قفزة أسعار الزبدة 47 %.. لغز قد تفسره رواية يابانية
أسعار الزبدة في نيوزيلندا قفزت 47% خلال عام حتى يونيو
- رواية "الزبدة" للكاتبة اليابانية أساكو يوزوكي قد تفسر قفزة الأسعار
- رواج المطبخ الأوروبي والمخبوزات يعزز الطلب على الزبدة
- الصين أكبر مستورد للزبدة في العالم خارج الاتحاد الأوروبي
يكاد العالم يُجن بسبب الزبدة!
في نيوزيلندا، التي تشكل نحو نصف صادرات العالم من الزبدة، ارتفع سعر القطعة زنة 500 جرام (1.1 رطل) 46.5% إلى 8.60 دولار نيوزلندي (5.10 دولار) خلال عام حتى نهاية يونيو. وهو ما يمكن أن يوصف بأنه أزمة وطنية.
دخل رئيس الوزراء كريستوفر لوكسون في مشادة مع أحد المراسلين خلال مؤتمر صحفي الشهر الماضي عند سؤاله عن التكلفة الحالية. أما مايلز هوريل، الرئيس التنفيذي لمجموعة "فونتيرا كو أوبرتيف جروب "(Fonterra Co-operative Group)، أكبر شركة في نيوزيلندا من حيث الإيرادات ومالكة علامة "أنكور"(Anchor) لمنتجات الألبان، فتعرض لانتقادات بعد دفاعه عن الأسعار باعتبارها أنباء جيدة للبلاد.
لكن نيوزيلندا ليست المكان الوحيد الذي يشعر فيه محبو دهون الألبان بوطأة الأسعار. فقد أشارت صحيفة "ليز إيكو" (Les Echos) الفرنسية الشهر الماضي إلى احتمال أن يؤدي نقص الإمدادات إلى شُح في الزبد بحلول عيد الميلاد، ووصلت الأسعار في المملكة المتحدة لأعلى مستوياتها في 12 عاماً على الأقل، إذ بلغ سعر القطعة وزن 500 جرام 4.86 جنيه إسترليني (6.45 دولار). ولجأت المطاعم في لندن إلى استخدام زيت الزيتون كبديل، في ظل تراجع أسعاره عن المستويات القياسية التي سجلها العام الماضي. وسجل مؤشر منظمة الأغذية والزراعة "فاو" (FAO) لسعر الزبدة في يونيو أعلى مستوى له منذ إطلاقه في 1990.
رواية يابانية تميط اللثام
ماذا يحدث؟ ربما نجد بعض الإجابات في رواية يابانية نُشرت لأول مرة منذ 8 سنوات.
لاقت رواية "الزبدة"(Butter)، للكاتبة أساكو يوزوكي، رواجاً كبيراً بين شريحة من الجمهور في الأسواق الناطقة باللغة الإنجليزية بعد نشر النسخة المترجمة في 2024. تتسم الرواية بمزيج ساحر يجمع بين الطهي وجرائم القتل مع تأمل نسوي في الاغتراب المجتمعي وصورة الجسد في اليابان المعاصرة- ما يشبه مزيجاً لأفلام "صمت الحملان" (Silence of the Lambs) مع "جولي وجوليا" و"تجربة الأداء" (Audition) معاً.
تُستخدم الزبدة في الرواية بصورة مجازية للتعبير عن كل الملذات الحسية التي يحرم أبطال الرواية أنفسهم منها لهوسهم بالحمية وتحقيق الأهداف؛ الطعام، والجنس، وحياة تخلو من شعور دائم بالذنب.
تدور أحداث الرواية عن ماناكو كاجيي، القاتلة المتسلسلة البدينة الخارجة عن الأعراف التي تتمتع بشخصية جذابة، واستدراجها بطلة الرواية ريكا إلى عالمها من خلال حملها على عدم تناول السمن النباتي ثانيةً، وتناول طبق من الأرز مع صلصة فول الصويا والزبدة بدلاً من ذلك.
تصور الرواية هذا الطبق على أنه الوجبة المثالية المريحة، وتقول ريكا متأملة في فترة ما، بعدما طهت وجبة على الطراز الفرنسي في مدرسة راقية للطهي: "عندما يكون العالم مجحفاً وقاسياً، يرغب الناس في القيام بأشياء تمنحهم الشعور بالرضا، تدعمهم وتحميهم".
رواج المطعم الأوروبي
تبدو هذه رسالة ملائمة تماماً للعالم في 2025. إذا كنت تميل إلى تبني وجهة نظر "إعادة العظمة إلى أمريكا" (MAGA) في رؤيتك للحياة، قد يبدو تناول اللحم الأحمر الغارق في زبدة "كافيه دو باري "(Café de Paris) أشبه باحتجاج على النباتيين المتزمتين مرهفي الحس الذين يروجون للبن الشوفان، ويشعرونك بالذنب بسبب 2.1 مليار طن من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري الناجمة عن صناعة منتجات الألبان.
أما إذا كنت تقف في أقصى الطرف المقابل من الطيف الحزبي، فترويحك عن نفسك بمشاهدة برنامج "ذا جريت بريتيش بيك أوف "(The Great British Bake-Off) لمسابقات المخبوزات، أو إعداد بعض الكعك قد يُعد نوعاً آخر من العمل السياسي.
لكن هناك عاملاً جوهرياً آخر في رواية يوزوكي. شخصيات الرواية تقريباً لا يتناولون الطعام الياباني التقليدي على الإطلاق، ما يتماشى مع سبب آخر يؤدي لارتفاع أسعار الزبدة عالمياً؛ رواج الطهي على الطريقة الأوروبية، ولا سيما المخبوزات التي تستهلك كميات كبيرة من الزبدة، بين أفراد الطبقة الوسطى المتنامية في آسيا والشرق الأوسط.
طفرة المخبوزات ترفع استهلاك الزبدة
إذا استبعدنا قيمة التجارة بين دول الاتحاد الأوروبي، نجد أن الصين حالياً هي أكبر مستورد للزبدة في العالم. تستورد السعودية كميات أكبر مقارنةً بالمملكة المتحدة، بينما لا تتخلف عنها إندونيسيا، والإمارات، وكوريا الجنوبية، والمكسيك بفارق كبير. وسترتفع واردات الصين هذا العام 11% مقارنةً بعام 2024، بحسب وزارة الزراعة الأمريكية، بفضل الاستهلاك المتزايد للمخبوزات.
لن تكون هذه مفاجأة لمن قضى وقتاً طويلاً على منصات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة. فقد أصبحت سلاسل مطاعم الكعك الآسيوية، مثل "هوليلاند" (Holiland) الصينية و"بترفول آند كريموراس" (Butterful & Creamours) الكورية الجنوبية، تمثل ركناً أساسياً في منصات "إنستجرام" و"تيك توك"و"بينترست" (Pinterest) و"شاو هونج شو" (Xiaohongshu).
وقد فاز فريقان يابانيان بالنسختين الأحدث من "كأس العالم للحلوى"، المنافسة التي تُقام كل عامين في ليون، فيما حلت ماليزيا في المركز الثالث هذا العام.
جانب يبعث على الكآبة
يصعُب إنكار متعة تناول منتجات الألبان عالية الجودة. فقد أحرزنا تقدماً كبيراً من فترة التقشف في التسعينيات، عندما بدأ أنتوني بوردين مسيرته المهنية كمعارض جريء للاتجاه السائد بمقال في مجلة "نيويوركر"، جادل فيه بشكل صادم بأن هذا "الطعام الذي كثيراً ما يتعرض لافتراءات" شهي المذاق.
مع ذلك، فإن علاقة الحب التي تجمعنا حالياً بهذا الطعام تنطوي على قدر من الكآبة.
تذهب ريكا، بطلة الرواية، إلى "تشاتو ريتسوران جويل روبوشون "(Château Restaurant Joël Robuchon)، وهو مطعم في طوكيو تابع للطاهي الفرنسي الراحل الذي أضفى لمسة فاخرة على البطاطس المهروسة بإضافة كميات لا معقولة من الزبد.
تذهب لتتناول الطعام وحدها، إذ لا ترغب بصحبة أي شخص في حياتها المنعزلة التي ينعدم فيها الترابط الاجتماعي، سواء كان حبيبها، أو صديقتها المقربة، أو والدتها. أما بقية الموجودين في المطعم، فهم من الموظفين كبار السن في مواعيد غرامية أشبه بصفقات مع نساء أصغر سناً. وغادرت ريكا المطعم مصابة بنوبة عسر هضم.
لمحة من عالم فاخر بعيد المنال
يبدو هذا تشبيهاً مناسباً للوضع الراهن، فنحن نعيش على كوكب مليء بالحروب والمجاعات، تتباطأ فيه التجارة والنمو الاقتصادي، ويستمر العمل بلا هوادة، وتنهار العلاقات الاجتماعية، وترتفع درجات الحرارة. حتى بالأسعار الحالية، الحصول على قطعة من الزبدة -مثل الذهاب إلى "جويل روبوشون"- يُعتبر لمحة من عالم فاخر يصبح بعيد المنال أكثر فأكثر. وفي هذه الأيام، سنقبل بأي قدر من العزاء يمكننا الحصول عليه.
كاتب عمود رأي في بلومبرغ، يُغطي السلع الأساسية، إضافة إلى الشركات الصناعية والاستهلاكية. عمل مراسلًا لدى بلومبرغ نيوز، وداو جونز، وول ستريت جورنال، وفاينانشيال تايمز، والجارديان.
خاص بـ"بلومبرغ"