Author

الملك عبد الله .. الانتصار للأرض!

|
القرض والأرض.. هذا ما ينتهي إليه الأمر الملكي الذي صدر الأسبوع الماضي بتحويل مخططات المنح للمواطنين إلى وزارة الإسكان على أن تتولى الدولة توفير الموارد المالية لتطويرها، أي أن يحصل المواطن على قرض مع أرض مطورة مزودة بالخدمات الأساسية. لقد استبشرنا خيرا بهذه الخطوة الكبيرة التي تأتي في سياق الإصلاحات التي تتجه إلى (استعادة الأرض)، بعد أن طارت بها المنح، استعادتها لتكون عنصرا داعما للتنمية المستدامة، ففي السنوات الماضية دخلنا في وضع حرج خطير، حيث تعطل الكثير من المشاريع الأساسية للصحة والإسكان والتعليم والنقل بسبب ندرة الأرض، كما أن أسعار الأراضي وصلت إلى مرحلة حرجة، فالكثير من المواطنين توافر لهم التمويل، لكن لم يجدوا الأرض المناسبة للبناء لانعدام الخدمات. أمر خادم الحرمين الملك عبد الله (خطوة تاريخية) تحسب له - حفظه الله، ونأمل أن تتبعها خطوة تاريخية أخرى وهي فرض (رسوم تنمية) سنوية على كل أرض بيضاء مملوكة بحيث تتصاعد هذه النسبة حسب مساحتها، وتجمع الرسوم في صندوق يخصص لمشاريع الإسكان المستقبلية ويكون تحت إشراف مجالس المناطق ومجلس الشورى، وفي هذا الإجراء نمارس أسلوبا حضاريا مقبولا ومعمولا به في كل دول العالم تقريبا، وهذه الرسوم تُفرض بخلاف الزكاة الشرعية، فهذه حق شرعي، والرسوم حق تنموي، ومثل هذه الخطوات ستؤدي إلى تحريك حيازات الأراضي الكبيرة ومنع احتكارها وحبسها، و(حتى لا تكون دولة بين الأغنياء). إننا إزاء موضوع حساس يصطدم بالمصالح الصغيرة والكبيرة، وتتنوع حوله القناعات ويحفه العديد من التفسيرات.. (وربما دونه خرط القتاد!)، لكن إزاء هذا الموضوع نحن أمام تحد رئيسي مصيري يمس الاستقرار الاجتماعي ولا يحتمل إلاّ أمرا واحدا وهو: روح (التنازل) من جميع الأطراف، والمبادرة يفترض أن تأتي أولا من المقتدرين انطلاقا من إحساسهم الوطني وحسن تقديرهم لعواقب الأمور. نحن هنا جميعا لسنا إزاء موضوع (مطروح للمساومة)، يجب أن نتجاوز هذه المرحلة، إلى حقبة التضحية الوطنية لأجل مستقبلنا ومستقبل أبنائنا وبناتنا.. فكروا في مستقبل هؤلاء، فأي أرض سنبقي لهم! دروس التاريخ نتعلم منها أمرا مهما وهو أن الأرض تظل (الأصل الإنساني) الثابت الذي تصالحت وتصارعت عليه البشرية منذ حقب الزمن البعيدة، فالتعاملات السليمة إنسانيا واجتماعيا واقتصاديا تجاه الأرض هي التي تجعلها: إما مفتاحا للسلام أو مصدرا للشر! الآن العقلاء قبل البسطاء يدركون بوعي وطني كبير أن الأرض في بلادنا تحولت إلى (عائق للتنمية). هذا العائق نخشى أن يتحول إلى مصدر للتوتر الاجتماعي، وقد يكون منفذا لمن يسعون للإخلال بأمننا الاجتماعي بحيث يتم استغلاله وتصعيده لتأزيم العلاقة بين الناس والدولة، وأيضا استثماره ليكون مصدرا للطعن في السياسات الحكومية ونواياها ورغبتها الجادة في الإصلاح والتطوير. الأراضي غير المطورة عالة مستدامة للتنمية وتعظم تكلفة الصيانة والتشغيل لمدننا، وبوضعها القائم تشكل عائقا كبيرا أمام التوجه لإيجاد (المدينة الإنسانية) التي تهيئ المكان والبيئة الحاضنة والمولدة التي تهتم بالإنسان، وفي كثير من مدننا حيث بنى الناس بيوتهم في أحياء غير مطورة حيث لا طرق معبدة ولا شبكات مياه ولا صرف صحي، ومن دون أرصفة وحدائق ومدارس ومستشفيات.. إنها لا توفر مقومات الحياة الكريمة. الآن كلنا ندرك كيف يكون حال هذه الأحياء عندما تأتي الأمطار.. إنها قطعة من عذاب! في هّم الوطن.. لست وحيدا مقال الأسبوع الماضي كان له صدى لم أتوقعه، وكنت أخشى أنه خارج سياق (موضة) التناول الإعلامي الذي يبحث عن الجزء الفارغ من الكأس. من بين الردود العديدة، أستميحكم العذر لنشر التعقيب التالي، وهو يؤكد أن الأغلبية الصامتة ترى الأمور بشكل يؤكد ثقتنا بمقدرات بلادنا وقياداتها. (كل الشكر والتقدير أستاذ عبد الوهاب على هذه المشاركه المميزة التي تعكس الحس العالي واستشراف المستقبل والروح الوطنية الغيورة على مقدرات هذا البلد الغالي بعيداً عن المزايدات والمجد الشخصي، فقد قدمت مقالاً لن أبالغ إذا قلت إنه أفضل مقال في ظل هذه الطفرة التي نعيشها والتي تحتاج إلى الثقة (بالمسؤول) لا التشكيك فيه، والمرونة لا التقييد من الجهات الرقابية والأنظمة المالية والإدارية التي لا تواكب الطفرة التي نعيشها ومع ديناميكية وسائل التواصل الاجتماعي، فما أخشاه في المستقبل أن يكون هناك إحجام عن الوظيفة الخدمية (العامة)، والتوجه إلى السكون لا إلى المبادرات خوفا من الوقوع في الخطأ، وهذا سيخلف مجتمعا تنحدر فيه معدلات الإنتاجية، في وقت نحن في أشد الحاجة إليها، أكرر شكري فقد لمست وتناولت الوضع بكل شفافية).
إنشرها