كيف يتسنى لأمريكا قيادة عصر الإبداع الرقمي؟
يهيمن نظاما التشغيل iOS من شركة Apple وAndroid من شركة Google على النظام البيئي الذي يحكم تطبيقات الأجهزة المحمولة، وعلى مدار العقد الماضي، نشأ إجماع عالمي على مسألتين. الأولى أن هاتين المنصتين استحوذتا على قوة سوقية كبيرة ومستمرة تستطيعان من خلالها انتزاع ريع احتكاري من المستهلكين والمستخدمين من الشركات، وتتصرفان بشكل متكرر على نحو مناهض للمنافسة ومسيء في إطار جهودهما الرامية إلى حماية هذه القوة السوقية. الثانية تتمثل في حقيقة مفادها أن الإنفاذ التقليدي بموجب قوانين إساءة استخدام الهيمنة والاحتكار الحالية كان بطيئا للغاية وملتبسا إلى الحد الذي جعله عاجزا عن ردع هذه الشركات العملاقة، التي تمتلك قدرا من الموارد والقوة يفوق ما يتوافر لكثير من الدول والحكومات.
في حين أسفر الإنفاذ التقليدي لقوانين المنافسة القائمة عن بعض الدعاوى القضائية المهمة في الولايات المتحدة، وأوروبا، والبرازيل، وأماكن أخرى، فقد بُذلت أيضا جهود تشريعية جديدة. ففي ولايات اختصاص عديدة في مختلف أنحاء العالم، أُقِـرَّت قوانين، ويجري النظر في قوانين أخرى، وكل منها يسعى إلى كبح جماح قوة شركات التكنولوجيا الكبرى وتجاوزاتها.
حتى في الولايات المتحدة، كان الدعم مشتركا من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لقانون أسواق التطبيقات المفتوحة في 2022. في ذلك العام، حقق مشروع القانون تقدما كبيرا في الكونجرس، بسبب أولويات القيادة لمجلس الشيوخ، لم يُـطرَح القانون قَـط على الأعضاء للتصويت، والآن أصبحت الحاجة إلى مثل هذا التشريع أشد وضوحا. فلا يزال المستهلكون ــ والشركات الأمريكية ــ يعانون السلوك الاستغلالي الذي يمارسه حراس البوابات الرقمية، الذين ينتزعون ريعا ورسوما مفرطة، ويسحقون الشركات ونماذج الأعمال المنافسة، ويمارسون نفوذا غير مستحق على التطبيقات والتكنولوجيات الجديدة.
إن ضمان المنافسة المفتوحة أمر بالغ الأهمية إذا ما كان للمطورين والمبدعين المستقلين القائمين والطامحين أن يتمكنوا من بناء أعمالهم، وصنع فرص العمل، ونفع المستهلكين. والبلدان التي تنجح في إدارة هذا الأمر على النحو الصحيح ــ التي تفعل ذلك بسرعة ــ ستصبح الوجهات الكبرى التالية للاستثمارات في الإبداع الرقمي.
ستكون الفرص المتاحة لأولئك الذين يستعيدون المنافسة الحقيقية هائلة. وهذه ليست مجرد تكهنات. قبل عقود مضت، كان وادي السيليكون هو الذي دافع عن إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار ضد شركة ميكروسوفت، التي كانت تتحكم فعليا في الوصول إلى الإنترنت في ذلك الوقت.
نحن نواجه وضعا مشابها اليوم، إلا أن Apple وGoogle هما اللتان تسيطران الآن على المنصات ــ الأجهزة المحمولة ــ التي يستخدمها المستهلكون على نحو متزايد (وفي كثير من الحالات، حصريا) للوصول إلى خدمات الإنترنت والمعلومات. إن نجاحنا في إطلاق العنان لموجة جديدة من الإبداع المستقل، والاستثمار، ونمو الأعمال التجارية تنافس ما حدث في السنوات الـ20 الأخيرة يتوقف على قدرتنا على معالجة مشكلة قوة السوق.
بينما تتحرك بقية دول العالم، من الأهمية بمكان أن تتولى الولايات المتحدة دورا قياديا، بدلا من الإذعان للآخرين وانتظار تقلبات ملتبسة للتقاضي المجزأ الذي قد يستغرق عقدا من الزمن قبل أن يحسم أمره. هذا يعني ضرورة إصدار تشريع جديد لضمان قدرة جميع الشركات على المنافسة والنجاح أو الفشل استنادا إلى جدارة عروضها، وليس لأنها تتماشى مع مصالح حراس البوابة الحاليين المالية. على الرغم من نجاح التقاضي في نهاية المطاف قبل 25 عاما (وكانت شركتا Apple وGoogle من أكبر المستفيدين)، فإنه جاء بعد فوات الأوان بالنسبة إلى كثير من الشركات التي حاولت المنافسة في تسعينيات القرن الـ20.
الواقع أن قانون أسواق التطبيقات المفتوحة من شأنه أن يضمن استفادة المستهلكين الأمريكيين من انخفاض الأسعار والإبداعات من مختلف أركان الاقتصاد الرقمي. فهو كفيل بمنع حراس بوابات الأجهزة المحمولة من الاستفادة غير العادلة من سلطتهم على الأجهزة المحمولة في اختيار الفائزين والخاسرين، والمطالبة برسوم استخراجية من كل من يمارس الأعمال التجارية على الإنترنت عبر الأجهزة المحمولة. ومن شأنه أن يضمن عمل هذه النظم الإيكولوجية للأجهزة المحمولة كمنصات لكل المبدعين ورواد الأعمال، وليس فقط أولئك الذين يتماشون مع المصالح المالية للشركات العملاقة الحالية. وسيفعل ذلك في إطار زمني يعود بالفائدة على الشركات والمستهلكين اليوم، وليس الشركات والمستهلكين المحتملين بعد 10 سنوات من الآن.
قد لا يدرك كثيرون ما يفوتهم، نظرا لمدى الهيمنة الذي أصبحت عليه الشركتان اللتان تحرسان بوابات الأجهزة المحمولة. لكن أمريكا (والعالم) تستطيع أن تختار: إما أن تطلق العنان للموجة التالية من نمو الأعمال، أو تصبح تابعا لحراس البوابات الرقمية الذين تتمثل أولويتهم القصوى في حماية ريعهم.
خاص بـ "الاقتصادية"
محام متخصص في قانون المنافسة.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.
www.project-syndicate.org