني في المبالغة في الأسعار والسعي إلى نيل الأرباح العالية، وعندما بدأت وزارة العمل في التنظيم ولجم الأسعار وخفضها، بدأت تلك المكاتب الجشعة في الترويج والتهويل، وأن مستقبل الاستقدام في السعودية يسير إلى المجهول، وأن الدول المصدرة لتلك العمالة ستحجم عن التصدير للمملكة، وأن البلد سيعاني في المستقبل شح تلك العمالة، وهو تهويل غير منطقي، فلا يمكن أن تقدم الوزارة على خطوة مثل تلك إلا وهي تعلم علم اليقين أن هناك من يتلاعب بالأسعار، وأن التكلفة تقل بكثير عما هو معمول به حاليا. وزارة العمل ــ وفق مصادر تحدثت لـ "الاقتصادية" ــ بصدد لجم تكلفة الاستقدام، وقالت إن تكلفة استقدام العمالة المنزلية السريلانكية ستتراجع من 23 ألف ريال إلى ما يقارب 5500 ريال، وتراجع محتمل لتكلفة الاستقدام من الفلبين، وتلك التكلفة الجديدة التي تسعى لها الوزارة ليست متدنية بشكل كبير ــ كما يردد البعض ــ بل هي منطقية ومعتدلة وتقارب تكلفة الاستقدام في دول الخليج المجاورة. هناك نقطة مهمة، وخطوة نتمنى أن تبادر إليها وزارة العمل، ألا وهي السماح لنا بالاستقدام عبر المكاتب والشركات في دول الخليج، وهي خطوة نادى بها مجلس الشورى السعودي قبل أكثر من عام، فقد سئمنا من جشع مكاتب الاستقدام المحلية، وآن الأوان لأن نجعل بضاعتها تكسد، وأن نتوجه لدول الجوار حيث الضمانات والأسعار المعقولة.
إنشرها
Author

دعم المستأجرين

|
يقدم كثير من دول العالم الدعم لمن يحتاجون إلى المال لدفع التزاماتهم، سواء كانت غذائية أو دراسية أو سكنية. قابلت كثيرا ممن قدمت لهم حكومات المساكن ببساطة، وهي مساكن ليست بالمشجعة على الاستمرار في الإفادة من خدمة الدولة، وتعتمد كل هذه الأعمال على المعرفة التامة بحال الناس ومصادر دخلهم، وهذا من الأمور المهمة التي تمكن الدولة من تقديم الخدمة للمحتاج فعلا، وهي أساس النجاح في تحقيق مسؤولية الدولة تجاه المحتاجين من المواطنين. وعملية التكاتف هذه تسمح للجميع بأن يكونوا على مستوى المسؤولية المجتمعية التي تنادي بها كل دول العالم. نأتي إلى المسؤولية المجتمعية التي نحتاج إلى تنميتها في المجتمع السعودي. صحيح أن هناك كثيرين من الموسرين الذين يشاركون في تسهيل حياة المحتاجين في مختلف المجالات، لكن الإشكالية الحقيقية تكمن في بعد كثير ممن يقدمون الخدمات لتيسير حياة المحتاجين عن الواقع؛ بسبب انشغالهم أو توكيل الأمر لمن يقوم به نيابة عنهم، هؤلاء قد يكونون من أصحاب المصالح أو دون مستوى الثقة. يعني هذا أنه لا بد أن تعمل الدولة كذلك على تزكية من يديرون عمليات الدعم المالي والمادي للمواطنين، من خلال الرقابة المستمرة والدقيقة والتغيير المستمر لمواقع العمل، وإدخال الأنظمة الإلكترونية في الرقابة والمتابعة للمعلومات الاقتصادية للمستفيدين. لقد لاحظنا ذلك عندما اكتشفنا العدد الهائل ممن يستفيدون من الضمان الاجتماعي رغم عدم حاجتهم الاقتصادية في الواقع. يأتي مشروع الدعم المادي لمن لا يستطيعون دفع الإيجار كجزء مهم من الدعم الحكومي للمجتمع، الذي سينجح بالتأكيد إن ركز على الفئات المحتاجة فعلا، وأوجد نظاما متقدما للمتابعة المستمرة التي تضمن أن يكون المشروع نتيجة وليس هدفا. إن وجود المحتاج في قائمة الوزارة يجب أن يبنى على عناصر كثيرة، من بينها العجز الفعلي عن الحصول على وظيفة، أو الحصول على دخل معقول وعادل. ويجب أن يكون المستفيد مجتهدا في البحث عما يخرجه من دوامة الحاجة إلى الخدمة المجتمعية التي تقدمها الدولة، بل إنه لا بد أن يعمل النظام الجديد على دعم محاولات التحول الشخصي والدفع لتحقيق الطموح للأفضل. إن التطبيق الفعال لنظام مميز في الخدمة المجتمعية في مختلف المجالات، سيجذب كثيرا ممن يضطرون إلى البحث بأنفسهم عن المحتاجين دون أن تكون لديهم القدرة على التأكد من استحقاق من يقدمون لهم الدعم.
إنشرها
Author

رؤية 2030.. تعظيم استثمارات السعودية

|
يأتي تعظيم قدراتنا الاستثمارية كأحد أهم محاور "رؤية المملكة 2030"، وخاصة تطوير صندوق الاستثمارات العامة ليصبح أكبر صندوق سيادي استثماري في العالم، والهدف النهائي من كل هذا هو رفع إيرادات السعودية غير النفطية، مع شرط ألا يكون صندوق الاستثمارات العامة منافسا للقطاع الخاص، بل سيكون محركا فاعلا لإطلاق بعض القطاعات الاستراتيجية التي تتطلب رؤوس أموال ضخمة. ومن أجل هذا سيتم الدخول في شراكات طويلة الأمد مع الدول الشقيقة والصديقة من أجل التبادل التجاري ونقل المعرفة. هذا هو النص الحرفي الذي ورد في "رؤية المملكة 2030". ولأن هذه القيادة العليا لهذه الدولة تمضي جادة وصادقة في تنفيذ ما خططت له، فقد أخذ ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على عاتقه تنفيذ هذه الرؤية الطموحة جدا، فذهب إلى أقصى الغرب ثم إلى أقصى الشرق في جولة تاريخية، ومن ثمار تلك الجولات ما تحقق من إنجاز عالمي غير مسبوق تمثل في تأسيس صندوق رؤية سوفت بنك برأسمال 100 مليار دولار. وهذا الصندوق سيهدف إلى تعزيز الاستثمارات في القطاع التقني على مستوى العالم ليكون من بين أكبر الصناديق الاستثمارية في هذا القطاع الحيوي. وقد استثمر صندوق الاستثمارات العامة 45 مليار دولار تسدد على مدى خمس سنوات، ويعد صندوق الاستثمارات أكبر مستثمر في هذا الصندوق النوعي، وتأتي مجموعة سوفت بنك باستثمار قدره 25 مليار دولار. ولم يمض وقت طويل منذ تم إطلاق الصندوق ومبادراته عالميا، حتى أبدى عديد من الشركات العالمية المتخصصة رغبتها في الانضمام إليه، فقد أكدت شركة أبل أنها تعتزم استثمار مليار دولار في الصندوق، وذلك بهدف تدبير أموال تساعدها على تمويل التكنولوجيا التي قد تستخدمها في المستقبل، وقد أكدت شركة أبل أن هذا الصندوق سيزيد من سرعة تطوير التكنولوجيا، التي قد تكون مهمة من الناحية الاستراتيجية لشركة أبل، وإضافة إلى شركة أبل فقد قررت كل من شركة أوراكل وكوالكوم وفوكسكون التغطية المالية لصندوق سوفت بنك، كما بحث آخرون مسألة الاستثمار في هذا الصندوق ومن ضمنهم صندوق الثروة السيادي لإمارة أبو ظبي، وهيئة قطر للاستثمار. هذا العمل العالمي الجاد من قبل مؤسسات عملاقة يدل بلا جدل على سلامة خطوات المملكة وعلى دقة اختياراتها في التحول الاستراتيجي في عمل صندوق الاستثمارات العامة، فهذه التوجهات تجعل المملكة شريكا في الحضارة الإنسانية بشكل عام، وهو ما سينعكس حتما على المملكة، سواء في نقل التكنولوجيا المتطورة، أو في توجيه الحراك العالمي نحو ما يخدم أهداف المملكة الكبرى والسامية لمصلحة الإنسانية جمعاء، وهو ما يسمى اليوم بالقوة الناعمة. أضف إلى كل هذا ما ستحققه هذه الاستثمارات من تنويع لمصادر المالية العامة للدولة والتخلص تماما من قلق أسعار النفط، وهو الأمر الذي سينبئ عن اقتصاد مستدام متوازن، يمكننا من التخطيط الأفضل للمستقبل. وكتقييم أولي ونحن نناقش مسألة التوجهات الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة، فمن الواضح أنها تأتي بناء على عميق فهم، ورغبة جادة في التنويع، يجب علينا هنا الإشارة إلى استثمار الصندوق في شركة أوبر، حيث اشترى الصندوق حصة في هذه الشركة الحديثة تقدر بـ 3.5 مليار دولار، وأوبر هي شركة تمثل منصة تقنية لدعم النقل حول العالم، من خلال تطبيقات إلكترونية متقدمة للتواصل بين الركاب والسائقين. وفي هذا السياق نشير إلى أن شركة أبل تعمل في المسار نفسه الذي يعمل فيه صندوق الاستثمارات العامة في تحقق تحول في استراتيجية استثماراتها. ففي العام الماضي، استثمرت الشركة مبلغ مليار دولار في شركة ديديشوكينج التي تعد شركة مناظرة لشركة أوبر في الصين. وإذا علمنا أن سوفت بنك هي قوة عالمية كبرى في عالم الإنترنت، وتعتزم من خلال صندوق سوفت بنك دعم هذه القوة العالمية وزيادة الاستثمار في تكنولوجيا الاتصالات، ومن ذلك الاستثمار في OneWeb، وهي شركة الأقمار الصناعية الأمريكية الناشئة والاستحواذ على شركة Arm البريطانية التي تصمم الرقائق المستخدمة في الهواتف الذكية. وعندما نجد "أبل" وهي الشركة العملاقة في هذا المجال أيضا تتجه لاستخدام سيولتها المتراكمة التي تصل إلى 240 مليار دولار لتوزيع استثماراتها على التكنولوجيات الجديدة بدلا من تطوير منتج ناجح كهاتف آيفون، فإن هذا كله يعد مؤشرا واضح الدلالة على مستوى التنافسية التي يعمل عندها الصندوق، ويتخذ من خلالها قراراته، ما يدعم الاتجاهات التي اتخذها الصندوق، ويعزز من صحة القرارات. بالطبع فإن العوائد على الاستثمارات هي المحك الأساس لنجاح الاستثمار أو عدمه، لكن ونحن في البدايات، فإن قرارات الشركات العالمية الكبرى الناجحة، التي تأتي في سياق قرارات واستثمار الصندوق، تعطي مؤشرات مطمئنة جدا في الوقت الراهن بلا أدنى شك حيث إن المملكة العربية السعودية تختار استثماراتها في الخارج بدقة وعناية شديدة بما يحقق لها عوائد مجزية ومستدامة.
إنشرها
Author

تركيا ومواعيدها الدامية

|
ليلة رأس السنة، وفيما العالم متأهب لعام ميلادي جديد، كانت تركيا التي تعيش جزءا جديدا من فيلم بوليسي على موعد آخر مع الإرهاب، هذه المرة في مطعم بإسطنبول خلف وراءه 39 ضحية و65 مصابا من جنسيات عدة. لم تكن تركيا هدفا إرهابيا ضمن نشرات الأخبار أخيرا، ولنقل عامين ماضيين. وكان العام الماضي 2016، عاما شهدت فيه تركيا عشرات العمليات الإرهابية الدامية من تفجير وهجوم مسلح، قد تقدر بنحو 28 عملية دامية أوقعت نحو 1500 قتيل ومصاب. من بين هذه العمليات الأشهر التي شدت أنظار العالم هو ما حدث أخيرا من اغتيال أندريه كارلوف السفير الروسي في تركيا، عندما كان السفير حاضرا في أحد المعارض الفنية في العاصمة أنقرة. لكنه لم يكن سوى جزء من سلسلة طويلة من الأحداث منها تفجير مزدوج خارج ملعب لكرة القدم في إسطنبول، وهجوم بقنبلة على حفلة عرس، والعملية الإرهابية التي شهدها مطار أتاتورك الدولي، وغيرها كثير من الأماكن السياحية والعسكرية أيضا. ولا يمكن أن يبتعد المتابع في تحليل الوضع التركي الأخير مع الإرهاب بعيدا عن سورية، سواء جاءت من مستفيد مرجح تشير إليه بعض الأصابع مثل إيران، أو من إرهابيين مرتبطين بتنظيمات متطرفة أوصدت تركيا دونهم الحدود إلى سورية، وذلك بطلب وتشديد دوليين. هي تركيا التي كانت تغض الطرف عن دخول هؤلاء إلى الأراضي السورية من خلال بوابتها العثمانية. ويبدو ارتباط السبب المرجح كذلك من جملة التهديدات التي أطلقتها قنوات "داعش" الدعائية وقادتها ضد تركيا. ولا سيما أن "داعش" أعلن مسؤوليته عن الحادث الأخير عبر وحدة الدعاية المركزية، وليس عن طريق وكالة "أعماق" التي تتولى عادة مهمة الإعلان عن هجمات الذئاب المنفردة. ما يعني أن الهجوم هو عملية رسمية. العام الماضي هو عام الدماء في تركيا، كذلك مطلع العام الجديد منذ انطلاقه الذي قد يكون عاما صعبا آخر في المشهد التركي، ما يضرب السياسة والاقتصاد والسياحة في آن معا. "داعش" قد زرع خلايا له في الأراضي التركية على مدى أعوام، وذلك في إطار تنظيم عمليات التنقل من المنضمين إلى صفوفه في العراق وسورية من خلال الحدود التركية. هي الحدود التي كانت وسيلة عبور ليس للجهاديين فحسب، بل أيضا لنقل الإمدادات العسكرية واللوجستية أو حتى التبادل الاقتصادي بين عناصر التنظيمات. كما ينضم إلى قائمة "داعش" جبهة النصرة وتنظيم القاعدة أيضا. وفي مقابل هذه التنظيمات الأكثر قربا للأحداث في أذهان القارئ للوضع التركي الأخير، هناك قائمة تركية أخرى من الجماعات الداخلية من بينها فصائل كردية، قد تشك الحكومة التركية بضلوعها في أي من أحداث الإرهاب بسبب مصالح ما. هذا إذا شاءت تركيا ضم كل عمليات الإرهاب في سلة واحدة رغما عن مسببيها وأهدافهم. لكن ما تمر وستمر به تركيا يتطلب إعادة النظر استراتيجيا، وليس من جانب ظرفي كقضية أمنية إرهابية عابرة. فالتهديد على أشده. وهذه مهمة صعبة جدا بسبب كمون عناصر الإرهاب التي قد تكون غاضبة من قطع الحبل السري إلى سورية؛ حيث يرون أن العمل مع روسيا نكوص عن العهد القديم. وذلك داخل المكون التركي، سواء من أتراك أو من جماعات متطرفة موجودة في تركيا.
إنشرها
Author

لا شيء يعلو فوق صحة «القائد المبجل»

|
لقد عودتنا كوريا الشمالية على إطلاق الصواريخ الباليستية والخطب العنترية، وإجراء التجارب النووية المهددة لأمن واستقرار محيطها الإقليمي، لكنها تطلق هذه الأيام صواريخ التحذير والخوف على صحة "القائد المبجل" و"شمس شموس الأمة" الرئيس كيم جونج أون الذي يعرف أيضا بـ "كيم الثالث". ذلك أن صحة الأخير وحياته هما الأهم، أما صحة وحياة مواطنيه فلا قيمة لهما إطلاقا، لأن الفرد في الدول والأنظمة الشمولية جزء من سقط المتاع، وسواء عاش أو مات فإن الأمر سيان. وطالما أتينا على ذكر مواطنيه، فإن المعروف أن بضعة ملايين منهم يعيشون في فقر وعوز إلى حد أنهم لا يجدون قوت يومهم، وإن كان هذا القوت مجرد لفائف من "النودل" والبصل الأخضر التي اعتاد فقراء الشرق الأقصى على طبخها في مياه مغلية كوجبات يومية. أما الملايين الآخرون فيتضورون جوعا منذ سنوات دون أن يجدوا أي شيء يسدون به رمقهم، وذلك طبقا لبعض مسؤولي بيونجيانج الذين قدر لهم النجاح في الهرب إلى وطن الرخاء والازدهار والحرية في كوريا الجنوبية المتاخمة. يحدث هذا في الوقت الذي يعيش فيه دكتاتورهم الستاليني "كيم جونج أون" حياة رغيدة مترفة، ويتناول أفخر أنواع الحلوى، والنبيذ والجبن الفرنسيين، وأطعمة دسمة من كل لون وصنف، إضافة إلى التدخين بشراهة. وهذا أسهم، بطبيعة الحال، في زيادة وزنه، وتورد خديه، وتورم جفنيه، وبما قرع معه أطباؤه ناقوس الخطر من احتمال إصابة "فخامته" بالأمراض الخطيرة، وبالتالي احتمال وفاته مبكرا، علما بأن "كيم" بالكاد قد تخطى الـ 30. انتشرت أخيرا في وسائل التواصل الاجتماعي صورة للقائد "المبجل" وخلفه عدد من ضباطه المرصعين بالنجوم والرتب النحاسية والمرتدين للقبعات العسكرية الضخمة على النمط السوفياتي البائد وهم يتجولون داخل مطبخ في مكان ما من بلادهم التعيسة، متفحصين سلالا وأوعية ضخمة تحتوي على أسماك وسلطات ودجاج وخضراوات متنوعة طازجة يعتقد أن أطباء "كيم الثالث" أوصوا بها كطعام صحي بديل له بهدف الحفاظ على صحته والحيلولة دون تدهورها من جراء نهمه للأطعمة الدسمة غير الصحية. ويقول "هينج سو كيم"، وهو باحث كوري شمالي تمكن في عام 2009 من الفرار بشق الأنفس إلى الخارج، إن فريقا طبيا مكونا من 130 طبيبا من خيرة الأطباء المتخصصين في التغذية من أولئك العاملين في مختبرات جامعة كيم إيل سونج قد تم تجنيدهم للعمل ليل نهار وسط تكتم وحراسة مشددة بهدف وضع برنامج غذائي صحي لحماية القائد "المبجل". والحقيقة أنه على الرغم من صدور بيانات رسمية من قبل سلطات بيونجيانج تنفي فيها، كما اعتادت دوما، الأخبار المتعلقة بصحة زعيمها وتصفها بـ "الأراجيف الإمبريالية" التي يروجها الأعداء، فإن المصادر الرسمية والصحافية في كوريا الجنوبية التي تراقب من كثب أوضاع الشطر الشمالي على مدار الساعة كررت منذ الصيف الماضي احتمال أن يكون "كيم" مصابا بأمراض النقرس والسكري وارتفاع ضغط الدم، مشيرة في هذا الصدد إلى صوره وهو يعرج أثناء الاحتفال بالذكرى الـ 20 لوفاة جده المؤسس كيم إيل سونج في تموز (يوليو) 2014، ناهيك عن تكرر غيابه في أكثر من احتفال سياسي وحزبي، وعدم ظهوره لمدد طويلة على شاشات التلفزة. هو الذي يعشق البهرجة الإعلامية، بدليل أنه لم يكن يترك فرصة إلا ويطل فيها على شعبه رافعا شعارات أكل عليها الدهر وشرب، ومتوعدا خصومه بالويلات وعظائم الأمور. ويدعون الإنصاف بالقول إن حاكم بيونجيانج ليس وحده الذي يمارس الظاهرة المخجلة المتمثلة في ترك شعبه فقيرا جائعا، بينما يستأثر وحده بخيرات ونعيم بلده. فهذا ديدن كل قادة الدول ذات الأنظمة الشمولية القمعية وما في حكمها عبر التاريخ، ابتداء من نيرون روما وانتهاء بطغاة طهران وبغداد ودمشق الحاليين، وإن اختلفت التفاصيل. والسؤال هو هل يستطيع الديكتاتور الكوري الشمالي الإقلاع عن عاداته الغذائية السيئة، أم يتمسك بها بغرور وعنجهية كتمسكه بتصرفاته السياسية العبثية التي عودنا عليها؟ ذلك أنه لم يُعرف قط عن "كيم" أنه أخذ بنصائح قادته ومستشاريه العسكريين المقربين، بل لم يثبت أن هؤلاء تجرأوا فأجبروه على اتباع مقترح ما، لأن مصيرهم في هذه الحالة هو القتل بمدفع رشاش على غرار ما فعله كيم في كانون الأول (ديسمبر) 2013 مع زوج عمته الجنرال جانج سونج تايك عقابا له على مزاعم بالفساد واستخدام المخدرات والتآمر ضد النظام والإضرار باقتصاد البلاد، أو الإعدام بمدفع مضاد للطيران كما حدث في نيسان (أبريل) 2015 لوزير الدفاع السابق هيون يونج شول الذي وجهت إليه تهمة التقليل من احترام "القائد الفذ" بسبب إغفاءاته خلال إلقاء "كيم" لأحد خطبه العنترية. وبعبارة أخرى فمن كانت هذه حالته لا يُنتظر منه الاستجابة لنصائح مجموعة من الأطباء، وإن كانوا من المتخصصين. ففخامته هو الأعلم بكل شيء، وعلمه لا يدانيه علم أي من مواطنيه.
إنشرها
Author

كيف طارت سمعة هذه الدولة في الآفاق؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد
كثيرة هي المعايير التي يتم فيها تقييم دول العالم وشعوبها. أكثر المعايير شهرة ورصانة هي التي تأخذ الجوانب الاقتصادية والعلمية والصناعية والتكنولوجية والتعليمية في عين الاعتبار. إلا أننا بين الفينة والأخرى نقرأ في الصحافة العالمية معايير أخرى لتسلسل الدول في سلالم، منها ما يخص السعادة مثلا، ومنها ما يتعلق بشؤون الإعلام والحرية ومكانة المرأة وغيره. وقد دخل أخيرا معيار آخر تنفذه جهات بحثية ومراكز موثوقة يخص سمعة الدول في العالم. وهذا يعد من أهم المؤشرات على مكانة الدول. الدولة ذات السمعة الطيبة عالميا يزداد رصيدها في جوانب عديدة، ويأتي الاقتصاد والسياحة وجذب رؤوس الأموال والشركات ذات التقنيات الفائقة والعمالة الماهرة في مقدمتها. والسمعة الطيبة تجعل من البلد محط أنظار الدنيا وقبلة المهاجرين أو الذين يبحثون عن الاستقرار بعيدا عن مشكلات الدنيا. في العام المنصرم الذي غادرنا قبل أيام، ظهر أن دولة السويد تقبع في قمة السلم في معيار أفضل الدول سمعة في العالم. وانتشر الخبر مثل النار في الهشيم وتناقلته وسائل الاتصال والإعلام والتواصل وبشتى اللغات وعلى مستوى العالم برمته. قد يتصور البعض أن السويد وحكومتها ستقيم احتفالات احتفاء بهذه المكانة البارزة والسمعة الطيبة في العالم، أو أن الإعلام السويدي سيركز في تغطيته للأحداث على هذا الخبر المهم. لم يحصل أي شيء من هذا القبيل، وأظن أن بعض السويديين سمعوا بالخبر ولكن من خلال قنوات أجنبية. وأكثر من هذا، لم يعير أي شخص أو مؤسسة أو جمعية الأمر أية أهمية. الاهتمام في هذه الأيام منصب على الطقس وتقلباته، حيث الفارق بين درجة الحرارة في الليل والنهار قد يصل أحيانا وفي بعض المناطق إلى 15 درجة، وما يرافق ذلك من أمراض مثل النزلات الوافدة والحمى المعدية وما يجلبه مناخ متقلب مثل هذا من أمراض. الكل تقريبا كان منهمكا في احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة التي شابتها مسحة من الوجوم والحزن لانقطاع هطول الثلج في مثل هذا الوقت من السنة بسبب التغيرات المناخية. كيف يكون إذن هذا البلد أفضل سمعة في العالم أو شعبه من أكثر الشعوب سعادة؟ هناك كثير في هذا المجتمع مما يراه الآخرون يعاكس واقع الشهرة والسعادة. فمثلا، الأغلبية الساحقة من السويديين يعيشون في شقق صغيرة، وهنا أعني أن مساحتها أقل من 100 متر مربع. الذي يملك شقة بمساحة 100 متر مربع شخص محظوظ. والعلاقات الاجتماعية شبه معدومة ضمن المجمّع السكني الذي أنت فيه. ربما تمضي سنين في شقتك وأنت لا تعرف من هم جيرانك إلى درجة أنك إن رأيته قد تتصور أنه شخص غريب. والأمر الذي قد لا يعرفه أغلبية القراء هو أن العائلة في المفهوم السويدي قد تتألف من شخص واحد. تقريبا نصف الأسر السويدية تتألف من عزاب من دون أطفال. الولوج في علاقات اجتماعية ليس أمرا يسيرا في هذا البلد الذي له أفضل سمعة في العالم. السويديون يقدسون الخصوصية الفردية، ومن النادر أن يبادر أحدهم إلى الحديث مع شخص آخر في مكان عام. مع هذا كله، السمعة الحسنة جلبت كثيرا من الحسنات لهذا البلد. السويد اليوم تعد أكثر البلدان في العالم جذبا لأصحاب الملكات والمواهب والمهارات. يعمل فيها نحو نصف مليون أجنبي أغلبهم ذوو اختصاصات نادرة. وتعد السويد أكثر بلد أوروبي ترحيبا بالأجانب، حيث تقوم بضيافة أكبر عدد من اللاجئين نسبة إلى عدد السكان. الأجنبي الذي يتقن اللغة الإنجليزية لا يجد صعوبة في العمل ولا سيما في الحلقات العلمية والصناعية والتقنية المتطورة. السويديون تقريبا في مجملهم يملكون ناصية اللغة الإنجليزية. وتقاطر العمالة الماهرة إلى السويد أمر فيه بعض الغرابة لأن النظام الضريبي في السويد هو واحد من الأقسى في العالم، حيث قد تصل ضريبة الدخل إلى 40 في المائة أحيانا وضريبة القيمة المضافة إلى 25 في المائة. سمعة السويد، إضافة إلى كونها دولة فائقة التطور ويقطنها مجتمع مدني وحضاري، تكمن في السعي الحثيث إلى المساواة في أغلب مناحي الحياة. المرأة تعمل في السويد وتشكل نحو 45 في المائة من القوى العاملة ولا تستند في عيشها على الرجل. والدولة توفر ضمانا اجتماعيا يشكل الأطفال عماده. ويساعد هذا النظام المرأة التي لديها أطفال على الاستمرار في العمل. ربما تكون السويد الدولة الوحيدة في العالم، مقارنة بحجم السكان لها مكانة هكذا وسمعة تحسدها عليها دول كبيرة وبحجم سكان يزيد عليها أضعافا. رغم كل هذا، الناس في السويد، ولا سيما أصحاب الشأن فيها، ليس همهم فقط المحافظة على مكانتهم بل العمل الحثيث على تعزيزها وضمان مستقبل بلدهم وأجيالهم اللاحقة. يعملون ليل نهار مثل خلية النحل وبهدوء وحيادية وشفافية وسكينة ودون ضوضاء وتشويش وتدخل في شؤون الآخرين.
إنشرها
Author

نظام لإيداع معلومات الشركات

|
يجمع جميع المهتمين بعملية تحديث الاقتصاد السعودي على الدور المحوري للقطاع الخاص في المستقبل، حيث يتولى القطاع قيادة قاطرة الاقتصاد بدلا من الإنفاق الحكومي. الاختلاف يكمن في تفاصيل هذا الدور من مسؤوليات وكيفية وإمكانات معالجة المشكلة المؤرقة الأهم، وهي البطالة. بناء على هذا الإجماع، فإن نسبة نمو القطاع الخاص ستكون الرقم الأهم في مؤشرات أداء هذا العام. وحتى يكون هذا النمو ذا قيمة أكبر، لابد من أن يرافق هذا النمو تحولا في طريقة إدارة القطاع الخاص، سواء على مستوى الاقتصاد ككل، وصولا إلى إدارة المنشآت كل على حدة. فعملية تحديث الاقتصاد عبر "خطة التحول" و"الرؤية" في حاجة إلى تطوير العملية الإدارية وفلسفة العمل بزيادة مستوى الرقابة مع إعطاء مسؤوليات أكبر للقطاع الخاص. دور الحكومة يجب أن ينحصر في التنظيم والتشريع والرقابة الفاعلة، ولكن في الحالة السعودية لابد من أن يتعدى ذلك إلى الرعاية والدعم في حالات خاصة. وللوصول إلى رقابة أكثر فعالية، من الضروري إيجاد قاعدة معلومات متكاملة تضمن تفعيل كل متطلبات نظام الشركات. تمكنت الدولة في عملية أتمتة ضخمة من ربط مختلف الأنظمة الأمنية وبعض الأجهزة التجارية في نظام معلوماتي متكامل، بدءا من الأحوال المدنية وحتى التأمينات الاجتماعية ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية. كل ذلك يقع في صميم عمليات القطاع الخاص. ونحن في حاجة اليوم لبناء طبقة ربط إضافية فوق الشبكة الأساسية التي أتاحت للحكومة قدرة أعلى على السيطرة والتشريع. الشبكة المقبلة تقع ضمن صلاحيات وزارة التجارة والاستثمار، حيث تضمن إيداع جميع متطلبات المنشآت التجارية بحسب نظام الشركات. فالنظام يطلب من الشركات تقارير دورية لمجالس المديرين إضافة إلى التقارير المالية. إيداع هذه المتطلبات في نظام تديره وزارة التجارة ليس بالضرورة أن يكون لمتابعة أداء الشركات، إنما لتعزيز عملية الحوكمة الداخلية وضمان سير العمل بشكل سوي. فالشركات المساهمة لديها مستوى مرتفع من الحوكمة بحكم النظام بهدف تحقيق العدالة بين المساهمين مهما اختلف حجم مساهمتهم. حاجة بقية الشركات إلى بعض الحوكمة لن تكون على حساب حرية إدارة العمل إنما لزيادة فعالية المنشآت والحد من أخطار فشلها على الاقتصاد والمجتمع، إضافة إلى تهيئتها وتمكينها من استيعاب دور أكبر مع موجة الخصخصة القادمة. كما يمكن ربط هذا النظام بكل الأنظمة المعلوماتية الأخرى مثل الجهات الائتمانية والزكاة والدخل وكتابات العدل والمحاسبين القانونيين لتكثيف المعلومات بما يتيح توفير قاعدة معلوماتية تساعد على صقل إشارات ومعطيات توجيه الحكومة للقطاع والاقتصاد ككل. إضافة إلى ذلك، فسينتج عن هذا النظام تسهيل وتسريع عمليات التقاضي وفض النزاعات لتوافر البيانات التاريخية والنظامية لكل المشتركين في النظام. نظام إيداع المعلومات قد يبدو كعملية رقابية هائلة، بشكل يتعدى المعلومات الخاصة للأشخاص والشخصيات الاعتبارية. ولكن يجب الأخذ في الاعتبار الفوائد العامة لمثل هذه القاعدة المعلوماتية، كما أن عملية تجميع هذه البيانات باتت مقبولة حتى على المستوى الفردي في الحياة العامة لضمان الحريات.
إنشرها
Author

تجديد نماذج الأعمال

|
من المتوقع أن يتغير كثير من نماذج الأعمال السائدة استجابة لتحديات الواقع. بدأت عمليا بعض المؤشرات بالظهور تبعا للتشريعات الجديدة أو التغييرات التقنية المستمرة. وسواء كان التغيير لتنويع مصادر الدخل أو لتوليد مزيد من الوظائف أو استجابة لأوضاع اقتصادية آنية. الظروف التي سمحت بأن تستمر بعض الأشكال والترتيبات الربحية اختفت، وهذا يعني أن الواقع سيختلف كذلك. المشكلة الأساسية في نظري ليست في جهلنا بالحلول، ولا في استحالة تنفيذها، وإنما في التأخر المكلف جدا على جميع الأطراف. سأفترض جدلا أن هناك تحركات جدية من بعض الجهات المسؤولة للتناغم مع ما يحصل دوليا من تطورات واستغلالها لتحسين الواقع محليا. ولمحاولة الفهم سأتحدث عن عدد بحثي خاص صدر أخيرا بالاشتراك بين كلية هارفاد للأعمال ومجلة "إم آي تي سلون" مستعرضا أبرز ما جاء فيه من تفاعلات بين اللاعبين الكبار والأسواق الناشئة سريعة النمو، والمؤثرة جدا في الجميع. تستفتح الورقة الأولى بالحديث عن الابتكار المشترك بين شركات الأسواق الناشئة ودول العالم الغربي، وتستخدم تجربة شركة هواوي الرائدة في صنع الشراكات الاستراتيجية مع الحكومات والشركات الكبرى في أوروبا. تطرح الورقة سؤالا بعد استعراض تجربة "هواوي" وتجاوب عليه، كيف يمكن للشركات في الدول النامية المنافسة في أسواق التقنية حول العالم؟ يكمن الجواب في ثلاث خطوات: طرح حلول مخصصة لفئة غير اعتيادية من العملاء مثل ذوي الحاجات الماسة، تطوير ولاء العملاء بإشراكهم في الابتكار، وضم مزيد من شركاء الابتكار على مستوى الدول وزملاء الصناعة. وتنتقل الورقة الثانية في العدد ذاته باستعراض تاريخي لنماذج الأعمال السائدة في قارة آسيا خلال القرن الأخير. يستنتج هذا الاستعراض أن النجاح حليف نماذج الأعمال المتجددة المبنية على الابتكار وليست تلك التقليدية المبنية على الكفاءة. ماذا يعني هذا؟ أي أن محاولات إعادة طرح المشاريع بالتركيز على التقليل من التكاليف وتصميم نموذج العمل بشكل يحافظ على الربحية أولا سيقلل من القيمة التي ينتظرها العميل، وهذا الأسلوب تحديدا لن يكون مدخلا للنجاح في الدول النامية سريعة النمو التي يصبح مستهلكوها أذكى في كل يوم. يكمن المدخل الأفضل دون شك في إعادة تقديم الأعمال بأشكال وأساليب مبتكرة تحقق القيمة التي ترضي العميل وتربح المستثمر في الوقت نفسه. أما الورقة الثالثة فهي تتحدث عن استخبارات الأسواق أو المعلومات السوقية التي تصبح اليوم أمرا ثمينا جدا، ولكنه في الوقت نفسه متاح لمن يبحث عنه، فمن الغباء تجاهل مثل هذا الأمر. على الرغم من أن الورقة مصوغة بطريقة موجهة للشركات العالمية الكبرى وكيفية استفادتها من المعلومات السوقية في الاقتصادات الناشئة سريعة النمو، إلا أنها تبين بكل وضوح أهمية هذا الجانب الحيوي جدا الذي يزداد رشاقة ووقعا مع التطورات التقنية، مثل الـ Big Data، الذي تتجاهله مع الأسف حكومات الاقتصادات الناشئة نفسها. النصائح الثلاث التي تضعها الورقة تنحصر في التعامل مع المعلومات السوقية كأصل استراتيجي، توزيع مسؤوليات التعامل مع هذه الثروة المعلوماتية على مستوى المنشأة، وتنويع مصادر ووسائل الوصول إلى المعلومات السوقية. تشير الورقة إلى أن ضعف المعلومات السوقية في الأسواق الناشئة لا يقلل من أهميتها، وإنما يطرح حلولا أخرى مثل استخدام بدائل متعددة للوصول إلى المعلومة نفسها. المحور الأخير الذي يتناوله هذا العدد الخاص يتناول التفاعلات المحتملة بين الشركات الناشئة في الدول النامية وبين الشركات العالمية متعددة الجنسيات. وبالنسبة لهما ــــ أي الشركات العالمية ـــ هناك فرص كبيرة في الدول النامية ومواطن حقيقية للاستثمار المجدي تتيحها الشركات الناشئة التي تحاول باستخدام حريتها ومرونتها الاستثنائية، مقارنة بالشركات المحلية التقليدية، حل المشكلات المحلية بإمكانات قليلة وطموحات غير محدودة. لهذا يصنع التفاعل هنا مزيجا فريدا للنجاح تندمج فيه القوة والإمكانات مع الابتكار والبيئة الخصبة وقاعدة النمو الجذابة. المهم، ألا تقف الحكومات عائقا في طريق هذا التفاهم. تطرح الورقة الأخيرة أمثلة لأعمال قامت بها شركات مثل "آي بي إم" و"مايكروسوفت" و"أمازون" و"ساب"، سواء بإنشائهم معامل للابتكار أو بدعم حاضنات الأعمال. تتناول مراكز البحوث الغربية تطورات وتأثيرات الدول النامية والأسواق الناشئة باهتمام بالغ، ولكن يؤخذ عليهما التعميم بين هذه الدول؛ الصين والهند مثلا تعتبران من الحالات الخاصة جدا غير القابلة للمقارنة بأي دولة آسيوية أو إفريقية أخرى لا في سعة السوق ولا خصائص النمو. يظل عديد من الظواهر التي تحدث حولنا دروسا قابلة للتعلم. وبدلا من أن نضيع السنوات في جدل داخلي لا فائدة منه حول المشكلات الدائمة والحلول البطيئة، أرى تجديد نماذج العمل بشكل استباقي وتشجيع ذلك بتكاتف الجميع بحثا عن النماذج المبتكرة ودعمها محليا وترويجها دوليا. هذا هو الحل الأسرع والأمثل لعدد كبير من تحدياتنا الاقتصادية، وليس دعم المشاريع التقليدية والاكتفاء بتمويلها كإنجاز مؤقت محدود المنافع.
إنشرها
default Author

مجتمع الأعمال والانفتاح نحو العولمة

|
في ظل انفتاح مجتمع الأعمال المتزايد باتجاه العولمة، باتت الرسالة واضحة ومباشرة للجميع، بدءا من شؤون الابتكار أو حوكمة الشركات وصولا للاستثمار في الملكية الخاصة وريادة الأعمال، وهي ضرورة التفكير بطريقة مختلفة، وعدم تجاهل الأسواق الناشئة، والعودة إلى الأساسيات، خاصة في ظل تنامي البنية المعقدة للأنظمة الاقتصادية والاجتماعية. كانت هذه التوصيات الأبرز خلال مؤتمر قمة القيادة في أوروبا. إن البساطة هي الاتجاه الجديد حاليا، وقد أرادت من وراء هذه الطرح الإشارة إلى أن قطاع الملكية الخاصة يشهد عودة إلى اقتصادات النمو، أي إضافة قيمة حقيقية إلى الشركات، وهو الهدف الأساس من وراء هذا القطاع الحيوي، مشيرة إلى أن النمو المستقبلي سيأتي من الأسواق الناشئة التي ستقود مسيرة النمو في مختلف المجالات، حتى في ريادة الأعمال، لكن البروفيسور فيليب أندرسون، أستاذ كرسي صندوق خريجي "إنسياد" في ريادة الأعمال لديه نظرة خاصة، فهو يقارن بين السؤال المطروح سابقا أمام رواد الأعمال حول ما يجب فعله لجمهور المستهلكين في الصين والهند، وبين ضرورة اعتبار كل من هذه الاقتصادات الواعدة مصدرا رئيسا لرؤوس الأموال. وحتى في مجالات أخرى مثل الابتكار والحوكمة، فإن الأسواق الناشئة باتت تكتسب أهمية كبرى في الاقتصاد العالمي اليوم وفقا للودو فان دير هيدين، أستاذ كرسي شركة سولفي في الابتكار التقني لدى "إنسياد"، الذي يلفت الانتباه إلى أهمية تغيير طريقة تفكير مجتمع الأعمال الغربي، ويقول: "يجب علينا أولا التخلي عن النظرة إلى تلك الأسواق على أنها ناشئة، إذ إنها بعد 40 عاما قد نمت ونشأت بالشكل الكامل"، ويشير إلى أن هذه الاقتصادات باتت الآن مهيأة بشكل أفضل لإدارة شؤونها ذاتيا، وبالتزامن مع انتقال مركز الجاذبية الاقتصادية نحو آسيا، قد يؤدي ذلك إلى إيجاد فراغ في أوروبا وأمريكا، حتى أن فان دير هيدين يحذر من أن الاقتصادات المتقدمة قد بدأت بالانحدار تدريجيا. من جانبه، ينظر أندرسون بإيجابية أكثر تجاه مستقبل أوروبا العالمي، إذ إن أوروبا عبارة عن مجموعة أفكار ومبادئ وليست مجرد منطقة جغرافية على حد تعبيره، ويضيف: "لم نكن لنحصل في إنسياد على الثقة التي نتميز بها الآن في الشرق الأوسط لولا الإرث الأوروبي الذي لدينا، وأن إدراك الناس هناك أننا منذ البداية سنعتمد مقاربة جادة لثقافتهم المحلية وأننا سنستمع لهم ولآرائهم هو ما أثار إعجابهم بإنسياد". لكن ماذا عن الجشع الذي كان أحد أبرز أسباب الأزمة العالمية الأخيرة؟ إن الجشع يرتبط بـ الرافعة المالية أي الاقتراض لرفع حجم العوائد أو ما يسمى leverage، وهي ظاهرة لا تزال موجودة حتى الآن، فعلى سبيل المثال، لا تزال سندات الخردة ذات المردود العالي تشكل سوقا جاذبة للمستثمرين مرة أخرى، فإن خلاصة القول إن الجشع ما يزال موجودا، لكن من غير المحتمل أن نشهد صفقات كبيرة مثلما كان يحصل سابقا". وخلال الندوات الحوارية على هامش المؤتمر، أبدى عدد من المشاركين تخوفهم من تزايد حدة التدخل الحكومي، وفيما أقر جزء كبير منهم بأهمية دور الدولة في أوقات الأزمات الاقتصادية، إلا أنهم دعوا إلى أن يكون الدور محدودا. إن الهاجس الأكبر يكمن في أن يصبح مجتمع الأعمال والشركات بمنزلة كبش فداء للحكومات عندما تسوء الأمور. وطرحت عديدا من الأفكار كمواضيع للمناقشة في مؤتمرات إنسياد المستقبلية وفي مقدمتها التفاعل بين الحكومات والقطاع الخاص إلى جانب قطاع تقنية المعلومات وريادة الأعمال، وطالب البعض بأن تسهم "إنسياد" في إعادة تصحيح مسار الرأسمالية وتوجيهها كوسيلة إيجابية لتنمية المجتمعات، وتطرقت جولي ماير، الرئيس التنفيذي لشركة أريادن كابيتال، وخريجة كلية إنسياد، إلى الهجوم الذي تتعرض له الرأسمالية اليوم، مشيرة إلى أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في العمل على تحقيق عوائد أعلى للشركات، بل في الأسلوب المتبع للوصول إلى هذا الهدف، موضحة أن الانتقاد ينصب في التطبيق السيئ للرأسمالية. من جانبه يقر فان دير هيدين بوجود الجشع في عالم المال والأعمال، لكن بصورة مختلفة في بيئة الاقتصاد الاجتماعي اليوم، ويستخدم وصف "الجشع الواعي"، أي الجشع بهدف إحداث تأثير اجتماعي بما من شأنه أن يشكل دافعا حقيقيا في عالم الأعمال على أن يتزامن ذلك مع تطبيق مبادئ الحوكمة التي تحتل الأولية دائما ويضيف: "من شأن الحوكمة أن تعيد صياغة الجشع الذي يطور الأداء ويحدث أثرا إيجابيا كبديل عن الجشع بهدف المصلحة الشخصية". وبذلك يقدم فان دير هيدين نظرة متفائلة حول الدور الفعال للجشع، لكنه يؤكد أهمية أن يقوم رجال الأعمال في المستقبل بتحديد أخلاقيات العمل التي سيتبناها قبل البدء في أي مشروع. من جانبه، لفت علي شاجفي، أحد الطلاب الحاليين في "إنسياد"، إلى النقاش الذي دار أخيرا في أحد الدروس التي حضرها في الكلية، الذي أشار خلاله البروفيسور المحاضر إلى وجود خيارين رئيسين لتحقيق الأرباح، الأول هو المساهمة في جعل العالم مكانا أفضل وتحقيق أرباح محدودة من هذه العملية، والثاني هو تدمير حياة الناس، مؤكدا إمكانية جني الأرباح مع الالتزام بالمعايير الأخلاقية والمسؤولية تجاه المجتمع، مشيرا إلى أن الموضوع هو في النهاية خيار شخصي يستطيع المرء أن يتبناه في مسيرته العملية. أما أدام جولدستين، رئيس شركة رويال كاريبيان وخريج "إنسياد"، فيرى أن لمجتمع الأعمال دورا إيجابيا لا مفر منه، ويؤكد أن الشركات خاصة الكبيرة والعامة منها، سيتعين عليها إحداث أثر اجتماعي إيجابي لكي يسمح لها بزيادة مصالح حملة أسهمها ومالكيها، ويتوقع أن الشركات التي تعنى فقط بمصالحها الخاصة لن تتلقى دعما من حكومات الدول التي تعمل في أسواقها أو حتى من قاعدة عملائها.
إنشرها
Author

عصابات لتشغيل العمالة المنزلية

|
هروب العاملات المنزليات من كفلائهن لا يزال قضية شائكة تتقاذفها جميع الأطراف من جهات حكومية وخاصة. ورغم كل الضمانات والترتيبات التي تم اتخاذها من قبل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وتحديث عقود العاملات، إلا أن الإغراء بالهروب من الكفلاء والعمل بصورة غير قانونية لم نجد له حلا حتى الآن، ويقف الجميع موقف المتفرج من ظاهرة لا تتوقف. ويبدو أنها تتزايد حتى أصبحت قلقا دائما واستنزافا ماليا لا ينتهي عند حد، حيث يبدأ في تقديم طلب استقدام جديد، ودفع كامل تكاليفه، والقبول بما تسفر عنه حظوظه السيئة أو الجيدة. والواقع أن هناك عصابات وأشخاصا متخصصين في إغراء العاملات بالهروب والعمل عند غير كفلائهن، وهم من يقف خلف هذه المعضلة، ويجب القبض عليهم، والتحقيق مع من يثبت عليه القيام بهذا العمل باعتباره نوعا من الاتجار بالأشخاص. المشكلة، من حيث حجم المخالفات التي يرتكبها الأطراف الذين يعملون في مجال تبادل خدمات العاملات الهاربات، وتحصيل مبالغ مالية من وراء تلك الممارسات، والحل ليس في يد رب الأسرة، بل في البحث الجنائي عن تلك العصابات والقبض على القائمين عليها. ولقد سبق أن شرعت الجهات المختصة في طرح فكرة توحيد مكاتب الاستقدام في شركات محدودة تتولى حفظ حقوق الأطراف وتمنع التلاعب، الذي يبدو كسراب لا نهاية له. إن أنظمة الإقامة والعمل واضحة في موقفها من هروب العمالة أو تشغيل العمالة غير النظامية، فهي مخالفة لا يمكن تبريرها تحت أي اسم سوى فتح باب الابتزاز، وتحصيل مبالغ على شكل عمولات يجنيها أولئك الذين يعملون في سوق تشغيل العمالة الهاربة، وهي أصبحت خدمة وتجارة يمارسها بعض المقيمين ممن خبروا سوق العمل السعودية. والأسوأ من ذلك وجود من يشغلون تلك العمالة الهاربة التي تتحول إلى عمالة غير نظامية ومخالفة للتعليمات، يكون المتضرر الأول فيها هو رب الأسرة الذي يخسر ولا يجد من يستطيع حل مشكلته سوى بدفع مبالغ جديدة. وهكذا يستمر عمل مافيا الخادمات. لقد أصبحت الحلول أمام الأسرة هي السير في الاتجاه الذي تفرضه العمالة ومن يقف خلفها من ممارسي الابتزاز، وذلك باللجوء إليهم لتوفير خادمة بديلة تعمل بأجر شهري رغم ما في ذلك من مخاطر صحية وأمنية على الأسرة وعلى المجتمع بصورة عامة، متى تم الانسياق خلف هذه البدائل عالية الخطورة. ومع الأسف، فإن هناك من يعملون من منازلهم لتوفير هذه الخدمة، وذلك لوجود قائمة طويلة من العاملات الهاربات والسماسرة الذين يتقاسمون حصيلة أعمالهم غير المشروعة.
إنشرها
default Author

اكتشف عبقريتك

|
النجاح في الحياة والعبقرية الحقيقية لا يتطلبان منك أن تكون ناجحا في دراستك وحاصلا على أعلى الدرجات كما أن الموهبة والعبقرية ليسا حكرا على فئة معينة من البشر، فكل إنسان مهما كان مقدار ذكائه موهوب وعبقري في شيء ما، لكن يجب عليه أن يكتشف أين تكمن عبقريته. وحين يعرف المجال الذي يريده ويركز عليه بالتدريب المستمر، سيجد من حوله وفي فترة وجيزة مبهورين بعبقريته، يقول البطل العالمي محمد علي كلاي: كرهت كل لحظة في التدريب ولكني كنت أقول في كل مرة: (لا تستسلم اتعب الآن وستصبح بطلا طول حياتك)، وهذا ما حدث له بالفعل ما زلنا نذكره ونذكر بطولاته رغم ابتعاده عن منصات التتويج من زمن. الرسام العالمي بيكاسو الذي بيعت لوحاته بالملايين، ورغم موهبته إلا أنه لم يركن إليها. تقول إحدى السيدات التي قابلته يوما وطلبت منه أن يرسم لها صورة؛ فرسمها في أقل من 30 ثانية وقال لها: سيدتي، احتفظي بها، فبعد أعوام ستباع بالملايين. فاعترضت على كلامه بقولها: لكنك رسمتها في ثوان معدودة؟ أجابها نعم، ولكنني احتجت للمران 30 عاما حتى أرسمها بهذه الصورة والسرعة. وزيادة على ذلك يجب أن يكون لديك خيال واسع وطموح لا حد له، سعيك للكمال فيما تصنعه أحد الطرق للتفوق والعبقرية فلا ترضَ بالقليل، انظر إلى ستيف جوبز أحد عباقرة هذا الزمان الذي قاده هوسه نحو الكمال إلى التدقيق في التفاصيل الخفية لمنتجات "أبل" ما جعل شركته تتصدر الشركات بلا منازع، المبدع هو من يعمل بشغف ولا يترك للتفاصيل الدقيقة مجالا أن تفلت من يده لأنها ستكون يوما ما سر تفرده ومكاسبه. لنعد للساحر وصانع عبقريته ستيف جوبز وجملته الخالدة: "لا تقلق، أنا متأكد أنك ستستطيع القيام بذلك" يقولها لكل من أتاه مترددا أو خائفا من فشل ما يقوم به هذا يشعرهم بإيمانه بقدراتهم فترتفع معنوياتهم، لم يكن يترك لهم فرصة للتفكير في الفشل أو التردد فأوجد منهم صناع المستحيل وتفوقت منتجاتهم عالميا. لا شيء مستحيل مع الإصرار والتحدي فاحترام أينشتين لإسحاق نيوتن وعلمه ونظرياته لم تمنعه من تحدي نظرياته وأفكاره ليأتي لنا بالنظرية النسبية فيما بعد، ويصبح أحد أعظم العباقرة على مر التاريخ. إنها القدرة على الإبداع والخروج عن المألوف والتفكير خارج الأطر التي يحبسونك داخلها لتكن أنت أينشتين آخر فليس شرطا لتكون عبقريا أن يكون معدل الذكاء لديك عاليا.
إنشرها
Author

باب الصدقات

|
أذكر أن أحد جيراني ممن أكرمهم الله بسعة الرزق تم تنويمه بعد أن قرر الأطباء أنه لا بد أن يخضع لجراحة في قلبه. كانت الجراحة خطيرة خصوصا في سن الرجل الذي تجاوز الـ 80. إضافة إلى أن الجراحة تستدعي فتح قفصه الصدري وهو يعاني أصلا مرض السكري. المهم أنه كان بانتظار أن يجري الجراحة في اليوم التالي، ولاحظ في الممر رجلا من جنسية عربية يقطع الممرات جيئة وذهابا بقلق بالغ. طلب الرجل من ابنه أن يستعلم عن حال الشخص الذي رق لحاله، فكشف له أن ابن الرجل وهو طفل لم يتجاوز العاشرة في حاجة إلى جراحة الرجل المسن نفسها وأن الوالد لا يملك المال لإجرائها وأنه كان يحاول البحث عمن يقرضه المال لإجراء الجراحة ويتصل بالجميع، ولكن ما من مجيب أو معين. طلب الرجل من ابنه أن يدفع تكاليف الجراحة، فاعترض ابنه لأنها تتجاوز الـ 50 ألف ريال، فأمره أن يدفعها من ماله الخاص، وهو الذي تعود أن يتصدق في حياته العامة منذ عرف نفسه وعرفه الناس. المهم أن الابن دفع تكاليف العملية الجراحية أمام سعادة وشكر والد الطفل وعائلته كلها، ودعواتهم للمتصدق الكبير. قام الأطباء في اليوم التالي بإجراء التحاليل والأشعة التي تسبق العملية ولفرط عجبهم اكتشفوا أن الأب لم يعد بحاجة إلى الجراحة، فسبحان من شفاه بدعوة محتاج. هذه قصة عشتها شخصيا وأعرف بطلها الرجل الذي توفاه الله بعد القصة بما يقارب عشر سنين. تذكرت القصة وأنا أقرأ عن ممرضة رقت لحال طفلة لم تجد من يتبرع لها بجزء من الكبد لإنقاذها من موت محقق، فتبرعت الممرضة بجزء من كبدها لإنسانة لا تعرفها وهذا بيت القصيد. الصدقة التي يراد بها وجه الله تعالى منجية لا شك من نوائب الدنيا وفيها من الخير الكثير لآخرة الإنسان. لقد أثبتت هذه الممرضة أن الخير في أمة محمد إلى قيام الساعة وأنه ليس بالمال وحده يتصدق الإنسان، بل إن بعض الصدقات أغلى بكثير من الصدقة بالمال. أسأل الله أن يثيب هذه الإنسانة التي أعادت إلى الذاكرة ما كانت تعرف به الممرضات وهن "ملائكة الرحمة" اللاتي يسهرن على المرضى، فإن فعلن ابتغاء مرضاة الله فما أعظم ثوابهن.
إنشرها
Author

لم يفتني شيء

|
اضطررت أثناء دراستي مرحلة الدكتوراه في بريطانيا إلى مقاطعة الشبكات الاجتماعية نحو أربعة أشهر إلا في حدود ضيقة جدا. لم يكن خيارا، بل كان ضرورة. كنت أمام موعد محدد لتسليم بحثي، وأي تأخير قد يودي بحياتي الدراسية، وقتئذ. أعطيت جهازي الذكي، الذي أدخل من خلاله إلى صفحات الإنترنت، أحد زملائي الذي يدرس في منطقة أخرى في المملكة المتحدة، واقتنيت جهازا آخر لا يوفر خاصية دخول الإنترنت حتى لا أتراجع وأستسلم بسهولة. شعرت في أول يوم بالشعور نفسه الذي كنت أراه في المشاهد التمثيلية للمدمن، كنت أشعر بمزاج سيئ، ورغبة جامحة لتصفح الإنترنت، تتعاظم وتكبر وتقودني. أكتب بحثي بلا تركيز، وأنا أفكر في حسابي في "تويتر" أو "إنستجرام". أفكر في التعليقات والرسائل التي تركتها خلف ظهري. أفكر في ماذا يدور في غيابي في العالم السايبري. لم أصمد طويلا. نكثت العهد الذي قطعته على نفسي. خذلتني. وفتحت الإنترنت عن طريق جهاز اللابتوب الخاص بي، لكن شعرت بالذنب ذنب كبير. كيف لم أستطع مقاومة شهوة الإنترنت؟ كيف سأنجز بحثي؟ هل أعود إلى وطني جارا أذيال الخيبة لأني لم أستطع مقاومة تغريدة تراودني أو تعليق أضعه أو رسالة خاصة أقرأها؟ وضعت حواجز نفسية أكثر أمام نفسي بعد فشلي الأول في مقاطعة الإنترنت حتى أنهي بحثي بسلام. قررت ألا أكتب بحثي في المنزل أو المقهى. عندما أقوم بذلك سأتسلل خلسة لدهاليز "تويتر". حرصت أن أنقل ورشة عملي في منتصف مكتبة الجامعة التي أدرس فيها في مدينة مانشستر؛ حتى لا أتجرأ على تصفُّح المواقع الاجتماعية في الإنترنت والطلاب أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي منهمكون في القراءة والكتابة البحثية والعمل، بينما أتنزه إنترنتيا. سأزدري نفسي لو سمحت لها بأن تقترف خطيئة دخول الإنترنت في هذه الفترة. نجحت الخطة تماما. كنت أذهب إلى المكتبة الساعة التاسعة صباحا، ولا أعود إلى شقتي إلا العاشرة مساء يوميا تقريبا. كنت أصل منهكا غير قادر سوى على النوم. كان طعامي وصلاتي وكل حياتي في تلك الشهور الأربعة في الجامعة. أزعم أنني أنجزت فيها كمًّا ونوعا ما لم أنجزه في حياتي. وعندما سلمت بحثي على خير عدت إلى الإنترنت والشبكات الاجتماعية لألحق بما فاتني. الحقيقة الصادمة أنه لم يفتتي شيء. ما زلنا نتراشق باحتراف ونتصارع بيننا باحتراف. جربوا الابتعاد عنه قليلا، وستكتشفون أنه لم يفتكم شيء داخله، لكن فاتكم كثير خارجه. كبرت أمهاتكم دون أن تشعروا. غادر أحبتكم دون أن تنتبهوا. ضاعت فرص كثيرة وأوقات ثمينة عليكم وأنتم لا تعلمون.
إنشرها
Author

توصيل الطلبات

|
يقود الناس السيارات بأعداد مهولة لدينا لأسباب كثيرة، من ضمنها مساحات المدن وتعداد مكونات الأسرة إضافة إلى توافر الوقود بأسعار معقولة مع ملاحظة أن النقل العام غائب إلى الآن عن حل الإشكالية، وهو ما ننتظره بمجرد البدء في تشغيل المترو في مدن معينة. تظل الحلول في مدن أخرى تراوح في مكانها حسب معلوماتي، فنحن لا نرى أي مشاريع للنقل العام سوى في المدن الكبرى، ومع ذلك لا توجد حلول أخرى مثل الحافلات والتحفيز على التنقل الجماعي، ومع حجم البلاد وانتشار السكان على هذه الرقعة الهائلة نجد أنفسنا أمام إشكالية حقيقية، لا بد أن يستمر فيها المواطن السعودي أكثر استهلاكا للوقود من غيره. أعلنت الشؤون البلدية أمس أن خدمات توصيل الطلبات غير مرخصة ومعنى هذا أن واحدا من العناصر المهمة في عملية خفض استهلاك الوقود يعمل بشكل غير نظامي. هنا أتساءل عن التنسيق الموجود بين الجهات التي تشكو من الاستهلاك وأثره في ميزانية الدولة في جزئية الدعم والتأثير في البنية التحتية والتلوث المقبل مع ارتفاع عدد السيارات، وتلك التي لا تصرح لكثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة لأسباب غير واضحة، رغم أنها تحل مشكلات حقيقية يعانيها الاقتصاد. أبسط القواعد التي يجب أن تتبناها أغلبية الجهات الحكومية والمسؤولة عن تنظيم السوق والرقابة على الخدمات، هي البدء بالتفاعل مع النظرة التي تتبناها "رؤية 2030" المبنية على الاستثمار ودعمه وتسهيل الدخول فيه من قبل المواطن. هنا يمكن أن تنشط المنافسة، ويبدأ المستثمرون في استغلال الفرص التي تتاح لهم، وتبرز مبادرات لم تكن لترى النور لولا الدعم الذي توفره مفاهيم ومشاريع «الرؤية». إذا والحالة هذه يمكن أن آخذ عملية توصيل الطلبات كمثال يمكن أن تدفع به الشؤون البلدية ليكون واقعا يستفيد منه الجميع. يمكن أن يرخص للشركات والمؤسسات الخاصة من خلال تحديد الضوابط التي تريدها البلديات وتنفيذ الاشتراطات بدل الرفض. مهم أن تعمل الجهات الرقابية والتنظيمية من خلال منظومة سريعة التجاوب ومتفاعلة وسهلة تمكن الجميع من الإفادة من الخدمات التي يمكن أن توفر، مع التذكير الدائم بأهمية استخدام التقنية لتسهيل عمليات التسجيل والترخيص، وهنا مثال واضح يتماشى مع «الرؤية» ويسهم في مرونة الحركة المرورية وتقليل استهلاك الوقود والانبعاثات الناتجة عن ذلك وغيره كثير.
إنشرها
Author

من أجل حب عالم متعدد الأقطاب

|
وصلت السياسة الخارجية الأمريكية إلى مفترق الطرق. حيث أصبحت الولايات المتحدة قوة كبرى منذ نشأتها في سنة 1789. شقت أمريكا الشمالية طريقها نحو التقدم في القرن الـ 19، واكتسبت الهيمنة العالمية في النصف الثاني من القرن الـ 20. لكن الآن، مع مواجهتها لصعود الصين وديناميكية الهند، وارتفاع عدد السكان والتحركات الاقتصادية في إفريقيا، ورفض روسيا الخضوع لإرادتها، وعدم قدرتها على السيطرة على الأحداث في الشرق الأوسط، وعزم أمريكا اللاتينية على التحرر من هيمنتها الفعلية، وصلت قوة الولايات المتحدة إلى نهايتها. هناك خيار واحد لدى الولايات المتحدة ألا وهو التعاون العالمي. أما الخيار الآخر فهو التصعيد العسكري كإجابة عن طموحات محبطة. ويتوقف مستقبل الولايات المتحدة والعالم كله على هذا الاختيار. إن التعاون العالمي أمر حيوي جدا. فهو السبيل الوحيد لتحقيق السلام وتجنب سباق تسلح جديد غير مجد وخطير، وبالتالي مفلس، هذه المرة سيتضمن التسلح الأسلحة الإلكترونية، وأسلحة الفضاء، والأسلحة النووية للجيل التالي. والتعاون فقط سيمكن الإنسانية من مواجهة التحديات العالمية المستعجلة، بما في ذلك تدمير التنوع البيولوجي، وتسمم المحيطات، والتهديد الذي تشكله ظاهرة الاحتباس الحراري على الإمدادات الغذائية في العالم، وعلى الأراضي الجافة الواسعة والمناطق الساحلية المكتظة بالسكان. التعاون العالمي يعني الرغبة في التوصل إلى اتفاقات مع دول أخرى، وليس مجرد تقديم مطالب من جانب واحد. الولايات المتحدة معتادة على تقديم المطالب لا التنازلات. عندما تشعر دولة أنها قادرة على الحكم - كما كان الحال مع روما القديمة، و"المملكة الوسطى" الصينية منذ قرون، والإمبراطورية البريطانية من عام 1750 إلى 1950، والولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية ــــ لا يكاد يكون التنازل جزءا من قاموسها السياسي. وكما قال الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش باختصار مفيد: "إما أن تكون معنا أو ضدنا". ليس من المستغرب إذن أن تواجه الولايات المتحدة صعوبة في قبول حدود العولمة الواضحة. في أعقاب الحرب الباردة، كان من المفترض أن تبدأ روسيا بالتعامل بالمثل؛ لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يرضخ لذلك. وعلى نحو مماثل، بدلا من جلب الاستقرار بشروط الولايات المتحدة، أوجدت حروب أمريكا السرية والعلنية في أفغانستان، والعراق، وسورية، وليبيا، وجنوب السودان، وغيرها من البلدان عاصفة مدمرة تمتد عبر الشرق الأوسط الكبير. وكان من المفترض أن تظهر الصين الامتنان والاحترام للولايات المتحدة بعد تخلصها من 150 عاما من سوء المعاملة من قبل القوى الإمبريالية الغربية واليابان. بدلا من ذلك، تعتقد الصين بجرأة أنها قوة آسيوية ذات مسؤوليات خاصة بها. هناك سبب وجيه لهذه الحدود حتما. في نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة القوة الكبرى الوحيدة التي لم تدمرها الحرب. فقد قادت العالم في مجال العلوم والتكنولوجيا والبنية التحتية. كما تشكل ربما 30 في المائة من الاقتصاد العالمي وابتكرت أحدث التقنيات في قطاعات التكنولوجيا المتطورة. ونظمت النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية: تأسيس منظمة الأمم المتحدة ومؤسسات بريتون وودز، وخطة مارشال، وإعادة إعمار اليابان، وأشياء أخرى. وبموجب هذا النظام، تقلصت الفجوة التكنولوجية والتعليمية والهيكلية الواسعة بشكل كبير مع الولايات المتحدة. كما يقول الاقتصاديون، أصبح النمو العالمي يسهل "التقارب"، ما يعني أن البلدان الأكثر فقرا تمكنت من اللحاق بالركب. وانخفض نصيب الاقتصاد العالمي الذي تمثله الولايات المتحدة بما يقرب من النصف (نحو 16 في المائة حاليا). والآن تتمتع الصين باقتصاد أكبر من حيث القيمة المطلقة مقارنة بالولايات المتحدة، لكنه لا يبلغ سوى ربع النسبة من حيث نصيب الفرد. لم يكن هذا الأمر خدعة غادرة ضد الولايات المتحدة أو على حسابها. يتعلق الأمر فقط بالاقتصاد الأساسي: وبفضل السلام، والتجارة، والتدفق العالمي للأفكار، يمكن للبلدان الأكثر فقرا المضي قدما. ويجب الترحيب بهذا الاتجاه، وليس تجنبه. لكن إذا كانت نية الرائد العالمي هي الهيمنة، فستبدو نتائج النمو كتهديد، كما يراها "استراتيجيو الأمن" في الولايات المتحدة. فجأة، بدت التجارة المفتوحة، المؤيدة من قبل الولايات المتحدة، تمثل تهديدا خطيرا على هيمنتها المستمرة. ويطالب دعاة الخوف الولايات المتحدة بإبعاد نفسها عن السلع والشركات الصينية، مدعين أن التجارة العالمية نفسها تقوض التفوق الأمريكي. أعرب روبرت بلاكويل زميلي السابق في جامعة هارفارد والدبلوماسي الأمريكي الشهير، وآشلي تيليس مستشار وزارة الخارجية السابق عن عدم الارتياح في تقرير نُشر العام الماضي. كتبا أن الولايات المتحدة تنتهج استراتيجية كبرى "تركز على اكتساب والحفاظ على القوة البارزة على مختلف المنافسين"، و"يجب أن تبقى الصدارة الهدف الرئيس لاستراتيجية الولايات المتحدة الكبرى في القرن الـ 21"، لكن بلاكويل وتيليس أشارا إلى أن "صعود الصين بعد ذلك فرض بالفعل تحديات جيوسياسية وعسكرية واقتصادية وعقائدية على قوة الولايات المتحدة، وحلفائها، وعلى النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة. "إن نجاحها المتواصل في المستقبل، حتى لو كان نسبيا، سيضعف المصالح القومية للولايات المتحدة". مستشار التجارة بيتر نافارو الذي عُين حديثا من قبل الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب يتفق مع ذلك. فقد كتب في العام الماضي عن الولايات المتحدة وحلفائها: "كلما قمنا بشراء المنتجات المصنوعة في الصين"، نحن كمستهلكين سنساعد على تمويل الحشد العسكري الصيني الذي قد يلحق الضرر بنا وببلداننا". وبتمثيلها لـ 4.4 في المائة من سكان العالم فقط، وبحصة منخفضة من الناتج العالمي، قد تحاول الولايات المتحدة التمسك بوهم الهيمنة العالمية من خلال سباق جديد نحو التسلح والسياسات التجارية الحمائية. فهذا من شأنه أن يوحد العالم ضد الغطرسة الأمريكية والتهديد العسكري الأمريكي الجديد. وستعمل الولايات المتحدة عاجلا وليس آجلا على إفلاس نفسها في حالة تنامي "طموحاتها الإمبريالية الكلاسيكية المبالغ فيها". الطريق الحكيم الوحيد للمضي قدما بالنسبة للولايات المتحدة هو التعاون العالمي القوي والمفتوح لتحقيق منجزات في ميداني العلم والتكنولوجيا في القرن الـ 21 من أجل خفض الفقر والمرض والتهديدات البيئية. عالم متعدد الأقطاب يمكن أن يكون أكثر استقرارا وازدهارا وأمنا. إن صعود عديد من القوى الإقليمية لا يشكل تهديدا للولايات المتحدة، بل فرصة لعصر جديد من الازدهار ولتقديم حلول عقلانية وبناءة.
إنشرها
Author

هل من مراجعة وتقويم صادق؟

|
تمثل المراجعة شكلا من أشكال تقويم الواقع بهدف الاستبصار به، ومعرفة الإيجابيات والسلبيات التي تكتنفه وتؤثر فيه. وقد دأبت الأمم الحية، الساعية إلى النمو الحقيقي وليس الشكلي، إلى جعل مراجعة أمورها في جميع المجالات جزءا من ثقافتها العامة التي تمارس بأريحية وشفافية وتقبل للنتائج، دونما تذمر أو امتعاض، وإدراكا من الأفراد والمؤسسات أن نتائج التقويم تنتهي إلى نتائج إيجابية يلمسها الفرد، حيث يعدل في ممارساته وإدارته لعمله، وسلوكه عند التعامل مع الآخرين أيا كانوا. المؤسسة بدورها تجد في نتائج التقويم نتائج جمة، فلو- على سبيل المثال- لدينا شركه تنتج بضاعة من البضائع لكن الشركة تتعرض لخسائر، فالمراجعة والتقويم ستكشف أسباب الخسارة عما إذا كانت إدارية، أو في ضعف الدعاية والتسويق للمنتج، أم أن الأمر مرتبط بجودة المنتج وعدم قدرته على منافسة منتجات الشركات الأخرى، أم سعره المبالغ فيه الذي لا يقدر عليه إلا قلة من الناس. تأملت في موضوع المراجعة والتقويم وواقعه في مجتمعنا، وفي الوضع التنموي الذي نمر به، ولعله من المناسب العودة إلى الوراء قليلا إلى سنوات الطفرة الأولى، حيث زادت السيولة، نتيجة الطلب الكبير على النفط وارتفاع أسعاره، ما وفر سيولة مالية كبيرة لدى الحكومة ولدى كثير من الشرائح الاجتماعية، وهذا الواقع ترتبت عليه قوة شرائية دفعت التجار إلى زيادة الاستيراد لكل شيء، ومع ذلك تنفد البضائع بسرعة فائقة. نمط الاستهلاك الشديد تحول مع الوقت إلى ثقافة مضرة بالتنمية، وأقصد تنمية الإنسان في طريقة تفكيره، ونظرته للحياة، وسلوكه، وقدرته على التمييز بين النافع والضار والمهم وغير المهم، حتى إن البعض أثري ثراء فاحشا في تلك الفترة نتيجة أي نشاط يقوم به، أو نتيجة المساهمات العقارية، إلا أن غياب الوعي، وعدم إدراك قيمة المال، وغياب السلوك الاستهلاكي الرشيد أدى بالبعض إلى الإفلاس، والتحول من عالم الأغنياء إلى عالم الفقراء والمعوزين، وربما دخلوا السجن بفعل تصرفاتهم. تنمية المواطن الصحيحة لا تتحقق بتوفير السيولة في يده فقط، رغم أهمية ذلك حتى لا يضطر للانحراف، بل في تعليمه كيف ينمي هذه الأموال، ويحافظ عليها لتتحول إلى مصدر إنتاج يضاف للناتج الوطني الذي يقوي ويعزز الاقتصاد، وتنمية التفكير بصورة شمولية، لا تقتصر على المنفعة الذاتية، ذات الطابع الأناني، هي الأساس الذي على ضوئه يدرك الفرد أهمية الموارد، وأهمية المحافظة عليها كموارد المياه، والطاقة. في غمرة الطفرة الأولى التي نزلت على عموم الناس فجأة أفقدت البعض الحكمة والصواب، بل إن المجتمع بأكمله أفرادا، ومؤسسات لم يرد في وعيهم أن ما توافر في أيديهم قد لا يلبث طويلا، وهذا ما حدث بالفعل، إذ تبخرت الثروة دون أن نحقق التنمية الحقيقية، ونوفر البنى التحتية في جميع أشكالها، وجودتها، فلا تزال مدننا يفتقد بعض أحيائها الصرف الصحي، وتصريف السيول، وشبكة المياه، والخدمات الصحية، والأبنية المدرسية المناسبة. بناء منظومة القيم القائمة على ثوابت المجتمع لم تنل حقها من الاهتمام، فنظافة الحي، والشارع ليست جزءا من اهتمام الفرد، طالما يوجد رجل نظافة يقوم بالمهمة، كما أن دقة المواعيد، والمحافظة على الوقت ليست ضمن أجندة كثيرين، وقد يوصف من يحافظ على الوقت بأوصاف الجاد والمتزمت والدقيق وما إلى ذلك من الأوصاف التي تعطي انطباعا سيئا عن فرد كهذا. الشفافية والوضوح في التعامل، وتجنب المواربة دون جرح لمشاعر الآخرين لم تلق العناية الكافية بها رغم قيمتها في الإدارة، ولذا نجد ممارسات إدارية خاطئة على جميع المستويات لأن الناس لم يتعودوا على الشفافية، بل ديدنهم المجاملة التي تبلغ حد النفاق، ولعل من أولويات الفترة المقبلة إذا ما أردنا لـ "برنامج التحول الوطني" و"رؤية 2030" النجاح الاهتمام بغرس الثقة لدى الناس، وتعويدهم على المكاشفة، والمصارحة في جميع الأمور، بدلا من أن يسير الناس بلا وعي أينما يتجهون. الأنظمة التي سنت في فترة سابقه قد لا يكون من المناسب الاستمرار عليها، ومن المصلحة مراجعتها بوعي وانفتاح يأخذ في الاعتبار التغيرات المحلية، والدولية، وما جد في حياة الناس من أنماط الحياة، إضافة إلى التحولات التقنية الهائلة التي أسهمت في تشكيل سلوك الناس، وعاداتهم. المراجعة الواعية لما طرأ على ثقافة المجتمع من تغيرات، خاصة ما له علاقة بالأسرة تستوجب العناية الفائقة بها، فتماسك المجتمع يتحقق بتماسك الأسرة، فهي البذرة الأولى في خيوط النسيج الاجتماعي القوي، فتفكك الأسرة يضعف التماسك الاجتماعي ويحدث الخلل فيه.
إنشرها
Author

قواعد الاستحواذ الخليجية .. التخارج «1من 2»

|
في آخر العام الماضي، وافق مجلس الوزراء السعودي على تطبيق قرار المجلس الأعلى لمجلس التعاون، الذي اعتمد فيه القواعد الموحدة للاستحواذ في الأسواق المالية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. هذه القواعد هي قواعد استرشادية يظهر منها أنها تسعى للاستفادة من تجربة الاتحاد الأوروبي في قواعده الموحدة لتنظيم عروض الشراء في السوق المالية. على الرغم من أن هذه القواعد الموحدة لمجموعة دول بحاجة إلى تعديل إلى كونها قواعد عامة تكون على شكل مبادئ مرنة، حيث تنص القاعدة الواحدة على مبدأ علوي مشترك ويترك التفصيل لكل دولة حسب سوقها، إلا أن هذه المقالة ستقتصر على مسألة واحدة تطرقت لها القواعد الموحدة وأرى أنه بالإمكان تنظيمها بأسلوب منطقي وأكثر فعالية. عندما تناقش هذه المقالة هذه المسألة، ستعكس اقتراحي فيما أرى إضافته إلى لائحة الاندماج والاستحواذ السعودية في الوقت نفسه. وقبل البدء في موضوع هذه المقالة، أؤكد أن فعالية تطبيق القواعد الموحدة للاستحواذ (عروض الشراء) تعتمد بالدرجة الأولى على تواؤم جميع مواد النظام مع بعضها بعضا، إضافة إلى صياغتها بأسلوب مرن، حيث يحدد الهدف المراد تحقيقه، وفي الوقت نفسه يترك مجالا لكل دولة في أن تنظم تفاصيله حسب شكل ونظام وهدف كل دولة. نصت المادة الـ (26) من القواعد الموحدة على أنه: "إذا استحوذ مساهم منفردا أو من خلال الأشخاص الذين يتصرفون بالاتفاق على 90 في المائة أو أكثر من رأس المال وحقوق التصويت في الشركة المستحوذة المستهدفة بالعرض، جاز لأي من المساهمين الآخرين الحائزين 3 في المائة على الأقل من رأس المال أن يطلبوا من الجهة الرقابية خلال 12 شهرا التالية لاستحواذ الأغلبية على النسبة المشار إليها إخطار الأغلبية بتقديم عرض لشراء حصص الأقلية". هذا التوجه الذي نصت عليه المادة الـ (26) من القواعد الموحدة هو ما سلكته القواعد المنظمة لعروض الشراء في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يمكن تسميته بحق بيع الخروج أو التخارج Sell Out Right. وحق بيع الخروج أو التخارج هو الحق الذي يعطي الأقلية في الشركة المستحوذ عليها أن يجبروا المستحوذ أن يشتري أسهمهم في حالة نجاح المستحوذ في شراء أسهم في الشركة المستحوذة بنسبة معينة حددتها القواعد الموحدة هنا بـ 90 في المائة متفقة في اختيارها مع النسبة التي حددتها القواعد الموحدة لعروض الشراء في الاتحاد الأوروبي. هذا الحق الذي رتبته المادة الـ (26) من القواعد الموحدة بهذه الصيغة يرد عليه أكثر من إشكال، ويمكن تلخيص أهم تلك الإشكالات في الأمور التالية: 1) غفلة القواعد عن الحق الآخر الذي لا يقل أهمية عن حق بيع الخروج أو التخارج الذي وضع لمصلحة الأقلية، وهو حق إخراج الأكثرية للأقلية من الشركة بعد نجاح الشركة المستحوذة في شراء نسبة معينة من الشركة المستحوذ عليها. 2) عدم ملاءمة النسبة المقررة لنشوء حق بيع الخروج أو التخارج. 3) استمرار الحق لمدة طويلة كمدة 12 شهرا التي نصت عليها المادة الـ (26) من القواعد الموحدة. هذه النقاط الأربع من المادة الـ (26) من القواعد للاستحواذ في الأسواق المالية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ستتم مناقشتها في المقالة المقبلة ـــ إن شاء الله تعالى.
إنشرها
default Author

عودة التجارة إلى مسارها الطبيعي

|
في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد العالمي تباطؤ النمو، تراجع التأييد السياسي للتجارة الدولية الحرة، ولا سيما في الاقتصادات المتقدمة وخصوصا الولايات المتحدة. وبما أن المعارضة للتجارة الحرة ليست أمرا جديدا، فإنها لم تؤد من قبل إلى توقف عملية تحرير التجارة في مرحلة ما بعد الحرب، التي كانت السبب في نمو الاقتصادات المتقدمة والتقارب بين أنصبة الأفراد من الدخل في عدد كبير من البلدان النامية. ولا تزال معارضة التجارة هي رأي الأقلية ــــ فالتجارة تعود بالنفع على معظم الشعوب، ولكن يبدو أن عدد معارضيها المسموعين قد زاد كثيرا في الوقت الحالي. وتمكن التجارة البلدان من استخدام مواردها بكفاءة أكبر، ولكن قد لا توزع المكاسب المحققة من زيادة الكفاءة بالتساوي بين المواطنين، ما يعني خسارة البعض. وقد ينتج عن ذلك مزيد من عدم المساواة في الدخل واضطراب الحياة. وخلال ربع القرن الماضي، شهد الاقتصاد العالمي تحولا هائلا بفضل زيادة التجارة والتغيرات التكنولوجية والسياسية. ورغم التقدم الكبير المحرز على المستوى العالمي، لم تضمن معظم الحكومات تقاسم مكاسب النمو الاقتصادي بين جميع مواطنيها ــــ بما في ذلك الناتجة عن التجارة. وفي بعض البلدان، أثار ضعف وتباطؤ النمو الكلي للدخل موجة غضب جامحة. ودائما ما كان توزيع الفوائد التجارية غير متكافئ بين المواطنين، ومن الممكن أن يكون الأمر قد ازداد تفاقما في السنوات الأخيرة. ولكن أصبحت مكاسب التجارة أكثر أهمية في ظل تراجع النمو في الوقت الحالي؛ لذا يتعين على البلدان حماية هذه المكاسب وزيادتها من خلال وضع سياسات تعيد توزيع هذه المكاسب بعدالة أكبر. ومن شأن ذلك زيادة قدرة الاقتصادات على الصمود في وجه مختلف قوى السوق بخلاف تلك المرتبطة بالعولمة. منذ الحرب العالمية الثانية، ساعد الخفض التدريجي في الحواجز التجارية مثل التعريفة الجمركية وأنصبة التجارة على دعم النمو والرخاء في جميع البلدان التي قامت بذلك ــــ بما في ذلك من خلال توفير مجموعة أكبر من السلع بأسعار أقل للأسر. والأهم من ذلك أن للتجارة تأثيرا إيجابيا قويا أيضا في الإنتاجية ــــ أي كفاءة استخدام الموارد العالمية في إنتاج السلع الاقتصادية. ومن المهم للغاية جني هذه المكاسب في ظل التباطؤ الاقتصادي الحالي. وتؤيد الأبحاث التجريبية وجهة النظر الأساسية لريكاردو بشأن دور التجارة في تعزيز الإنتاجية، ولكن مكاسب الإنتاجية والنمو الناتجة عن التجارة تتجاوز بكثير ما أشار إليه ريكاردو. فعند السماح بالتجارة، تجبر المنافسة المنتجين المحليين على تحسين إنتاجهم. وكذلك تتيح التجارة مجموعة أكبر من مدخلات الإنتاج الوسيطة التي يمكن للشركات استخدامها في الإنتاج بتكلفة أقل. وأخيرا، يمكن للمصدرين تعلم تقنيات أفضل من خلال مشاركتهم في الأسواق الأجنبية، ويُجبرون على المنافسة على جذب العملاء من خلال زيادة الكفاءة وتحسين جودة الإنتاج. وفي عالم ريكاردو، تمثل التجارة تكنولوجيا جديدة أفضل تتاح لجميع البلدان عند فتح حدودها ويمكن للجميع الاستفادة منها بالتساوي. وأحيانا ما يكون للتجارة هذا الأثر، ولكن هذه النتائج الإيجابية للتجارة لا تسلط الضوء على أسباب الاعتراض الشديد من جانب البعض عليها. وثمة جانبان أساسيان للتجارة يساعدان على تفسير هذه المعارضة. أولا، توجد تكلفة قصيرة الأجل لإعادة استغلال موارد الاقتصاد خارج القطاع الذي ينكمش بسبب التجارة الحرة. فبعض العاملين محصورون في قطاع صناعة الأنسجة الآخذ في الانكماش، وفي العالم الحقيقي، يمكن أن تكون التكلفة وأوجه عدم الكفاءة طويلة الأجل ومضرة للبعض، ما يشعرهم بأن المكاسب التي يحققها الاقتصاد في الأجل الطويل مجرد مكاسب نظرية لا تعود بالنفع عليهم. وثانيا، حتى إن لم تنشأ أي مشكلات بسبب التكيف مع تلك الآثار، من شأن التجارة التأثير سلبا في توزيع الدخل المحلي وجعل البعض أسوأ حالا بالقيمة المطلقة. وفي هذه الحالة، ورغم أن البلد ككل يشهد زيادة في الإنتاجية والدخل، قد يحقق البعض مكاسب مفرطة، بينما يخسر البعض تماما. ويرى الخاسرون أن التجارة مجحفة في حقهم. ولا تنتج آثار إعادة التوزيع تلك كما يُطلق عليها عن العولمة فحسب، بل من خلال التطورات التكنولوجية التي تعود بفائدة أكبر على بعض قطاعات الاقتصاد مقارنة بغيرها. وتتسلسل الأحداث على النحو نفسه إذا أتاح التطور التكنولوجي زيادة إنتاج الأنسجة بالمدخلات نفسها من العمالة الماهرة وغير الماهرة. ونظرا لأن التجارة مشابهة للتطور التكنولوجي، ليس من المستغرب أن يؤدي التطور التكنولوجي إلى إعادة توزيع الدخل على غرار التجارة. ولكن رغم تشكك أقلية كبيرة في أثر التجارة، يتفق الجميع على زيادة الإنتاجية. ومن أهم التحديات التي ينطوي عليها فهم العلاقة بين العولمة وعدم المساواة في الدخل استبعاد الآثار المهمة للعوامل الأخرى، مثل التغيرات التكنولوجية. ومما يزيد الأمر تعقيدا أن العولمة والتكنولوجيا تربطهما حلقة من الآثار المرتدة الإيجابية ــــ فتشجيع العولمة للتقدم التكنولوجي من أهم مصادر المكاسب المحققة من التجارة. على الرغم من تراجع عدم المساواة في الدخل إلى حد ما بين البلدان خلال العقود الأخيرة، نجد أنه قد زاد دخل عديد من البلدان. فقد أدت التجارة والتكنولوجيا إلى زيادة التقارب العالمي في الدخل لمصلحة العديدين في البلدان الأفقر من جهة، وإلى تغيير أنماط الإنتاج وتوزيع الدخل داخل البلدان من جهة أخرى. ونجد أكثر الأمثلة وضوحا على تراجع عدم المساواة بين البلدان في آسيا، ولا سيما صعود منطقة هونج كونج الإدارية الخاصة وكوريا وسنغافورة ومقاطعة تايوان الصينية إلى مصاف البلدان مرتفعة الدخل والنمو الاقتصادي الأخير في الصين والهند. فقد ارتفع نصيب الفرد في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في الهند من 553 دولارا أمريكيا عام 1991 (على أساس قيمة الدولار عام 2010) إلى 1806 عام 2015، بينما شهدت الصين ارتفاعا أكبر بكثير من 783 دولارا أمريكيا عام 1991 إلى 6416 دولارا أمريكيا عام 2015. ونظرا لارتفاع عدد السكان في البلدين، أدى نجاح الصين والهند إلى تراجع كبير في عدم المساواة بين سكان العالم. وتباطؤ النمو في أمريكا اللاتينية وإفريقيا جنوب الصحراء لم يخفض الفجوة بينهما وبين البلدان الأكثر ثراء بالسرعة نفسها، ولكن تراجعت نسبة انتشار الفقر تراجعا كبيرا في البلدان الأفقر. ويعزى جزء كبير من التقدم المحرز نحو تقارب الدخل وتراجع الفقر إلى التجارة والاستثمار العالميين ــــ وإن لم يكن ذلك بسبب سياسات التجارة الحرة في عديد من الحالات، فهو بسبب التوجه الخارجي للإنتاج. * مستشار في صندوق النقد
إنشرها
Author

مشهد الاعتماد الأكاديمي .. وآفاق المستقبل

|

أستاذ هندسة الحاسب في كلية علوم الحاسب والمعلومات بجامعة الملك سعود

يسعى "الاعتماد الأكاديمي"، كما طرحنا في مقال سابق، إلى تقييم "المؤسسات الأكاديمية" ومنح "الثقة" بها على أساس "معايير محددة" يطلب تحقيقها في هذه المؤسسات. ويعطى هذا الاعتماد عادة لفترة زمنية محددة يحتاج بعدها إلى تجديد، على أساس المعايير ذاتها، أو على أساس معايير أكثر تطورا. وكثيرا ما نجد المؤسسات الأكاديمية سعيدة بحصولها على الاعتماد الأكاديمي من هيئات نالت بدورها الثقة كمؤسسات تحكيم خبيرة ونزيهة. ولاشك أن الحصول على الثقة الأكاديمية من هيئات مرموقة إنجاز يستحق الفخر، لكنه في الوقت ذاته ليس هدفا يتم التوصل إليه والتوقف عنده، بل يجب أن يكون وسيلة لفهم أعمق للحالة الأكاديمية التي تم اعتمادها، يسمح بالانطلاق نحو تطويرها إلى الأفضل. فمعايير الاعتماد عادة وسيلة مرجعية "لمستوى مقبول" من الثقة، أما "مستوى التميز" فيأتي أبعد من ذلك. ولعله من المناسب القول هنا إن المؤسسات الأكاديمية مؤسسات معرفية متقدمة تسعى إلى خدمة الإنسان أينما كان، وإلى خدمة المجتمع المحلي والإسهام في تنميته. والمعرفة المتقدمة تتجدد باستمرار، وكذلك متطلبات الإنسان والمجتمعات المختلفة، وعلى ذلك فإن الهدف الأكاديمي الذي يفترض أن تسعى المؤسسات الأكاديمية إليه ليس هدفا ثابتا، بل هو هدف متطور، ما أن تصل إليه اليوم إلا وتراه قد بات في موقع أكثر تقدما. ولا بد لهيئات الاعتماد الأكاديمي من أخذ مثل هذا التطور في الاعتبار كي تفعِّل إسهامها في تحسين مستوى هذه المؤسسات، وفي دفعها إلى التطوير المستمر، والاستجابة للمتغيرات. وإذا نظرنا إلى مشهد الاعتماد الأكاديمي من حولنا، نراه مشهدا متعدد الألوان. فعلى المستوى الدولي نجد هيئات مستقلة تهتم باعتماد المناهج الأكاديمية المتخصصة. ومن أمثلة هذه الهيئات "هيئة اعتماد الهندسة والتقنية ABET" التي شمل اعتمادها عددا من الكليات في جامعات المملكة. ومن أمثلة هذه الهيئات أيضا "هيئة تطوير كليات الأعمال AACSB" التي شمل اعتمادها أخيرا كلية إدارة الأعمال في جامعة الملك سعود. وعلى مستوى المملكة هناك "الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي NCAAA". وهي هيئة مستقلة عن وزارة التعليم، تهتم بالعمل على تطوير جودة التعليم العالي في المملكة. ولا يقتصر عملها على "اعتماد البرامج الأكاديمية" في شتى المجالات، بل يشمل أيضا ما يعرف "بالاعتماد المؤسسي" الذي يهتم بالجوانب الرئيسة لعمل المؤسسات الأكاديمية على أساس معايير اعتماد تركز على جودة أدائها وتطورها. وهناك ما يماثل هذه الهيئة في مختلف دول العالم. ولا تبتعد "منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم: اليونسكو UNESCO" عن مشهد الاعتماد الأكاديمي، لكنها ليست من بين الهيئات التي تمنح هذا الاعتماد، وإنما تسهم في تفعيله بأساليب مختلفة. وقد تحدثنا في مقال سابق عن تقرير "لليونسكو" أعده "المعهد الدولي للتخطيط للتعليم IIEP" التابع لها، حول التعريف بالاعتماد الأكاديمي؛ وسنلقي الضوء فيما يلي على إسهام مهام آخر لها في هذا المجال، حرصا على توسيع زاوية رؤية مشهد الاعتماد الأكاديمي، والاستفادة من المعطيات المفيدة بشأنه. أصدرت "اليونسكو" عام 2014، من خلال المعهد سابق الذكر، مجموعة من خمسة كتيبات، هي أجزاء لموضوع واحد يختص "بالتوثيق الخارجي للجودة EQA" في التعليم العالي، وهو ما يعبر عن "الاعتماد الأكاديمي". ويركز الموضوع على فكرة التوثيق الخارجي تأكيدا لاستقلالية التوثيق والاعتماد. وقد كان السبب المباشر في إعداد هذه الكتيبات هو إقامة ورشة عمل حول الموضوع لرجال من التعليم العالي في دولتي "جورجيا وأرمينيا" انطلاقا من رغبتهما في تطوير هذا التعليم في بلديهما. وقد باتت هذه الكتيبات متاحة للجميع حول العالم من خلال موقع المعهد. تعطي مجموعات الكتيبات هذه قاعدة معرفية ضرورية لكل من يعمل في التعليم العالي، غايتها تفعيل دور العاملين في هذا التعليم على تطويره وتعزيز إسهامه في تحسين حياة الإنسان وبناء مجتمعات معرفية ناجحة. وهي في ذلك تبدو وكأنها تتبع ثلاثية "المعرفة، والموقف، والممارسة KAP"، التي تعطي "المعرفة" اللازمة للتأثير في "الموقف" والتوجه نحو التطوير، ومن ثم تفعيل "الممارسة" والتنفيذ على أرض الواقع. ولا شك أن التنفيذ المستند إلى المعرفة والقناعة يكون أكثر نجاحا وفائدة. يقدم الكتيب الأول، من بين الكتيبات الخمسة طرحا لخيارات "أنظمة توثيق الجودة"، ويلقي في هذا المجال الضوء على التوجهات الحالية للتعليم العالي حول العالم. ويهتم الكتيب الثاني بمسألة "تقييم الجودة"، ويقدم في هذا المجال مثالا يبين فيه معايير التقييم في "سويسرا". ويركز الكتيب الثالث على موضوع "إجراءات التقييم والتوثيق"؛ ثم يوضح الكتيب الرابع كيفية تطوير "هيئة للتوثيق" وتحديد هيكليتها ووظائفها الرئيسة. ويأتي الكتيب الخامس أخيرا ليطرح مسألة "تنظيم وتوثيق جودة المؤسسات الأكاديمية" التي تقدم "تعليما عاليا عابرا للحدود"، لا يلتزم بالضرورة بتشريعات الدولة التي يعمل فيها؛ ويدخل التعليم الإلكتروني المنتشر حول العالم في إطار هذا النوع من التعليم. ولعله يمكن القول إن النظر إلى مشهد الاعتماد الأكاديمي يجب أن يشمل النظر إلى "ما قبله"، والنظر أيضا إلى "ما بعده". يتضمن النظر إلى ما قبله بناء "الجاهزية المعرفية لتنفيذ الاعتماد" لدى أصحاب العلاقة في المؤسسات الأكاديمية من جهة، ووضع "معايير الاعتماد" التي تمثل المتطلبات الرئيسة لجودة التعليم العالي من جهة أخرى. ويشمل النظر إلى ما بعده، الاستفادة من فهم التقييم الذي يقدمه الاعتماد في التخطيط لمزيد من التطوير و"التميز" وتجاوز المعايير في المستقبل. ولا بد، في الختام، من الإشارة إلى أن هناك مسألة مركزية على مدى مشهد الاعتماد الأكاديمي، ألا وهي مسألة وجود "معايير تهتم بمدى قابلية مخرجات التعليم العالي للتوظيف في مختلف القطاعات" في المجتمع المحلي. فعلى الرغم من ورود هذه المسألة في مختلف معايير الاعتماد إلا أنها تحتاج إلى اهتمام خاص على المستوى الوطني نظرا لدورها في الإسهام في التنمية وتعزيز استدامتها.
إنشرها
Author

الحديث عن موارد السعودية بشفافية

|
"رؤية المملكة 2030" تضع الشفافية كأحد أهم محاورها، حيث جاء المحور الثالث ليركز على دور الحكومة الذي يتطلب تطويرا مستمرا للسعي إلى العمل وفق معايير عالية من الشفافية والمساءلة، وإدارة مواردنا المالية بكفاءة واقتدار. وفي خطوة لعلها تشير فعلا بكل جلاء إلى تطبيق عملي في هذا المسار الواضح جاء الحوار الحصري للمهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية مع "الاقتصادية" هو الأول له منذ تسلمه حقيبة أهم وزارة في الاقتصاد السعودي. لقد كان المحور الثالث من محاور "رؤية المملكة 2030" (وطن طموح حكومته فاعلة) هو مدار الحديث والأسئلة، ولقد كانت الشفافية هي المحرك الأساس في هذا الحوار، وقد تطرق الحديث إلى تسعير النفط السعودي وكيف يتم إدراجه ضمن ميزانية الدولة، وهو حديث من النادر أن يقوم به وزير من قبل، ولم تكن هناك أسباب صريحة لعدم الحديث، وبخلاف الشفافية والمساءلة فإن الوطن الطموح يعني في "رؤية المملكة 2030" أن تتم إدارة الموارد بكفاءة عالية واقتدار، ولهذا فقد دار الحوار حول هذه الموضوعات بشكل أساس، ولقد كان للنفط نصيب وافر من الحديث؛ فالنفط كان وسيظل إحدى أهم ركائز الإيرادات العامة للدولة، لكن النقاش دائما والشائعات تدور حول حجم هذه الإيرادات وتسعيرها، لهذا تطرق لها وزير الطاقة بوضوح، حيث أكد أن الموضوع يجب فهمه من جانبين: من جانب حجم الإنتاج الكلي للنفط في المملكة وما يخصص منه للاستهلاك المحلي، وجانب آخر وهو سياسات التسعير، ففي جانب الإنتاج فإن الأمر ينقسم إلى قسمين، قسم يصدر خارج المملكة ويباع بأسعار التصدير السوقية، وقسم آخر يباع بأسعار محلية خاضعة للدعم. فمثلا في عام 2015 كان إنتاج المملكة من النفط قد بلغ 10.2 مليون برميل يوميا لكن بلغت معدلات الصادرات للنفط الخام 7.1 مليون برميل يوميا. وفي جانب السعر فسعر مزيج برنت وهو المرجع العالمي لأسعار البترول، وهو لا يمثل على الإطلاق الأسعار التي يتم بها تسويق أنواع البترول السعودي التي تختلف عنه في المواصفات الفنية، حيث إن المملكة تسوِّق خمسة أنواع من النفط منها الخفيف والثقيل والمتوسط، وهي ذات كثافة أعلى ونسبة كبريت أكثر من نفط برنت، وعلى سبيل المثال فمعدل سعر برنت فاق سعر سلة "أوبك" بما يزيد على أربعة دولارات للبرميل في عام 2016. وبغض النظر عن هذه الأسعار، فالسعودية ستستمر في الاستثمار في قطاع التنقيب والإنتاج للحفاظ على طاقتنا الإنتاجية من النفط الخام عند 12.5 مليون برميل يوميا. وفي مجال الطاقة المتجددة فإن لدى السعودية المقومات الأساسية اللازمة لتحقيق الهدف المرحلي الرامي إلى إنتاج 9.5 جيجاواط من الكهرباء بحلول عام 2023 من مصادر متجددة. وفي مقام إدارة الموارد بكفاءة ـــ كما تشير "رؤية المملكة 2030" ـــ فقد أكد الوزير خطط الوزارة في تشجيع سلوكيات واعية وفعالة لترشيد استهلاك الطاقة محليا وإعادة توجيه الدعم الذي بلغ مستويات قياسية تقارب 270 مليارا سنويا. فبدأت الوزارة خفض الاستهلاك المحلي في قطاع النقل ونجحت حتى الآن في تحقيق نسبة خفض بلغت 3 في المائة، مقابل متوسط نسبة نمو يقارب 6.5 في المائة في السنوات الخمس الماضية، وما زالت الوزارة تسير في خططها لإصلاح أسعار الطاقة محليا، وهذا سيضمن إعادة توجيه الدعم للفئات المستحقة. وفي المقام نفسه ومع جهود الإصلاح الاقتصادي التي تسير عليها المملكة وبعد إعادة هيكلة الأسعار لم يسجل الحمل الذروي لقطاع الكهرباء نموا سنويا لعام 2016، وهي سابقة لم تحدث منذ إنشاء الشركة السعودية للكهرباء.
إنشرها
Author

تاريخ المالكي الأسود في العراق

|
ضاقت أرض العراق بنوري المالكي، فلم يعد يجد له مكانا آمنا يأوي إليه، فلا يمكن أن يضع قدمه في أي مدينة عراقية إلا ويكون الطرد مصيرا له. الشعب العراقي يرى المالكي زعيما فاسدا سرق خيرات البلاد وباع ثلث مساحته إلى التنظيم الإرهابي "داعش" وسلم الباقي إلى إيران. حدث الطرد في أكثر من مدينة في ذي قار والعمارة والبصرة وكثير من المدن العراقية، والمتظاهرون بكل طوائفهم يخرجون رافضين له. في الوقت الذي يخرج فيه الشعب العراقي متظاهرا ضد المالكي ويرجمه بالحجارة كما يفعل مع الشياطين، يستقبله رأس الشر في العالم "خامنئي" ويحتفي ويشيد به قائلا "إنني أعتقد جازما أن لكم دورا في تاريخ العراق سوف لن ينسى". لا شك أن للمالكي تاريخا في العراق لن ينساه العراقيون، تاريخ أسود كاحل كقلب معلمه وملهمه "خامنئي"، تاريخ من الخيانات والسرقات، تاريخ سبق قدومه إلى العراق على دبابات "الاحتلال"، فهذا الرجل خان العراق وشعبه وأرضه، فلك أن تعرف أنه كان يقاتل في صفوف الإيرانيين إبان الحرب العراقية ـــ الإيرانية مطلع الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي، لتعلم حجم الخيانة التي تجرعها العراق والعراقيون من هذا الرجل الفاسد. أمر طبيعي أن يشيد خامنئي باللصوص والخونة في البلاد العربية. أمر طبيعي أن يشيد بهم وهم من سلموا بلدانهم وخيراتهم إلى ملالي طهران. أمر طبيعي أن يجد كل خائن أو لص مكانا له في قلب رأس الشر "خامنئي". ولكن ماذا عنهم في بلدانهم وفي نظر شعوبهم؟ لا شك أن الشعوب لا تراهم إلا لصوصا وخونة وتطاردهم وتنبذهم كما يفعل الشعب العراقي مع المالكي. بالأمس شن المالكي هجوما على السعودية كعادته وكعادة كل اللصوص والخونة من أذرع إيران في المنطقة. إنه دور يتبادله مع زعيم الحزب الإرهابي في ضاحية لبنان الجنوبية ومعتوه جبال مران في اليمن. وهجوم الخونة واللصوص على المملكة لن يزيدها إلا رفعة في أعين المسلمين من شرق الأرض إلى مغاربها فإن كان خصمك لصا أو خائنا فأنت بلا أدنى شك نبيل. ما يتعرض له المالكي من طرد ورجم وتظاهر وملاحقة من الشعب العراقي يتعرض له حسن نصرالله في لبنان وعبد الملك الحوثي في اليمن، وطال الزمن أو قصر، لن يكون لهؤلاء اللصوص مكان بيننا كشعوب عربية ومسلمة وسيكون الطرد أو القتل مصيرهم فالنفس البشرية لا تقبل التعايش مع الخونة.
إنشرها