التعاون بين أمريكا والصين يظل في حكم الممكن

عندما زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بكين أخيرا في محاولة لتثبيت استقرار العلاقات مع الصين، كان عدد كبير من القضايا التي ناقشها مع الرئيس الصيني شي جين بينج محل نزاع شديد. على سبيل المثال، حذر بلينكن الصين من توفير المواد والتكنولوجيا لمساعدة روسيا في حربها ضد أوكرانيا، واعترض على مطالبات الصين الإقليمية في بحر الصين الجنوبي ومضايقة الفلبين (حليفة الولايات المتحدة). وكانت نزاعات أخرى متعلقة بتفسيرات سياسة "الصين الواحدة" التي تنتهجها أمريكا في التعامل مع تايوان، والقيود التجارية، وتلك المرتبطة بالصادرات التي تفرضها الولايات المتحدة لمنع تدفق التكنولوجيا إلى الصين.

كنت أزور بكين في ذات الوقت تقريبا بصفتي رئيسا لما يُـسمى "حوار المسار الثاني" الصيني الأمريكي، حيث يستطيع المواطنون الذين يتواصلون مع حكوماتهم أن يجتمعوا ويتحدثوا عن أنفسهم. ولأن مثل هذه المحادثات غير رسمية ولا يمكن التنصل منها، فقد تكون في بعض الأحيان أكثر صراحة.

بيد أن الأمور أصبحت أكثر تشويقا عندما تحولت المجموعة إلى استكشاف مجالات التعاون الممكنة. الواقع أن التغير الذي طرأ على سياسة الولايات المتحدة من الانخراط والتعامل مع الصين إلى استراتيجية المنافسة بين القوى العظمى لا يمنع التعاون في بعض المجالات.

في تبادل للاستعارات، أعرب بعض الصينيين عن قلقهم من أن التركيز الأمريكي على إنشاء "حواجز حماية" كان أشبه بوضع أحزمة الأمان في سيارة تشجع على السرعة، لكن أغلبهم اتفقوا على أن تجنب الاصطدام كان الهدف الأساس. ولتحقيق هذه الغاية، حددنا سبعة مجالات للتعاون المحتمل.

الأول والأكثر وضوحا كان تغير المناخ، الذي يهدد كلا البلدين. ورغم أن الصين مستمرة في بناء محطات توليد الطاقة التي تعمل بإحراق الفحم، فإنها تضيف بسرعة مصادر الطاقة المتجددة، وتزعم أنها ستصل إلى ذروة الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون بحلول 2030 والحياد الكربوني بحلول 2060.

كانت القضية الثانية الصحة العامة العالمية. يقول العلماء: إن السؤال حول الجائحة التالية ليس ما إذا كانت لتحدث، بل متى تحدث. لقد تعاملت الحكومتان مع جائحة كوفيد-19 بشكل سيئ، ومات الملايين نتيجة لذلك.

وفيما يتعلق بالأسلحة النووية، دافع الصينيون عن حشدهم السريع على أساس أن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات أكثر دقة، وأن قابلية الغواصات للتعرض للأذى يهدد قدرتها على الرد ذات يوم إذا ضُرِبَت أولا. وكرروا اعتراضهم المعتاد على فرض قيود الحد من التسلح قبل أن تضاهي ترسانتهم ترسانة الولايات المتحدة وروسيا.

أما المجال الرابع فكان الذكاء الاصطناعي. في سان فرانسيسكو في الخريف الماضي، اتفق شي والرئيس الأمريكي جو بايدن على بدء محادثات حول سلامة الذكاء الاصطناعي ــ وإن كانت حكومتا البلدين عاجزتين حتى الآن عن إحراز أي تقدم ملموس. واتفقت مجموعتنا على أن هذه القضية تتطلب أيضا إجراء محادثات خاصة خلف أبواب مغلقة، وبشكل خاص حول التطبيقات العسكرية لهذه التكنولوجيا. على حد تعبير جنرال صيني متقاعد فإن الحد من التسلح أمر غير مرجح، لكن لا تزال فرصة كبيرة قائمة للعمل نحو فهم متبادل للمفاهيم والعقيدة، وما يعنيه الحفاظ على السيطرة البشرية.

على الصعيد الاقتصادي، اتفق الجانبان على أن التجارة الثنائية تعود بالنفع على الطرفين، لكن الصينيين اشتكوا من الضوابط التي تفرضها الولايات المتحدة على الصادرات من أشباه الموصلات المتقدمة. وفي حين تبرر الولايات المتحدة سياستها لأسباب أمنية، يرى الصينيون فيها إجراء يهدف إلى تقييد النمو الاقتصادي في بلادهم. واقتداء بمستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان الذي وصف النهج الأمريكي بأنه بناء "سياج مرتفع حول ساحة صغيرة"، أشرنا إلى أن هذا النهج لا يؤثر إلا في جزء صغير من إجمالي تجارتنا في الرقائق الإلكترونية.

في هذه الفترة من منافسة القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين، لا ينبغي لنا أن نتوقع العودة إلى استراتيجية المشاركة التي ميزت مطلع هذا القرن. ولكن من مصلحة البلدين أن يتجنبا الصراع، وأن يحددا مجالات التعاون متى وأينما أمكن ذلك.

خاص بـ "الاقتصادية"

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.

www.project-syndicate.org

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي