ضيوف الرحمن .. الحج وحّدهم وألف قلوبهم

ضيوف الرحمن .. الحج وحّدهم وألف قلوبهم

تتعدد مؤتمرات المصالحة, وتعقد اجتماعات لحل كثير من القضايا السياسية والوطنية, ويخرج كثير من تلك المناسبات بنتيجة واحدة وهي فشل كافة المساعي التي من أجلها أقيمت, وفي المقابل تظل شعيرة الحج موحدة الأمم, وململمة كافة الأطياف الشعبية والسياسية, فمهما تباعدوا وتناحروا فيما بينهم, فبمجرد أن تطأ أقدامهم أرض المشاعر المقدسة, حتى تجدهم تحت سقف مخيم واحد, تغمرهم الأجواء الروحانية, وتصفو مشاعرهم تجاه بعضهم البعض. يتسامرون فيما بينهم, ويتجاذبون أطراف الحديث حول واقع أمتهم في أوطانهم, وما آلت إليه حالهم من حروب أو تراشقات سياسية وصلت إلى أفراد شعبهم بالسلب, وكأنهم باجتماعاتهم تلك لا تنقصهم سوى طاولة واحدة, ويتخذ اجتماعهم صفة الرسمية, لتخرج قراراتهم بنبذ التعصب, والخلافات في صورة عجزت في القوة السياسية في بلدانهم أن تنجزها في اجتماعات طوال.
فقبل عامين التحم الشعبان الهندي والباكستاني في مخيم واحد, ووقتها كانت دولتاهما على شفا حفرة من اندلاع حرب ضروس, نتيجة خلافات حدودية فيما بينهما, ووقتها وجه شعبا الدولتين رسالة إلى حكومتيهما، أن تحكِّما العقل ولا تلتفتا إلى من يسعى في ذر المشكلات بينهما ليحقق هدفه في دخول الدولتين في معترك الحروب والدمار. في يوم العيد، وفي أرض مشعر منى المقدس، التحم العلمان الباكستاني والهندي، في صورة لن تتكرر في أي مكان آخر، ولكن روابط الدين، وطلب المغفرة والأجر من الله كانا السبب في هذا الالتحام. اليوم يعيد التاريخ نفسه ولكن بصورة مختلفة قليلا فهناك وفي أقصى الجنوب السوداني, وفي قلب العاصمة العراقية بغداد, تناثرت التيارات الشعبية, والسياسية, وأصبحوا شعوبا متعددة الرغبات, الأول يدعو إلى الانفصال, والآخر لم يحدد رئيسا له, ولكن وفي مشعر منى توحدت المشاعر, وبرزت أمارات الأخوة, والحميمية في العلاقات فيما بينهم, عندما وقفوا جميعا على صعيد عرفات, يذرفون الدمع وهم يدعون بإن يصلح الله أمر بلادهم وشعوبهم.
فالسودانيون متباعدون فيما بينهم, الجنوبيون يطالبون بالانفصال, وتمردوا, وقاتلوا في سبيل تحقيق مبتغاهم, والشماليون يريدون الوحدة الوطنية, ولكل مبرراته التي ساقها في اجتماعات كثيرة تدخلت القوى السياسية الخارجية في محاولة منها لحل هذا الخلاف, ولكن في مشعر منى تجد السودانيين بمختلف أطيافهم وتياراتهم السياسية بجوار بعض ينامون متجاورين, يغمسون لقمة عيشهم في إناء واحد, تجمعهم الصلوات في صفوف مترابطة.الحاج مرغني السيد حسن من السودان أكد أن قدومهم إلى الأراضي المقدسة هدفه واحد هو أداء نسك الحج, من دون أن يسمحوا بأن تأتي خلافاتهم السياسية معهم من بلادهم, مشيرا أنه لا فرق بين جنوبي وشمالي الكل هنا متحاب, ومرحب بأخيه, يتجاذبون الحديث فيما بينهم, بكل ود ومحبة.
أما أهل دجلة والفرات الذين أعيتهم سنوات الحرب والدمار, وما إن خرجت القوات الدولية من أراضيهم, حتى بدأت شرارة خلافهم في اختيار حكومة لهم, ولم يستطيعوا أن يرسموا نهج سياستهم, ووضع دستورهم الذي تغير مرارا وتكرارا بعد سقوط نظام صدام.
الحاج كاظم من محافظة الموصل في العراق أشار إلى أن شعيرة الحج تعد الملتقى الأمثل لمثل شعبهم, لتتصافى القلوب, وينبذون جذور الخلافات العرقية فيما بينهم, مضيفا أنهم متمازجين في سكنهم وأكلهم وترحالهم.
وذكر الحاج كاظم قصة حدثت مع أحد أقرانه الذي ينتمي إلى أحد التيارات المخالفة لتياره السياسي عندما سقط مغشيا عليه, بادر بحمله والذهاب به إلى أقرب مشفى لمقر سكنهم, والمكوث معه حتى اطمأن عليه, الأمر الذي انعكس على صاحبه المريض, وجعله يشكره ويقدم له كل التقدير والاحترام, مضيفا أنه وبعد الحادثة أصبحوا لا يفترقون أبدا, على الرغم من اختلافهم في النهج السياسي لأحزابهم.
من جهته أكد فائق بياري رئيس مجلس إدارة مطوفي حجاج الدول العربية، أن روحانية شعيرة الحج ساعدتهم في المؤسسة على أن توفر لحجاج البلدين الأماكن موحدة، مشيرا إلى أن رؤساء البعثات في كلا البلدين لم يطلبوا أن تكون هناك تفرقة فيما بين الحجاج الأمر الذي أسهم في توطيد روابط المحبة فيما بين حجاج بيت الله الحرام, منوها في السياق ذاته أن روابط الإسلام أكبر وأعظم من أي روابط أخرى.

الأكثر قراءة