Author

هل يتحكم الزمن فينا؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد

 أشئنا أم أبينا، فإن الزمن، إن كان ماضيا أم حاضرا أم مستقبلا، يؤثر فينا. ليس في نيتي تقديم أي تعريف للزمن، لأن للمفردة هذه معاني كثيرة جدا، قد لا تجاريها أي مفردة أخرى في المعجم.
انظر عزيزي القارئ، أنا قلت: "إن الزمن ... يؤثر فينا" ولم أقل "يتحكم" فينا. إن تحكم الزمن فينا، نصبح رهائن له. فلو تحكم الماضي في حاضرنا، نكون مثل الذي أرجله في الحاضر ورأسه في الماضي. بمعنى آخر، الماضي لا يؤثر فينا وحسب، بل يحدد كيف يجب على أرجلنا السير. وإن سرنا، نسير حسب مشيئة الماضي، وبذلك نخسر الحاضر والمستقبل.
ولن أذهب بعيدا، وقد لا أجافي الواقع إن قلت إن الأمم تمضي قدما عندما تسعى للتأثير وحتى التحكم في الزمن. أشرح أكثر وأقول، كلما حاول الإنسان تحدي الواقع رغم تأثير الزمن، صار الوصول إلى المعالي أمر ممكنا.
والتحدي يبدأ بتحسين الواقع (الزمن) الذي نعيشه وإبعاد شبح سيطرة الماضي عليه. وإن أردنا السيطرة على الواقع بحاضره، وذلك بتحسين ظروفه ورفع شأن الحياة والارتقاء بما نحن عليه صوب العلا، عندها علينا اللجوء إلى "التحكم" في الزمن. إن لم نتحكم في الزمن، فسيأخذنا الزمن ويسيح بنا كما يحدث للذي لا يتقن السباحة ويسقط صدفة في خضم نهر جارف.
قد يقول قارئ كيف لنا والتحكم في الزمن؟ وقد يقول آخر، نحن بشر والزمن يسير بنا. هنا، علينا التمييز بين الزمن الذي لا طاقة لنا به كبشر، والزمن الذي بإمكاننا التحكم فيه.
كثير من الزمن خارج نطاق ما نملكه من وسائل التحكم. شروق وغروب الشمس وحركة الكواكب ومحدودية زمن بقائنا أحياء على هذه الأرض وغيرها كثير، أمور خارج نطاق حكمنا البشري.
لكن الخروج عن سيطرة الزمن الماضي على الحاضر الذي نعيشه، حكمه في أيدينا. أمم كثيرة خرجت عن نطاق ماضيها، وحققت قفزات مذهلة في حاضرها، وهي قاب قوسين أو أدنى لابتكار أو صنع المستقبل لأجيالها.
 وهنا يدخل دور الخلق والابتكار في حقول العلم والمعرفة والتكنولوجيا. لم يعد هناك زمن ماض في حياة هذه الشعوب، لأن تأثيره صار معدوما تقريبا.
ماذا عن المستقبل؟ قد يرى البعض جوابي عن هذا السؤال المهم مبهما أو بالأحرى غير مقبول، لكن بالنسبة إلى هذه الأمم لم يعد هناك شيء اسمه "المستقبل" لأنها باختراعاتها وإبداعاتها المتلاحقة تبتكر وتصنع لا بل تخلق المستقبل.
فما الزمن يا ترى؟ الزمن لهذه الشعوب هو كيفية التحكم في الزمن للحفاظ على مجتمع الرفاهية والرخاء الذي تدور في فلكه، وتطويع الحياة ضمن منهج علمي وخطة تنموية حكيمة كي لا تقع مرة أخرى ضحية الزمن.
الزمن بالنسبة إلى الشعوب التي تسعى إلى الإبداع والابتكار هو الزمن الذي تعيش فيه وحسب. الماضي صار وراءها، وإن ذكرته لا يكون ذلك إلا لتجنب مساوئه، والمستقبل تتحكم فيه لأنها - وحتى الآن - تسير دون توقف وبسرعة مطردة صوب المستقبل الذي تتحكم فيه وتصنعه لنفسها بإرادتها ومن خلال ابتكارها وإبداعها.
أخشى ألا يكون هناك مكان للذين لن يكون بمقدورهم التحكم في الزمن. وأخشى أن ينعدم الإبتكار والإبداع لدى الذين يتحكم فيهم الزمن الماضي. وخشيتي كبيرة على الذين لا فكرة لهم عن الزمن المستقبل، وبدلا من تكوينه وابتكاره وصنعه، لا يعرفون ماذا يخبئه لهم، ويرون دائما أن الماضي كان أفضل من الحاضر، وأن المستقبل سيكون أسوأ منه.
ماذا بقي من الزمن؟ بقي فقط الزمن الحاضر الذي نعيشه. وطريقة عيشنا فيه تعتمد على مدى تحكمنا في الزمنين الماضي والمستقبل.

إنشرها