حذف 4 أصفار من العملة الإيرانية.. إصلاح نقدي أم خطوة رمزية؟

حذف 4 أصفار من العملة الإيرانية.. إصلاح نقدي أم خطوة رمزية؟
"EPA"

يظهر إقرار مجلس الشورى الإيراني مشروع قانون يزيل 4 أصفار من العملة الوطنية، مع الإبقاء على اسم "الريال" كاسم رسمي، حجم التحديات الاقتصادية التي تواجهها طهران.

تأتي الخطوة في ظل دورة تضخمية مطولة يعانيها الاقتصاد الإيراني منذ سنوات، حيث تحوم أسعار الصرف غير الرسمية حول 940 ألف ريال للدولار الأمريكي الواحد، ما يكشف حجم الضغوط التي يتعرض لها الاقتصاد الوطني في ظل العقوبات الدولية.

"الاقتصادية" استطلعت آراء عدد من الخبراء والمصرفيين الدوليين حول دوافع القرار الإيراني، ومدى قدرته على إحداث تغيير حقيقي في النظام النقدي والمالي الإيراني، وما إذا كانت هذه الخطوة فريدة من نوعها، أم أن هناك تجارب دولية مماثلة.

خطوة متأخرة وبادرة "رمزية" لها أبعاد أخرى

يرى الدكتور بلنت كريد مايلز، أستاذ الاقتصاد الكلي، أن الخطوة الإيرانية جاءت متأخرة، وكان من المفترض اتخاذها منذ سنوات لتخفيف حدة التضخم الذي بلغ متوسطه نحو 40% خلال السنوات الخمس الماضية، بينما تشير التقديرات غير الرسمية إلى معدلات أعلى بكثير.

تصل معدلات تضخم أسعار بعض السلع إلى ما يراوح بين 150-200%، بحسب مايلز. وبعد أن كان التضخم يؤثر بشكل رئيسي في الأسر ذات الدخل المنخفض، أصبح اليوم يهدد الاستقرار الاقتصادي للطبقة المتوسطة.

وبينما يعتبر مايلز إزالة الأصفار من العملة الوطنية "بادرة رمزية تهدف إلى التعامل مع ارتفاع معدلات التضخم وتدهور قيمة العملة الإيرانية، التي فقدت أكثر من 50% من قيمتها منذ سبتمبر الماضي"، يشير أستاذ الاقتصاد الكلي إلى "أبعاد أخرى مهمة" للقرار.

وقال لـ"الاقتصادية": إن القرار "يسهم في تبسيط المعاملات اليومية، التي أصبحت مرهقة نتيجة الحاجة لحمل كميات كبيرة من الأوراق النقدية لإتمام عمليات البيع والشراء. كما أن العمليات الحسابية باتت أكثر تعقيدا في ظل هذه الأرقام الكبيرة".

"قد يكون للقرار تأثير نفسي إيجابي في الأفراد والشركات ويعيد شيئا من الثقة المفقودة بشأن أداء الاقتصاد الوطني"، بحسب مايلز.

إيران "تعترف رسميا" بحجم المشكلة الاقتصادية وتعقيداتها

ترى الباحثة الاقتصادية باتي كلير أن أهمية الخطوة تنبع من كونها "تمثل اعترافا رسميا بحجم وتعقيد المشكلة الاقتصادية التي تواجهها إيران، سواء بسبب العقوبات أو نتيجة الخلل في إدارة الإنفاق الحكومي".

في حين تعتبر كلير أن هذه الرمزية "قد تكون أمرا مهما أحيانا"، فإنها تشكك في قدرة الخطوة على إحداث تحول حقيقي في الاقتصاد الوطني.

وقالت لـ "الاقتصادية": إن القرار "لا يعالج الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار الاقتصادي، خصوصا تآكل الأمان المالي لأسر الطبقة المتوسطة، وسقوط نحو 30% من السكان تحت خط الفقر".

لكنها في الوقت ذاته ترى أنه إذا جاء القرار ضمن حزمة إصلاحات هيكلية شاملة "مثل خفض السيولة، وإصلاح النظام المصرفي، والتعامل بجدية مع عجز الموازنة، فقد يكون بمنزلة مدخل إيجابي لتخفيف الأعباء الاقتصادية خاصة عن كاهل الطبقة المتوسطة".

خطوات ضرورية يجب أن تصاحب القرار

أوزبورن لو وود، الاستشاري المالي في مجموعة "نيت ويست" المصرفية، يرى بدوره أن القرار "مفيد من ناحية تسهيل عمليات التبادل اليومي، وله تأثير نفسي إيجابي في المجتمع، لكنه لا يعد إصلاحا نقديا هيكليا ما لم يتم في إطار إستراتيجية أوسع".

وقال لـ "الاقتصادية": "ضبط المالية العامة، وتعزيز مصداقية البنك المركزي، وترسيخ الثقة الاقتصادية، خطوات ضرورية يجب أن ترافق عملية حذف الأصفار من العملة الوطنية. فالتجارب الدولية تؤكد أن هذه الخطوة لا تنجح إلا في بيئة اقتصادية كلية قوية ومستقرة".

حول التجارب الدولية الممثلة، يرى هيرلي ويستر، الخبير المصرفي والاستشاري السابق في بنك إنجلترا، أن تقييم الخطوة الإيرانية لا يمكن أن يتم بمعزل عن مقارنته بالتجارب المشابه، إذ إن إيران ليست الدولة الأولى التي تلجأ إلى حذف الأصفار من عملتها كوسيلة للإصلاح.

دول سبقت إيران في حذف الأصفار من العملة

خلال العقود الماضية، أعادت دول عدة تقييم عملاتها الوطنية بدرجات متفاوتة من النجاح، بحسب ويستر.

بولندا على سبيل المثال، كانت قد أزالت 4 أصفار من عملتها "الزلوتي" عام 1995 قبل تبني اليورو. وأسهمت هذه الخطوة في خفض التضخم واستقرار سعر الصرف ضمن إطار إصلاحات شاملة بدعم من صندوق النقد الدولي.

تركيا أيضا، أزالت 6 أصفار من عملتها عام 2005. لكنها اتخذت الخطوة بعد تراجع التضخم وتنفيذ إصلاحات اقتصادية ممنهجة، وفقا لويستر.

وقال لـ"الاقتصادية": هنا يكمن الفارق مع التجربة الإيرانية، إذ سبقت الإصلاحات قرار الحذف، وليس العكس."

"كانت التجربة الأكثر تطرفا والأكثر فشلا في زيمبابوي، التي أعادت تقييم عملتها 3 مرات، ما أدى إلى حذف 25 صفرا خلال بضع سنوات. ومع ذلك، استمر التضخم دون توقف، ودفع الفشل إلى التخلي عن العملة الوطنية والتحول إلى اعتماد الدولار الأمريكي بحلول عام 2009".

ستتوقف نتائج التجربة الإيرانية إذن على البيئة الاقتصادية الكلية والسياسات الاقتصادية المرافقة للقرار. فحذف أصفار دون تحقيق استقرار اقتصادي قد يؤدي إلى نتائج عكسية.

الأكثر قراءة