«بروبجاندا» التسريبات

حرب دعائية خبيثة، يصفها البعض بـ"البائسة"، وأصفها بـ"الخطيرة"، تلك التي لم تفتأ تتصاعد ضدنا، وضد مصالحنا الوطنية الحيوية في السعودية، خاصة بعد الدور الكبير الذي لعبناه في دعمنا للشقيقتين مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية، قيادة وشعبا، وتقديم جميع أشكال العون الفاعل والحاسم لحماية أمنهما واستقرارهما، سواء أكان هذا الدعم سياسيا أم عسكريا أم اقتصاديا أم إعلاميا، ولا غرو في ذلك، فأمنهما واستقرارهما امتداد لأمننا واستقرارنا. لقد مكن هذا الدعم الشعبين الشقيقين بقيادتيهما الحكيمتين، من إفشال المخططات التي استهدفتهما من خلال أدوات العدو في الداخل،والمتمثلة في حركات "الإسلام السياسي" بشقيه "السني" و"الشيعي". إضافة إلى ما تقوم به المملكة من دعم فاعل وحقيقي وصلب ومتواصل للشعوب العربية الشقيقة في سورية وليبيا واليمن وغيرها، لعودة الأمن والاستقرار إليها، وتخلصها من قوى الظلم والإرهاب والشر والطغيان.
جميع المؤشرات الميدانية تدلل بوضوح أننا أمام مشروع يهدف إلى تقويض استقرار المنطقة من داخلها، عبر حرب دعائية تستهدف استلاب عقول شعوب المنطقة، من خلال خلفياتهم القيمية الدينية والثقافية ذاتها، ولم تكن آخر حيل هذه الحروب الدعائية المتواصلة ضدنا كشعوب عربية، تلك "الصرعة" الجديدة، أو "الموضة" المستحدثة، التي أسميها بـ "بروبجاندا التسريبات"، التي تستهدف زعزعة أمن واستقرار ما تبقى من دول عربية قوية ومستقرة، التي يطلق عليها محللون سياسيون مختصون: "قلعة الصمود"، والمتمثلة في محور الرياض ـــ القاهرة ــــ أبو ظبي ـــ الكويت ــــ عَمّان ـــ المنامة.
كثيرون استمعوا إلى ما يسمى "تسريبات" مكتب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حين كان وزيرا للدفاع، وذلك بفضل حجم الدعاية التي روجت لهذه"التسريبات" التي جرى ويجري بثها على دفعات عبر قناة فضائية تابعة لتنظيم الإخوان المسلمين. وهنا أسعى إلى تناول هذا الحدث بموضوعية، ومنطق بحت، دون أن أُدرج آرائي الشخصية، بل سأتناول الحقائق كما هي، بعيدا عن الانطباعات.لقد انقسم الناس تجاه هذه التسريبات ما بين مصدق لصحتها، وآخر مُكذب، ولكل منهما تبريره الذي يسوقه، كما برز قسمٌ آخر من النشطاء عبر وسائل إعلامية مغرضة، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يسلكون طريقا مختلفا، تمثل في الترويج للتسليم بصحتها، دون إعطاء أدنى فرصة للتفكير المنطقي، وذلك بهدف تهييج الرأي العام وإثارته ضد العلاقات السعودية ـــ المصرية، والإساءة للدولتين عبر تشبيه سياسة الأولى كما لو كانت بقرة حلوب ساذجة، والإساءة للثانية كما لو كانت "عصابة بلطجية" رخيصة، لا قيم ولا مبادئ، وهذا الصنف الأخير يختلف عن الصنفين الأولين، بأنهم منظمون وفق أجندة محددة، واستراتيجية موحدة، وهدف يسعون إلى تحقيقه.
إذن، نحن أمام احتمالين: إما أن التسريبات صحيحة، وإما مفبركة. فإن كانت صحيحة، فيلزم منطقيا عدة أمور، أولها أن التسجيل تم من خلال أجهزة تصنّت متقدمة، تمت زراعتها بحرفية، في أكثر الأماكن حساسية، من المفترض أنه مؤمَنٌ بشكل ممتاز، ألا وهو مكتب وزير دفاع مصر، ذات التاريخ الأمني والاستخباراتي العريق جدا، ولمن لا يعلم، فإن مكاتب مسؤولين أقل من ذلك بكثير، تخضع بشكل دوري للفحص الأمني، بل إن صالات الاجتماعات الخاصة يتم غلقها وتأمينها، فلا يدخل إليها إلا الثقاة، ويتم أيضا تفتيشها بشكل دوري، ووضع أجهزة متقدمة تتأكد من خلوها من أجهزة التنصت. وبالتالي فإن من قام بالتجسس، ‏وزراعة هذه الأجهزة ـــ على افتراض صحتها ـــ هو لزاما جهاز استخبارات دولة، وربما أكثر، وليس مجرد اجتهادات فردية. ولهذا الاختراق أساليب متعددة، أسهلها التجنيد من داخل المنظمة. ‏وهنا لدينا احتمالان: إما أن يكون الجهاز الاستخباري المتجسس، صديقا، وإما عدوا. فإن كان صديقا، فيلزمه منطقيا حين حصوله على هذه المعلومات، أن يمررها لجهاز الاستخبارات السعودي، ولا يذيعها - ولنا في حادثة تسريب مكالمات حمد بن خليفة، وحمد بن جاسم مع القذافي، خير شاهد، فقد رصدنا هذه التسجيلات - بحسب مصادري - في وقت مبكّر، وتم التكتم عليها، إلا أن الاستخبارات الليبية، عند انهيار دولة القذافي، نشرت هذا التسريب. عليه فإنه لو كان هذا الجهاز الذي رصد تلك الأحاديث في مكتب وزير دفاع مصر حينها، جهازا صديقا، لكان قد مرر هذه التسريبات إلى أجهزتنا، ولم ينشرها. أما لو كان هذا الجهاز تابعا لجهة عدوة، فإنه بالتأكيد يريد أن يدق إسفينا بين العلاقات السعودية ـــ المصرية، ليؤجج الفتنة، وليخرب العلاقات ‏المتينة بين أعظم وأكبر وأقوى دولتين عربيتين، كل واحدة منهما سند للأخرى، ومكملة لها، فدونهما تهتز، وربما تنتهي قوة العرب والمسلمين في العالم أجمع.إن هذا الجهاز يعلم أن أفضل طريقة لعمل ذلك، ليس نشر التسريب! فجهاز بهذه القوة، والذكاء، استطاع الوصول إلى زراعة أجهزته في مكتب وزير دفاع مصر ـــ جدلا ـــ لن يقع في هذا الخطأ الذي لا يقع فيه أغبى أجهزة الاستخبارات، فما يهمه هو أن تصل هذه المعلومات إلى صانع القرار، لأنه يعلم أن نشرها للعامة سيتسبب في كشف حقيقة أهدافه في ضرب العلاقات الأخوية المتينة بين الدولتين، وبالتالي ستكون النتيجة عكسية، وسيتم التغاضي عن ذلك في سبيل المصلحة الكبرى للبلدين، وللأمتين العربية والإسلامية، خاصة أن جهازا بهذه القوة، لا يخفى عليه ما تمتلكه قيادتنا من رفعة، وسمو، وتمسك بالعادات العربية والإسلامية العريقة والأصيلة، لذا فهو لن يلجأ إلى خيار "النشر". أما وقد جرى نشر هذه "التسريبات"، ومررت بعض "أسرارها" إلى عدد من الحزبيين والحركيين في الخليج ودول أخرى، بما في ذلك حساب العميل "مجتهد" في تويتر، وجرى بثها عبر قناة إخوانية لم تتوقف منذ افتتاحها عن مهاجمتنا، والإساءة إلينا شعبا وقيادة، وترويج الكذب والفتنة والافتراء، فإن هذا التصرف يُعطي دلالة واضحة أن التسريب مفبرك، وأن من عمل على فبركته، هم أعداء للمملكة ولمصر، وأصدقاء لجماعات "الإسلام السياسي"، ما لم يكونوا هم من فبركه أساسا، إذ كيف لهم أن يسجلوا مثل هذه الأحاديث الثانوية، ويغفلون عن تسجيل الأهم، وهو الترتيبات لتنفيذ إرادة الشعب المصري في عزل مرسي؟!
إن الهدف من إذاعة هذه الفبركة هو بلا شك ليس في مصلحة أمننا جميعا، كما أنه غير مقتصر على تخريب العلاقات المتينة بين أعظم وأكبر وأقوى دولتين عربيتين، بل المستهدف هم الشعبان في البلدين الشقيقين، وبقية شعوب الخليج العربي الذين يشكلون قوة للعرب وللمسلمين وحصنا لهم حصينا. إن الهدف هو استمرار مسلسل تفتيت الأمة، وشق الصف، وتشكيك الشعوب في قياداتها، وإضعاف الروح المعنوية، وإشاعة اليأس، والإحباط تمهيدا للفتنة، وبث الفوضى، والعداوات. ولتعرف المتسبب، فتش عن المستفيد، إنه بلا شك عدونا الأول.
إننا في مثل هذه الحالة، لا نعطي للعدو ما أراد، بل نقلب عليه ظهر المجن، بالتفافنا حول قادتنا، وتشديدنا على متانة العلاقات بين الأشقاء، خاصة أن أخلاقنا العربية والإسلامية الأصيلة، وما نحمله من وعي، وسمو، إضافة إلى مصلحة الوطن والأمة، تدفعنا بهذا الاتجاه. إننا نردد ما قاله قائدنا، خادم الحرمين سلمان بن عبدالعزيز ــ أيده الله: "علاقة المملكة بمصر أكبر من أي محاولة لتعكيرها".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي