أوان إصلاح النظام المالي العالمي «2 من 2»

تقترض البلدان الغنية عموما بعملاتها الخاصة، بتكلفة منخفضة وبأقل قدر من مخاطر نقص السيولة، باستثناء لحظات تتسم بقدر غير عادي من سوء إدارة السياسات (كما فعلت حكومة الولايات المتحدة في عام 2008، والبنك المركزي الأوروبي بعد ذلك بفترة وجيزة). على النقيض من هذا، تقترض البلدان المنخفضة الدخل والبلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى بعملات أجنبية (الدولار واليورو في الأساس)، وتدفع أسعار فائدة مرتفعة إلى حد غير عادي، وتعاني توقفات مفاجئة.
على سبيل المثال، نجد أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في غانا (83.5 %) أقل كثيرا من نظيرتها في اليونان (206.7 %) أو البرتغال (130.8 %)، ومع ذلك تصنف وكالة موديز الجدارة الائتمانية لسندات الحكومة الغانية عند مستوى B3، وهذا أقل بعدة درجات من تصنيف اليونان (Ba3) والبرتغال (Baa2). تدفع غانا نحو 9 في المائة على الاقتراض لمدة عشرة أعوام، في حين تدفع اليونان 1.3 في المائة والبرتغال 0.4 في المائة فقط.
تخصص وكالات التصنيف الائتماني الكبرى (فيتش، وموديز، وستاندرد آند بورز جلوبال) تصنيفات من الدرجة الاستثمارية لأغلب البلدان الغنية والبلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى، لكنها تخصص تصنيفات دون مستوى الدرجة الاستثمارية لما يقرب من كل البلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى وكل البلدان المنخفضة الدخل. على سبيل المثال، تخصص وكالة موديز حاليا درجة الاستثمار لاثنتين فقط من الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى (إندونيسيا والفلبين).
إن تريليونات الدولارات في صناديق المعاشات، والتأمين، والبنوك، وغير ذلك من صناديق الاستثمار، يجري توجيهها بموجب القانون، أو الضوابط التنظيمية، أو الممارسات الداخلية، بعيدا عن الأوراق المالية ذات الدرجة الأقل من الاستثمارية. وبمجرد خسارة التصنيف السيادي من الدرجة الاستثمارية، يكون من الصعب للغاية استرداده ما لم تكن الحكومة تتمتع بدعم بنك مركزي رئيسي. خلال العقد الثاني من القرن الحالي، جرى تخفيض تصنيف 20 حكومة ــ بما في ذلك باربادوس، والبرازيل، واليونان، وتونس، وتركيا ــ إلى ما دون الدرجة الاستثمارية، وبين الدول الخمس التي استعادت تصنيف الدرجة الاستثمارية منذ ذلك الحين، كانت أربع منها في الاتحاد الأوروبي (المجر، وإيرلندا، والبرتغال، وسلوفينيا)، ولم تكن أي منها في أمريكا اللاتينية، أو إفريقيا، أو آسيا (وكانت الخامسة روسيا).
لكل هذا، يعد إصلاح النظام المالي العالمي ضرورة ملحة وواجبة منذ أمد بعيد. يجب أن تكون البلدان النامية التي تتمتع بآفاق نمو جيدة ولديها احتياجات إنمائية حيوية قادرة على الاقتراض بشكل جدير بالثقة وبشروط لائقة في السوق. لتحقيق هذه الغاية، ينبغي لمجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي العمل على ابتكار نظام جديد ومحسن للتصنيف الائتماني يعبر عن آفاق النمو واستدامة الديون الطويلة الأجل في كل دولة على حدة. ثم يجب بعد ذلك مراجعة وتنقيح الضوابط التنظيمية المصرفية، كتلك المعمول بها في بنك التسويات الدولية، وفقا لنظام التصنيف الائتماني الـمحسن لتسهيل مزيد من الإقراض المصرفي للبلدان النامية.
للمساعدة في إنهاء التوقفات المفاجئة، ينبغي لمجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي استخدام قوتهما المالية لدعم سوق ثانوية سائلة في سندات البلدان النامية السيادية. وينبغي لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي، وغيرهما من البنوك المركزية الرئيسة، العمل على إنشاء خطوط لمبادلة العملات مع البنوك المركزية في البلدان المنخفضة الدخل وذات الدخل المتوسط المنخفض. كما ينبغي للبنك الدولي وغيره من مؤسسات تمويل التنمية الأخرى زيادة منحها وقروضها الميسرة بشكل كبير إلى البلدان النامية، خاصة الأكثر فقرا. أخيرا وليس آخرا، إذا توقفت البلدان والمناطق الغنية، بما في ذلك عديد من الولايات الأمريكية، عن رعاية غسيل الأموال وتوفير الملاذات الضريبية، فستحظى البلدان النامية بمزيد من الإيرادات لتمويل الاستثمارات في التنمية المستدامة.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي