التسويق العالمي لسوق الأسهم ضرورة

قبل 20 عامًا، اجتمعنا كأعضاء في منظومة الرؤساء الشباب مع معالي المرحوم جماز السحيمي، وأعضاء مجلس إدارة هيئة سوق المال، حيث عرضوا لنا الجهود الكبيرة التي بذلوها لبناء أنظمة الهيئة. استلهمت تلك الجهود أفضل الممارسات العالمية من أسواق رائدة مثل الولايات المتحدة، بريطانيا، سنغافورة، هونج كونج وأستراليا، ليتم اقتباس الأنظمة التي تناسب واقعنا وتساعد على بناء سوق محلية متينة. تتابع على قيادة الهيئة عدد من الرؤساء المميزين عبدالرحمن التويجري، محمد آل الشيخ، محمد الجدعان، وصولًا إلى محمد القويز –وكل منهم أسهم بدوره في التطوير والتحديث لمواكبة متغيرات العصر ومتطلباته.
تأتي رؤية السعودية 2030 لتؤكد على هذا التوجه، حيث يُعتبر برنامج تطوير القطاع المالي إحدى ركائزها الأساسية. يهدف البرنامج إلى تنويع مصادر الدخل، تعزيز ثقافة الادخار، وتوفير قنوات تمويل متنوعة تدعم المشاريع الاستثمارية والشركات الناشئة. كما يسعى إلى تحويل القطاع المالي السعودي إلى مركز قوة للنمو الاقتصادي والتنوع من خلال بناء سوق مالية حيوية وفعّالة.
إن المملكة اليوم تبني اقتصادًا قويًا يتطلع إلى المستقبل بطموح، عبر تمكين المؤسسات المالية وتطوير سوق متقدمة، مع تحفيز الادخار ودعم الشركات الناشئة، خاصة في مجال التقنية المالية. ومع ذلك، فإن السوق تشهد تذبذبات بين الارتفاع والانخفاض بقوة، ما تثير تساؤلات حول الأسباب.
في أحاديث متفرقة طرح كثير من الأسباب منها: من يعزو ذلك إلى انخفاض أسعار النفط، وآخرون يربطونه بكثرة الطروحات والاكتتابات، فيما يرى آخرون أن إصدارات الصكوك من البنوك المحلية بأسعار مرتفعة مقارنة بالعالم تشكل ضغطًا على السيولة.
في حوار مع أحد الشباب السعوديين المبدعين والمطلعين على التجارب العالمية، طرحت سؤالًا: لماذا لا نرى دخولًا قويًا للمستثمرين الأجانب عند الانخفاضات؟ وكانت إجابته واضحة: رغم قوة وجودة الإفصاحات المحلية، فإنها لا تصل إلى مستوى الشفافية والتفصيل الذي يطمح إليه المستثمر العالمي.
وهذا ما يفسر التردد في ضخ استثماراته. معالي رئيس هيئة السوق المالية أشار أخيرا إلى أن نسبة الأفراد في السوق بلغت نحو 50% من قيمة التداول، فيما يشكل البقية صناديق استثمارية. ولا شك أن هذا تطور إيجابي، لكنه غير كافٍ للوصول إلى العالمية. المطلوب اليوم أن تدرس الهيئة أفضل أنظمة الإفصاح في العالم، وتحدد المعايير والمعلومات التي يتطلبها المستثمر الدولي، ثم تطلق آلية إفصاح جديدة كخيار غير ملزم للشركات، على أن تصبح إلزامية خلال 3 سنوات، مع تطويرها بشكل سنوي لمواكبة المستجدات العالمية.
بعد إقرار هذه المعايير، ينبغي أن تنطلق جهود تسويقية عالمية منظمة من خلال عقد مؤتمرات تعريفية في العواصم المالية الكبرى مثل نيويورك، لندن، سنغافورة وطوكيو، للتعريف بسوق أسهمنا و تبرز بها التحديثات التنظيمية مع التركيز على معلومات الإفصاح و توافقها مع الأسواق العالمية وبمشاركة الشركات المدرجة في السوق وشركات الاستثمار المحلية.
و من جانب آخر استهداف العاملين في السعودية من غير السعوديين عبر توجيه شركات الاستثمار إلى إنشاء صناديق استثمارية تقدم تقاريرها بلغاتهم الأم، ما يشجعهم على الاستثمار محليًا بدلاً من تحويل أموالهم للخارج. إن التسويق العالمي لسوق الأسهم لم يعد ترفًا، بل ضرورة إستراتيجية.
فالسوق السعودية تمتلك المقومات الأساسية، من بنية تشريعية قوية، ورؤية اقتصادية طموحة، وتطور تقني متسارع. لكن هذه المقومات تحتاج إلى تسويق فعال يُظهر للعالم قوة سوق الأسهم المحلية. عندها فقط يمكن أن تتحول السوق السعودية إلى وجهة استثمارية عالمية، تسهم في تعزيز مكانة المملكة كمركز مالي إقليمي ودولي، وتحقق أهداف التنويع الاقتصادي المستدام.

رجل أعمال وكاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي