مرحبا بالقادمين إلى البلد الأمين، مرحبا بالزائرين لسيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم، حجاجنا الكرام حللتم أهلا ونزلتم سهلا. يرحب بكم جميع أهل هذه الديار المقدسة وحتى السهل والجبل والبحر وأمواجه, وكذا ولاة الأمر الذين عملوا على راحتكم و سهروا من أجلها, فرحين مسرورين بما يقدمون من خدمات جليلة من أجل الحرمين الشريفين وقاصديهما وتسهيل أداء المناسك, ومعهم جميع الجهات المعنية بتسهيل كل الصعاب بما يكفل فرحكم وسروركم وأداءكم مناسك حجكم وزياراتكم في يسر وسهولة و أمن وطمأنينة. مرحبا بكم يا وفد الله الكريم، يا من إذا دعوتموه أجابكم، وإذا سألتموه أعطاكم وأخلف عليكم ما أنفقتموه، مرحبا بكم يا من تعودون إلى بلادكم ودياركم، بعد أداء محكم وقد غفرت ذنوبكم وبدأتم حياة جديدة، كأنما ولدتكم أمهاتكم لا وزر عليكم ولا ذنوب, أهلا بكم وسهلا في بلاد الحرمين الشريفين، التي من دخلها كان آمنا يأمن على نفسه وأهله و ماله.
أهلا وسهلا نرحب والأعطاف تهتز بهجة، وأم القرى تزدهر على سائر القرى، وكم نظم الشعراء مشاعرهم في العديد من القصائد التي تصف حنينهم إلى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة. ومن ذلك ما ينسب للمؤرخ والعالم النحوي محمد رشيد البغدادي المتوفى عام 622هـ الذي جاء في قصيدته بعض هذه الأبيات التي تصف الحنين لأهل هذه البلاد المقدسة, في قصيدته المشهورة التي مطلعها :
أيا عذبات البان من أيمن الحمى
رعى الله عيشا في رباك قطعناه
ثم يقول :
ونحن لجيران المحصــــب جيرة
نوفي لهم حسن الوداد و نرعاه
ونخلو بمنى نهوى إذا رقد الورى
ويجـلو علينا من نحب محيـاه
أعيدوا لنا أعيــادنا بربوعكم
ووقت سرور في حماكم قضيناه
فما العيش إلا ما قضينا على الحمى
فـذاك الذي من عمرنا قد عددناه
وترجع أيام المحصــــــب من منى
ويبدو ثراه للعيون وحصبـاه
وتسرح فيه العيش بين ثمامـة
وتستنشق الأرواح نشر خزاماه
ونشكو إلى أحبابنا طول شوقنا
إليهـم وماذا بالفـراق لقيناه
عليكم سلام الله يا ساكني الحمـــــى
بكم طاب ريُاه بكم طاب سكناه
وربكم لولاكم ما نوده
ولا القلب من شوق إليه أذبناه
فو الله ما ننسى الحمى فقلوبنــا
هناك تركناها فيا كيف ننساهـا
تُرى رجعة هل عودةٌ لطوافنـا
وذاك الحمى قبل المنية نغشاه
ووالله ما ننسى زمان مسيرنا
إليه وكل الركب قد لذّ مسراه
وقد نسيت أولادنا و نساؤنـــــا
وأموالنا فالقلب عنه شغلنـــــاه
جعلنا إله العرش نُصب عيوننا
ومن دونه خلف الظهور نبذناه
وسرنا نشق البيد للبـــــلد الذي
بجهد وشق للنفوس بلغنــــــاه
رجالا وركبانا على كل ضــامر
ومن كل ذي فج عميق أتينــاه
نخوض إليه البر والبحر والدجى
ولا قاطع إلا وعنه قطعنـــاه
ونطوي الفلا من شدة الشوق للقا
فتمسي الفلا تحكي سجلا قطعناه
ولا صدنا عن قصدنا بعد أهلنـا
ولا هجر جار أو حبيب ألفناه
وأموالنا مبذولة و نفوسنـــا
ولم نبق شيئا منهما ما بذلنــاه
عرفنا الذي نبغي ونطلب فضله
فهان علينا كل شيء بذلنـاه
فمولى الموالي للزيارة قد دعـا
أنقعد عنهــــا والمزور هو الله
نحج لبيت حجة الرسل قبلنا
لنشهد نفعـاً في الكتـاب وعـدنــاه
اخر مقالات الكاتب
..