خدعوكِ فقالوا...

هل ربات البيوت جزء معطل من المجتمع؟ سؤال غريب .. ولكنه يستحق أن يُطرح في ظل التغيرات التي طرأت على مجتمعنا، فقد خرجت المرأة للعمل وباتت تسهم في قطاعات كثيرة حتى وصلت لمناصب عليا. وطبعا يبدو هذا شيء إيجابي، وقد يكون كذلك في بعض جوانبه، إلا أن ذلك لا يعفينا من التساؤل عن جوانبه الأخرى السلبية، ليس لنقول بوجوب عودة النساء لبيوتهن جملة فهذا من قبيل الوصول للنتيجة قبل البحث، ولكن لنفهم أكثر الآثار الحقيقية للتغير وليست المتوهمة أو تلك التي نتمناها.
فما علاقة ربات البيوت بالموضوع؟ يبدو أن آثار التبني (العمياني) لخروج المرأة للعمل والنظرة غير المتوازنة لهذا التطور أحدثت تبدلا في المفاهيم بخصوص دور المرأة وأولوياتها، فأصبح عمل المرأة خارج البيت أكثر من مجرد ضرورة مادية في بعض الحالات (وهذا مفهوم)، بل تعدى ذلك ليصبح ضرورة نفسية، تشعر المرأة بالنقص إن لم تقبل عليه وإن كانت غير محتاجة .وهذا الجانب يمس ربات البيوت سواء من لا يعملن لضعف مؤهلاتهن أو اللاتي اخترن طائعات التفرغ لبيوتهن بعد أن جربن العمل. بعضهن يشعرن بالدونية مقارنة بأخواتهن وصديقاتهن العاملات، وأخريات يشعرن بالضيق من نظرة بعض العاملات لهن نظرة مشوبة بالشفقة وشيء من الاستعلاء والاستصغار. وكأن هذه النظرة تقول لربة البيت: أنت إما قليلة التعليم أو (كسولة!) أو أنانية عاطلة لا تساهمين في بناء المجتمع. وكثيرا ما نسمع هذه الشكوى من ربات البيوت بمختلف أعمارهن حتى قالت إحداهن إن معظم النساء العاملات يتفادين مناقشتها في الأمور العامة أو الثقافية ظنا منهن أنها جاهلة أو (بسيطة)، وأخريات يواجهن ذلك في مدارس أطفالهن حيث تتعامل معهن المدرسة بطريقة مختلفة عن تلك العاملات.
ولسنا بصدد الهجوم على النساء العاملات عامة فليس هذا من الإنصاف، فهناك نماذج مشرفة أدت واجبها في بيتها وأضافت الكثير للمجتمع، ولكنهن لسن أغلبية ولا بد من ترتيب الأولويات، فما معنى أن أسهم في بناء المجتمع كمعلمة مثلا وأنا بذلك أهمل أطفالي،كالطبيب الذي يترك ابنه المريض المحتاج لعلاجه ليخرج ويعالج ابن الجيران، فهل هذا من العقل؟ أم أنه نوع من (الإيثار!!)؟
ثم من الذي قال إن ربة البيت لا تسهم في المجتمع؟ ألا تقوم بأصعب وأهم وظيفة على الإطلاق؟ ودون أن يأتيها راتب شهري ودون أن يُطبّل ويُزَمّر لها أحد أو ينشر صورها في الجرائد .. وماذا سيصيب المجتمع لو قررت كل النساء أن أولويتهن العمل وليس الأسرة؟ الحمد لله لدينا أمثلة حية لأناس سبقونا في التجارب (ونحن من ورائهم في الجحر)، ففي كتاب (الهدوء المنزلي) للمؤلفة كارولين جراجليا تقول بعض النساء ذوات المناصب: "إننا جميعا نشارك في كذبة وخديعة كبرى: كذبة أن المرأة تجد السعادة والإشباع في حياتها المهنية. بعضنا يعتبر أكثر نشاط مُجزٍ نقوم به في حياتنا هو تربية الأطفال، ويسعدنا أن نعتمد على زوج يمكننا من البقاء في البيت، نحن نبحث عن رجل لا يريد من زوجته أن تكون نسخة منه، ورجل لا يصنع مجتمعا يترك الأطفال لتربيهم غير أمهاتهم. وعندما تظهر نسبة معقولة من هؤلاء الرجال ستندثر الحركات النسوية وستصبح الأسرة آمنة من خطر التفكك". فهل يجب أن نصل لذلك لنراجع أنفسنا؟ ولم لا نكون رائدين في إيجاد معادلة مبتكرة توفق بين ما تقدمه المرأة للمجتمع من خلال دورها  في بيتها وبين ما يمكن أن تضيفه خارج البيت؟    

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي