قوة الفرنك تتحول من نعمة إلى نقمة على اقتصاد سويسرا
قوة الفرنك تتحول من نعمة إلى نقمة على اقتصاد سويسرا
بينما يتمتع الفرنك السويسري حاليا بوضع قوي للغاية، يؤهله لأن يكون واحدا من أفضل عملات العالم حفاظا على القيمة، فإن معدلات الفائدة الصفرية في البلاد تجعل فرصة تحقيق عوائد من ادخار الفرنك محدودة، إن لم تكن منعدمة.
تشير تقديرات إلى ارتفاع قيمة الفرنك مقابل الدولار الأمريكي بنحو 11% منذ بداية العام الجاري.
رغم أن قوة عملة ما واستقرارها يعززان الإقبال عليها كأحد أصول الملاذ الآمن في أوقات الضبابية، فإن الجانب السلبي على العملة السويسرية لم يقتصر على محدودية فرص تحقيق العوائد، بحسب خبراء تحدثوا لـ"الاقتصادية".
ارتفاع الفرنك كان من بين تداعياته أن أثار قلق البنك المركزي السويسري من تأثر الاقتصاد، الذي يعتمد بدرجة كبيرة على الصادرات.
لقوة الفرنك السويسري أسرار
تستمد العملة السويسرية قوتها من انخفاض معدل التضخم الذي يقترب من الصفر تقريبا. ويستخدم عديد المستثمرين الفرنك في الوقت الراهن كأداة تحوط، حال لم تدم الظروف الاقتصادية المواتية، بحسب ما قاله لـ"الاقتصادية" الخبير المصرفي توماس جرانت.
غير أن قوة الفرنك الحالية لا تعود فقط إلى تدني معدلات التضخم، بل أيضا إلى الفوائض الخارجية الضخمة التي يحققها الاقتصاد السويسري.
بلغ فائض الحساب الجاري لسويسرا 19 مليار فرنك (نحو 24 مليار دولار) في الربع الأول من هذا العام، مدعوما بقطاع الأدوية، الذي عزز صادراته إلى الولايات المتحدة قبل بدء تطبيق رسوم جمركية أمريكية نسبتها 39% على السلع السويسرية.
وقد حالت قوة الفرنك دون ارتفاع معدلات التضخم رغم زيادة حجم الواردات.
في الوقت ذاته، تجاوزت قيمة الأصول الأجنبية الصافية في سويسرا حاجز التريليون فرنك، ما يعزز مكانة العملة الوطنية كملاذ آمن.
الفرنك القوي يفرض ضغوطا انكماشية
بينما كانت معدلات التضخم المتدنية أبرز العوامل التي أدت إلى زيادة قوة الفرنك وارتفاع قيمته، فإن تنامي قيمة العملة الوطنية أدى إلى تراجع القدرة التنافسية للسلع السويسرية في الخارج، الأمر الذي يفرض ضغوطا انكماشية على الاقتصاد.
في هذا المشهد، يضطر البنك المركزي إلى خفض أسعار الفائدة، للخروج من بوتقة الضغوط الانكماشية.
وتزايدت الضغوط على المركزي للإسراع بخفض الفائدة، بعد أن سجل الاقتصاد نموا لم يتجاوز 0.1% في الربع الثاني من العام الجاري، في تباطؤ حاد مقارنة بالربع الأول.
في حين خفّض المصرف الوطني السويسري (البنك المركزي) في يونيو الماضي أسعار الفائدة إلى الصفر، تشير أغلب التقديرات إلى أنه سيقدم قبل نهاية العام الجاري على خفض الفائدة إلى ما دون ذلك، وهو ما يثير قلق المودعين والبنوك على حد سواء.
يثير هذا الوضع مخاوف من انزلاق سويسرا إلى ركود قصير الأمد نتيجة الرسوم الجمركية المرتفعة وقوة الفرنك، التي تحولت من ميزة إلى عبء على الاقتصاد الوطني.
الدكتورة أوفيليا جراي، أستاذة الاقتصاد الأوروبي، ترى أن الوضع الراهن يثير قلق المصرف الوطني والنظام المصرفي برمته. "فانخفاض معدلات الفائدة إلى الصفر أو أدنى يعني أن أرباح البنوك ستتقلص بشكل حاد"، وفقا لما قالته لـ"الاقتصادية".
أين المفر من أمريكا؟
هذا الوضع ربما يدفع محافظ المصرف الوطني السويسري إلى السعي لخفض سعر الفرنك عبر بيع العملة المحلية وشراء العملات الأجنبية، وفقا ل"جراي".
لكن هذا الخيار يواجه تحديات بسبب مواقف الإدارة الأمريكية تجاه سويسرا. فإلى جانب الرسوم الجمركية المرتفعة وتأثيرها السلبي على الاقتصاد، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية سويسرا على قائمة مراقبة الشركاء التجاريين".
يعني إدراج سويسرا على هذه القائمة أن ممارساتها التجارية، كغيرها من المدرجين على القائمة، تستحق الانتقاد، وأن سياساتها الاقتصادية الكلية تتطلب متابعة دقيقة.
وتستحوذ الولايات المتحدة على نحو 19% من إجمالي الصادرات السويسرية.
لذلك، يبدو مرجحا أن أي تدخل من جانب محافظ المركزي السويسري في سوق الصرف لخفض قيمة الفرنك سيُقابل برد فعل غاضب من الإدارة الأمريكية.
يمكن بسهولة اتهام سويسرا بالتلاعب، إذا لجأ المركزي بشكل متكرر إلى شراء كميات كبيرة من العملات الأجنبية، خصوصا الدولار، لأن ذلك يعني زيادة الطلب على العملة الأمريكية وارتفاع قيمتها، وهو ما لا ترغب فيه إدارة ترمب حاليا على الأقل من أجل تعزيز صادراتها.