انسوا التريليون .. هل أنتم مستعدون لـ"الكوادريليون" في الاقتصاد العالمي؟

انسوا التريليون .. هل أنتم مستعدون لـ"الكوادريليون" في الاقتصاد العالمي؟

انسوا التريليون .. هل أنتم مستعدون لـ"الكوادريليون" في الاقتصاد العالمي؟
"رويترز"

في القرن الخامس عشر، ابتكر علماء رياضيات فرنسيون مصطلحي المليار والتريليون. فالمليار يعني واحدا يتبعه 9 أصفار، بينما التريليون يعني واحدا يليه 12 صفرا. وعلى مدى قرون لم يكن هذان المصطلحان مستخدمين إلا نادرا حتى بين العلماء.

لفهم ضخامة هذه الأرقام، يكفي أن نعلم أن مليار ثانية تعادل نحو 31 عاما و8 أشهر، بينما مليار دولار إذا رصت أوراقه يمكن أن يطوق الكرة الأرضية أربع مرات تقريبا.

حتى أواخر الستينيات، لم يكن للمصطلحين حضور في الأخبار. ففي عام 1969 بلغت تكلفة أحدث حاملة طائرات أمريكية 451 مليون دولار فقط. الاستثناء كان شركتين، جنرال موتورز التي حققت أرباحا بـ1.7 مليار دولار، وإكسون موبيل بـ1.3 مليار.

في السبعينيات والثمانينيات، بدأ المصطلحان يظهران بخجل في الإعلام، خصوصا الأمريكي. عام 1970، توقعت صحيفة " نيويورك تايمز" أن يتجاوز الاقتصاد الأمريكي التريليون دولار، ومع ذلك ظل الرقم نادر الاستخدام، حتى في أخبار المال والأعمال.

لكن مصطلح "مليار" بدأ يجد طريقه إلى الصحافة، عندما نشرت مجلة فوربس عام 1982 أول قائمة لأغنى 400 شخص تضمنت 13 مليارديرا فقط.

عندما فقد المليار بريقه لمصلحة التريليون

"في عام 1993، كان للمليار وزن حقيقي"، وفقا لما قاله لـ "الاقتصادية" البروفيسور أن. دي. أوزبورن، أستاذ الاقتصاد العالمي. آنذاك، اقترح الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون حزمة تحفيز بـ16 مليار دولار.

لكن خلال جائحة كوفيد 2020 قدمت الحكومة الأمريكية في البداية 8.3 مليار، تبعتها بـ 104 مليارات، ثم قفزت إلى 2.2 تريليون دولار.

وفي عام 2021، ضخت إدارة بايدن 1.9 تريليون دولار لمواجهة كوفيد، ثم تريليوني دولار للبنية التحتية. "واليوم لدينا شركات قيمتها عدة تريليونات، مثل آبل وتيسلا وأرامكو. لقد تراجع بريق المليار لمصلحة التريليون"، بحسب أوزبورن.

الدكتور جيمس كلارك، أستاذ الرياضيات، يوضح أن التريليون صار يستخدم على نطاق واسع، ولم يعد الرقم صادما كما كان في السبعينيات.

وقال لـ "الاقتصادية": "كنا صغارا نصِف الأرقام الضخمة بكلمة زليون، رغم أنها لا وجود لها في الرياضيات. كان هذا فقط للتعبير عن رقم لا يمكن تخيله."

فجوة تمثل معضلة حقيقية

"بينما خفف تداول الأرقام في الإعلام رهبتها، فإنه لم يعزز فهمها. ما زال معظم الناس يجدون صعوبة في استيعاب معنى التريليون أو ما يمكن أن يشتري،" بحسب كلارك.

لتقريب الصورة، تقترح الدكتورة آن ديفيز تقسيم الرقم دائما على عدد السكان. "وإذا كان عدد سكان منطقة اليورو نحو 330 مليون نسمة، فإن تريليون يورو تعني نحو 3000 يورو لكل فرد. التريليون يعادل الناتج المحلي لعشرات الدول الصغيرة، ويمكن أن يغطي تكلفة التحول إلى الطاقة المتجددة في قارة مثل إفريقيا."

وقالت لـ "الاقتصادية" "هنا تكمن خطورة التريليون، بعض الصناديق السيادية تمتلك أصولا تتجاوز هذا الرقم وتخدم شعوبا كاملة، بينما ثروة مجموعة من الأثرياء قد تعادل أو تفوق أصول هذه الصناديق أو الناتج المحلي لدول عدة".

الكوادريليون قد يكون المصطلح القادم بقوة

يرى الدكتور كاونسل هيرلي، أستاذ الاقتصاد الاجتماعي، كذلك أن هذه الفجوة معضلة حقيقية. "فالإنسان العادي يصعب عليه تخيل التريليون، وهذه المسافة النفسية بين الفرد والرقم تجعل التفاوت الاجتماعي أكثر قسوة. وبينما يكافح المواطن لتأمين راتب يغطي احتياجاته، هناك أثرياء ستتجاوز ثرواتهم التريليون بحلول 2035."

الأرقام الحالية تؤكد ذلك. فالاقتصاد الأمريكي يتجاوز 28 تريليون دولار، بينما يبلغ حجم اقتصاد الصين نحو 20 تريليونا، والدين العالمي 300 تريليون، وشركات إدارة الأصول مثل "بلاك روك" تتحكم في استثمارات تقارب 10 تريليونات. ببساطة، الاقتصاد العالمي أصبح يقاس بلغة التريليونات. لكن ماذا بعد ذلك؟

الدكتورة إستر كريد، أستاذة الاقتصاد الرقمي، ترى أنه مع تسارع التحول الرقمي وصعود الذكاء الاصطناعي والأصول المشفرة "قد يكون مصطلح كوادريليون (الألف تريليون) هو القادم. وكما أصبح التريليون المليار الجديد، سيصبح الكوادريليون التريليون الجديد." مع ذلك، فإنها تحذر مما تصفه بخداع الأرقام.

وقالت لـ "الاقتصادية": "التضخم في الأرقام لا يعني تضخما في القيمة الحقيقية. التحدي هو تحويل التريليونات إلى استثمارات عادلة ومستدامة تقلص الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة وبين الأفراد، وإلا فإن مزيدا من الأصفار سيعني مزيدا من الاختلالات في الاقتصاد العالمي."

الأكثر قراءة