من سعد حداد .. إلى حسن نصر الله
كان سعد حداد ضابطا لبنانيا برتبة رائد يترأس مجموعة من الجنود لا يتجاوز عددهم بضع مئات في بلدة القليعة على الحدود الجنوبية اللبنانية وتمرد على الشرعية اللبنانية بمساعدة الموساد الإسرائيلي فأسس ميليشيا خاصة به وأعلن انفصاله عن الدولة اللبنانية في 19 نيسان (أبريل) 1979 تحت مسمى دولة لبنان الحر في كنف السيطرة الكاملة الإسرائيلية.. عليه.
وقد بقي حداد قائدا للميليشيا حتى وفاته بالسرطان عام 1984 وخلفه أنطوان لحد.. وكان مقر لبنان الحر في مرجعيون وقليل من القرى المجاورة، وقد وصل تعداد هذه الميليشيا نحو بضعة آلاف معظمهم ممن لهم مواقف مضادة للأحزاب الوطنية اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية.. وظل حداد ثم لحد من بعده بإمرة إسرائيل في حماية احتلالها للجنوب إلى أن انسحبت منه عام 2000.. وقد فر معظم أفراد جيش لبنان الحر إلى إسرائيل أو أوروبا وبعضهم تم اعتقاله.
لقد لعبت المقاومة في الجنوب اللبناني دورها البطولي في إرغام إسرائيل على التخلي عن دويلة سعد حداد.. وكان من بين القوى المشاركة في هذه العملية حزب الله وأمل والحركة الوطنية اللبنانية والحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة التحرير الفلسطينية.
ومع أن حزب الله ظل يحاول أن ينسب إنجاز المقاومة الوطنية اللبنانية له فالواقع يخالف ذلك تماما، فقد كانت المقاومة من مختلف الأطياف شرسة في نضالها ضد إسرائيل ودويلة لبنان الحر، ومع الأيام تكشفت الحقائق باستغلال حزب الله لذلك الظرف التاريخي وقفزه على ظهر إنجاز المقاومة الوطنية اللبنانية التي أبقى الحزب على بعض مقاوميها للتغطية شكليا على أجندته الطائفية زاعما التنوع النضالي تحت مظلته فيما راح يستبعد شيئا فشيئا المقاومين من الأحزاب الأخرى وبما يمكن أن ندعوه الاصطفاء الطائفي على ملة الولي الفقيه في طهران وطال هذا التهميش والتنصيح حتى الأمين الأول للحزب صبحي الطفيلي. واغتيال إسرائيل للأمين اللبناني عباس الموسوي لتصفو القيادة للمحارب القديم في الحرس الثوري الإيراني حسن نصر الله المجاهر بفخره جنديا في ولاية الفقيه!
وهكذا تم استبدال دويلة لبنان الحر الإسرائيلية بدويلة حزب الله الإيرانية الصفوية التي لم تكتف ببضع قرى في الجنوب اللبناني بل احتلت "الضاحية" في العاصمة بيروت ومدت أذرعها الأمنية وصلف سلطتها وإرهاب قمصان ميليشياتها السوداء إلى الجبل والبقاع ونواح أخرى من لبنان الدولة.
ومع بؤس وسود عار عمالة دويلة لبنان الحر لدولة الكيان الصهيوني إلا أن سعد حداد وميليشياته ومجازره في صبرا وشاتيلا وزنازين التعذيب والاعتقال التي عرف بها.. لم تستطع الهيمنة على شرعية الدولة اللبنانية ولم تختطف سيادتها، ولا استطاعت تعطيل التنمية والاقتصاد أو فرض نفسها قيمة على الأمن والحراك الاجتماعي ولم تقو على نفث سموم الانقسامات أو إثارة الفتنة بين المسيحيين والشيعة أنفسهم.. وأن تصل إلى حد الضلوع في اغتيال الشهيد رفيق الحريري وعديد من ساسة وقياديي ومثقفي لبنان، بالتواطؤ مع النظام السوري فضلا عن الإيغال بالانصياع للعمل طابورا خامسا للولي الفقيه في طهران على حساب مستقبل لبنان واستقراره لصالح إيران وعميلها الآخر في دمشق والزج بآلاف الشباب ممن تورطوا في الانتماء لحزبه ليكونوا وقودا في حرب غاشمة تدار على جسد الشعب السوري وأرضه ظلما وبهتانا.
وهكذا.. فرغم حقارة وبشاعة خيانة حداد فإن المقارنة بين دويلة سعد حداد الإسرائيلية الصهيونية ودويلة حسن نصر الله الفارسية الصفوية لا ينفع معها القول: ما أشبه الليلة بالبارحة.. فكوارث حسن نصر الله ودويلته لم تنشر الرعب والخراب والدم والعنف والدمار في لبنان وسورية فحسب، لكنها استعرت إلى دول أخرى كالبحرين واليمن والسودان ومصر والعراق وحتى أمريكا اللاتينية.
هذا الهوس الصفوي لاستباحة دماء أوطان الآخرين في سبيل نشر خرافة الولي الفقيه الصفوي عبر تهجير ثورة الملالي المسروقة أصلا من ثورة الشعب الإيراني، هو بلا شك هوس ينتمي إلى ترهات العصور الوسطى حين كان البابا في روما آنذاك يحسب الخلق أجمعين عبيدا ورعايا مسخرين لنهمه في ربوبية بشرية لا وجود لها إلا في هلوسات ذهن "قروسطي" يماثله اليوم هلوسات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وهذا الذهن المريض للولي الفقيه الذي يصر على أنه متعال وبما يقطع تماما بانفصاله عن زمن أصبحت فيه حرية الأفراد والشعوب والأوطان هي المتعالية لأنها المقدمة والنتيجة لإنجازات كفاح الإنسانية وليست واحدية الولي المرشد وترهاتها ووبالها.
ومما لا شك فيه.. أنه مثلما ذهب سعد حداد وأنطوان لحد ودويلتهما إلى مزبلة التاريخ مكفنة بالعار مشيعة باللعنة، فإن حسن نصر الله ودويلته الخارجة على الدولة ليست استثناء في قدرتها على مواجهة فعل التاريخ الحي.. وسوف يكنسها من واجهته حتما.. لأن وظيفة التاريخ أن يمشي كما تملي عليه إرادة الأوطان والشعوب.. طال الزمان أو قصر!