Author

اليقظة بالمرصاد ضد الإرهاب

|
"ودك اللي يجون ويغررون بالشباب الصغار أن يحكم عليهم حكم أكثر"، فيجيب سماحة الشيخ صالح الفوزان: "مستحقين". جميعنا يذكر ذلك الحوار الذي دار بين خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - وعدد من أعضاء هيئة كبار العلماء، وعلى رأسهم سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، وسماحة الشيخ صالح الفوزان- يحفظهم الله-، حول أوضاع المنطقة، وقضايا الإرهاب، قبل أكثر من عام، الذي استشرف فيه خادم الحرمين الخطر الحقيقي علينا، وعلى الأمة العربية والإسلامية، بل على العالم أجمع، ألا وهو خطر من أسماهم الصادق المصدوق، صلوات ربي وسلامه عليه "دعاة على أبواب جهنم"، دعاة الإرهاب، والاقتتال، والفتنة، والفوضى، تلك الفوضى التي تبنتها الإدارة الأمريكية علناً كاستراتيجية جديدة لها في منطقة الشرق الأوسط، وذلك مطلع 2005 حين أدلت "كونداليزا رايس" الوزيرة الأسبق للخارجية الأمريكية، التي كانت للتو قد تولت منصبها الجديد، حيث كانت تتبوأ قبلها منصب مستشارة الأمن القومي الأمريكي فترة امتدت أربع سنوات ما بين 2001 و2005، ما يعني أنها تعني وتعي كل كلمة تنطق بها، فهي المطلعة على أدق التفاصيل الأمنية، والسرية، والخطط الاستراتيجية للدولة العظمى. لقد أدلت "رايس" بحديث صحافي للواشنطن بوست فور تسلمها منصبها الجديد أبريل 2005، ذكرت خلاله، صراحة، عن توجه الولايات المتحدة لنشر ما تسميه "الديمقراطية في العالم العربي" تمهيدا لتشكيل جديد، تبرز فيه ثلاث قوى رئيسة في المنطقة ليس بينها دولة عربية واحدة: "تركيا، إسرائيل، وإيران" تحت مشروع ما أسمته "الشرق الأوسط الجديد"، من خلال "الفوضى الخلاقة" أو الـ "Creative Chaos"، الذي ظهرت نتائجه في فوضى ما أطلقت عليه الدوائر الأمريكية "الربيع العربي"، ثم انتشر هذا المسمى بعد ذلك، ليشير إلى هذه الحروب الأهلية الطاحنة في المنطقة، التي عززت وجود التنظيمات الإرهابية المتدثرة بالإسلام، وأرادت قوى الشر، وخططت لأن تمتد لدول مجلس التعاون الخليجي، كما كشفته عدد من الأدبيات والمقولات التي بين يدي الآن، ككتاب "بعد الشيوخ .. السقوط القادم لممالك الخليج" للبريطاني "كريستوفر ديفدسون" الذي طبع في 2002 وتمنى، بل بشر بنجاح مثل هذه المخططات الخبيثة المدمرة علنا، فأخزاهم الله. سبق أن ذكرت، وما زلت أردد، أن عملية صنع القرار في الإدارة الأمريكية، عملية معقدة، متشعبة، وتؤثر فيها عوامل مختلفة .. وإننا قد نكون مقصرين في التعاطي مع هذه العوامل، وشرح وجهة نظرنا، وممارسة وتفعيل قوانا الناعمة بالطريقة الأكثر فاعلية، في الوقت الذي تنشط فيه دوائر عرفت بعدائها لكل ما فيه خير وحب وعدل وسلام للبشرية جمعاء، تسعى إلى تخريب كل ما من شأنه الحفاظ على السلام في العالم، وتدفع باتجاه "الفوضى" و"الاحتراب" و"الدمار"، وأن على رأس أهدافها، تدمير صمام الأمان الأول، والنماء الأول، والخير الأول، في العصر الحديث، إنها العلاقات بين أعظم قوة في العالم الحديث، الولايات المتحدة، وبين دول وشعوب العالم الإسلامي المحبة للخير والنماء والسلام، وعلى رأسها وأهمها، العلاقات السعودية - الأمريكية المتينة والقديمة، بما تحمله من رمزية جميلة وعظيمة، تتحطم أمامها مخططات قوى الشر والفتنة.. إنها قوة مضافة للخير والسلام والعدل والنماء في العالم. إن هذه الدوائر المتطرفة، تقودها الدوائر الصهيونية، لم تفتأ وهي تسعى لتخريب، بل تدمير علاقات أمريكا بالعالم الإسلامي، مبشرة بـ "صراع الحضارات" تارة، و"نهاية العالم" تارة أخرى، والمرتبطة بالأساس برؤية يهودية غاية في التطرف والعنصرية، يمقتها اليهود المعتدلون أنفسهم. إن قوى الشر في العالم، ما انفكت تغذي جذور الكراهية، وتشحذ في نارها تحت السطح، تمهيداً للفوضى، والحرب في منطقتنا، التي كشفها خادم الحرمين الشريفين على حقيقتها حين وسمها بـ "فوضى الضياع" للبشرية، وليست "الفوضى الخلاقة" أو "الديمقراطية" المستوردة المزعومة كما يدعون! ولم تتوقف قوى الشر في حربها على الدين الإسلامي السمح الحنيف، وعلى الأمتين العربية والإسلامية، وعلى قبلة الإسلام وموئل أفئدة المسلمين، المملكة العربية السعودية، خاصة، لما تمثله، وتتمتع به من ثقل ديني، وروحي، وسياسي، واقتصادي، وأمني، وعسكري، ما جعلها تتعرض لحملات إعلامية دعائية تشويهية في كل موقف تقف فيه دفاعاً عن مصالحها ومصالح الأمتين العربية والإسلامية، والدين الوسطي الحنيف. هذه الحملات تزامنت وبشكل مريب، مع حملات وعمليات عسكرية إرهابية معادية، ما انفكت تقوم بها المنظمات الإرهابية المتدثرة بالإسلام، سواء تلك التي تدعي أنها "سنية" كانت أو "شيعية". إنها الأداة التي زرعتها قوى الشر في جسد الأمة لتفت في عضدها، خلقا للفتنة، وتشويها لصورة الدين العظيم، والرسالة المحمدية الزكية، وسارت في ركبها جموع من المسلمين المغرر بهم من "دعاة جهنم". لم تتوقف إذن هذه القوى الشريرة في حربها ضدنا، سواء من خلال التنظيمات الإرهابية التي اخترقت جسدنا، وأضحت منتشرة بيننا كعرب ومسلمين، من خلال رموز تلبست بلبوس الدين، فسممت الثقافة، وحرفت المعتقد، عبر فكر خبيث دخيل على ديننا الحنيف، تمثل في فكر أم التنظيمات الإرهابية "جماعة الإخوان المسلمين"، هذا الفكر الذي تسلل بين فئام المجتمعات الإسلامية، عبر التعليم، من أقاصي شرق العالم، وحتى مغاربه، الذي لم، ولن يتم القضاء الفعلي على الإرهاب بصيغته الإسلامية، ما لم يتم القضاء عليه وعلى رموزه، ومن يروج له، ويدافع عنه.. إنه فكر يرى أن عليه محاربة جميع الدول "الكافرة" في العالم، وأن عليه، بدايةً، إقامة ما يسميه دولة "الخلافة"، التي تبدأ بمحاربة الدول الإسلامية الواحدة تلو الأخرى، ثم العالم أجمع! المفارقة اللافتة أن هذا التنظيم الإرهابي المريض، وأعني به تنظيم "الإخوان المسلمين"، يلقى كل الدعم والتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية، التي رفضت ضمه ضمن قائمة الجماعات الإرهابية، بل فتحت أبواب المكتب البيضاوي لمستشارين قيل إنهم أعضاء في هذا التنظيم الدولي الإرهابي، في الوقت الذي تقول إنها تحارب تنظيم "القاعدة" الإرهابي، ناسية أو متناسية أن رموزه ليسوا سوى أعضاء في تنظيم الإخوان المسلمين بجناحه العسكري، ومؤمنين بفكرته الشيطانية، أمثال الظواهري، وابن لادن، أو زعيم "داعش"، أبو بكر البغدادي، الذي اعترف القرضاوي صراحة بأنه أحد المنتمين لتنظيم الإخوان المسلمين. لقد شهد العام الماضي تحولات مهمة على الصعيد الإقليمي، إلا أن اللافت هو ما تميزت به هاتان السنتان بأن كشفتا لنا بجلاء أولئك المحرضين في الداخل السعودي، على أعمال الإرهاب والعنف، المسوغين للتكفير. إن بعض هؤلاء يتقربون، ويبرزون أنفسهم في مجالس المسؤولين وعبر الإعلام، لإضفاء شرعية لما يقولون، فسقطت أقنعتهم، لوهلة، ثم ما لبثوا أن عادوا للتلون، والحربائية، والبراجماتية من جديد، لكنهم لن يفلحوا في مساعيهم فيقظة الأمن والشعب بالمرصاد.
إنشرها