الصينيون يسيطرون على سوق الأثاث في السعودية..الواردات تصل إلى 33.8 مليار ريال
الصينيون يسيطرون على سوق الأثاث في السعودية..الواردات تصل إلى 33.8 مليار ريال
اتخذ المطورون العقاريون وملاك المنازل الأفراد السعوديون خيارا إستراتيجيا باستيراد الأثاث المنزلي من الصين بعد وصول تكلفة التأثيث إلى ما يقارب 60% من إجمالي تكلفة البناء، ما وضع المصانع المحلية أمام تحديات تنافسية غير مسبوقة.
لم يعد اقتناء الأثاث في السعودية مجرد عنصر جمالي، لكنه هاجس اقتصادي واستثماري يفرض نفسه على الأفراد والمطورين العقاريين على حد سواء، ومع الطفرة العقارية وتسارع وتيرة المشاريع السكنية والتجارية، برزت الصين كشريك رئيسي في سوق التجهيزات الداخلية، لتصبح الوجهة الأولى للسعوديين الباحثين عن الجودة والتوفير في آن واحد.
تشير بيانات هيئة الجمارك الصينية التي حصلت عليها "الاقتصادية" إلى أن قيمة واردات المملكة من الأثاث والتشطيبات الصينية بلغت 33.8 مليار ريال في 2024، تشمل الأثاث المنزلي والمكتبي، الإضاءة الذكية، الأبواب والنوافذ، السيراميك، الرخام، الديكورات الجدارية، والمفروشات.
أسعار تنافسية
يقول عبد الملك الحداد رئيس شركة ألفا لخدمات الشحن والتصدير والمستثمر في الصين، "إن المملكة تشهد اعتمادا متزايدا على الأثاث الصيني في ظل الطفرة العمرانية الحالية"، موضحا أن الأسعار هناك تقل بين 30 و 50% مقارنة بالأسواق الأوروبية والأمريكية، إلى جانب سرعة التصنيع وتوافر خدمات الشحن.
وأضاف أن "تكلفة تأثيث منزل بمساحة 400 متر مربع يمكن تقسيمها إلى 3 فئات، اقتصادي يبدأ من 60 إلى 90 ألف ريال، متوسط يراوح بين 100 و 150 ألف ريال، وفاخر يصل إلى 180 - 250 ألف ريال، وتشمل التكلفة تجهيز المنزل بالكامل من غرف النوم والمعيشة والمطابخ إلى الإضاءة والستائر والديكورات".
ولفت إلى دخول تقنيات جديدة إلى السوق السعودية مثل أنظمة التحكم عن بعد للأبواب والإضاءة والتكييف، إضافة إلى مواد مبتكرة مقاومة للحرارة والرطوبة تناسب الأجواء المحلية، وأرضيات PVC وSPC معزولة حراريا وصوتيا، لكنه أشار إلى أن هذه التقنيات تثير تحديات تتعلق بالخصوصية والأمن السيبراني، وهو ما يتطلب تطوير تطبيقات سعودية تعزز الحماية الرقمية.
الشباب الأكثر إقبالا
من جانبه، أوضح سعد الأسمري الرئيس التنفيذي لشركة جهبذ للاستيراد، أن الفئة الأكثر إقبالا على الأثاث الصيني هي شريحة الشباب بين 25 و45 عاما، الذين يبحثون عن التوازن بين الجودة والسعر، وأشار إلى أن تكلفة تأثيث منزل بمساحة 400 متر مربع تراوح بين 100 و300 ألف ريال حسب المواصفات، ويتم شحنها عادة عبر حاويات بحرية تصل في فترة تراوح بين 30 و90 يوما.
ويعزو الأسمري تزايد الطلب إلى عدة عوامل، أهمها فارق الأسعار الكبير، وتنوع الموديلات، وإمكانية التفصيل وفق رغبة العميل، إضافة إلى تطور جودة التصنيع، ووجود شركات سعودية تتابع دورة الاستيراد من المصنع حتى باب المنزل.
كما لفت إلى دخول الأثاث الذكي إلى السوق مثل الطاولات المتحركة والكنب المزود بسماعات وشواحن، واستخدام تقنيات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي في تصميم المساحات قبل التنفيذ، فضلا عن توجه المصانع لاستخدام خامات صديقة للبيئة استجابة للطلب المتزايد.
الجودة رهان المصانع المحلية
على الجانب الآخر، يرى عبده صاوي، مدير المبيعات في شركة لمسة إبداع لتصنيع الأثاث في السعودية، أن دخول الصين إلى السوق لم يؤثر في المبيعات المحلية، مؤكدا أن السوق السعودية واسعة وقادرة على استيعاب المنافسة.
وقال "إن الأثاث المستورد يركز غالبا على الشكل الخارجي وكثرة الإكسسوارات، لكنه لا يضاهي جودة الأثاث المصنع محليا، حيث تقدم الشركات السعودية ضمانات تصل إلى 7 سنوات، وهو ما يعزز ثقة المستهلك ويمنحه قيمة مضافة تتجاوز الشكل إلى الجودة والاستدامة".
توفير بنصف السعر
ويروي مشعل الأحمري تجربته في الاستيراد من الصين خلال تشطيب منزله، قائلا "إنه وفر مبالغ كبيرة في الأرضيات والمطابخ والأبواب"، وأوضح أن سعر البورسلان في السعودية يراوح بين 30 و210 ريالات، بينما وجده في الصين بنفس الجودة بسعر 24 ريالا للمتر، ليصل مع الشحن إلى 45 ريالا فقط، أي بفارق يقارب 30 ريالا في المتر عن السوق المحلية.
وأضاف أن "المطبخ الذي عرضه مصنع محلي بـ50 ألف ريال، وجده في الصين بسعر يراوح بين 25 و30 ألف ريال مع جميع الإكسسوارات"، مشيرا إلى أن مدينة فوشان تضم 6 مجمعات كبرى للأثاث تقدم خيارات تناسب مختلف الشرائح، كما أكد أن أسعار الزجاج والألمنيوم كانت أوضح الأمثلة على الفارق، إذ حصل عليه بجودة مماثلة بسعر 500 ريال للمتر مقارنة بـ1500 ريال في السوق المحلية.
بين الفرص والتحديات
تكشف هذه المعطيات عن مفارقة لافتة، من جهة تقدم الصين للسوق السعودية حلولا اقتصادية وتقنية تلبي تطلعاتهم بتكلفة أقل بكثير، ومن جهة أخرى يحاول المصنع المحلي تعزيز مكانته عبر الجودة وضمانات طويلة الأجل، وبين هذين المسارين، يبرز سؤال عن كيفية استعادة سوق الأثاث في السعودية ترتيب أوراقها بين ضغط الأسعار ومنافسة الجودة؟