واشنطن ونيودلهي واحتدام معركة الرسوم

جولات المفاوضات التجارية بين الهند والولايات المتحدة مستمرة، وفق تأكيدات المسؤولين الهنود، بالرغم من التطورات الدراماتيكية الأخيرة الآتية من بدء تنفيذ فرض رسوم جمركية أمريكية على السلع الهندية بنسبة 50%. لم تؤد أي جولة إلى أي تقدم في هذا الملف الحيوي ليس فقط للجانبين، بل للعالم أيضاً. فالخلافات بين الاقتصادات الكبيرة، تؤثر تلقائياً في المسار الاقتصادي العالمي، ولا سيما من جهة سلاسل التوريد، وروابط الجهتين مع الأطراف الأخرى.
ومن الواضح، أن الخطوط الحمراء التي أعلنتها نيودلهي لا تصب في إمكانية نجاح أي محادثات مع واشنطن. فالمطالب الأمريكية محددة، ولا سيما تلك التي تتعلق بالمشتريات الهندية من النفط الروسي. المشكلة الأكبر هنا، لا تنحصر بهذا الجانب فقط، بل تشمل اتهامات إدارة الرئيس دونالد ترمب للهند، بأنها تبيع النفط القادم من الاتحاد الروسي.
بعد بدء التعريفات الجمركية الأمريكية القاسية، زاد المسؤولون الهنود من زخم الحديث عما أسمه " الاعتماد على النفس"، أي التركيز على الإمكانات المحلية، في مواجهة الضغوط التي تسببها هذه الرسوم، في ظل ميزان تجاري بين البلدين لمصلحة الهند بالطبع. ففي العام الماضي بلغ حجم التبادل بينهما 129 مليار دولار، مع عجز أمريكي وصل إلى 46 مليار دولار تقريباً.
وهنا يكمن جزء من المشكلة. فإدارة ترمب تعمل تجارياً على الساحة الدولية من منطلق "رفع الظلم" الاقتصادي عن الولايات المتحدة. ولأن الأمر كذلك، فهي لا تفرق بين الدول الحليفة والصديقة والبلدان التي تجمعها معها علاقات مضطربة باتت تقليدية. لكن حتى لو اعتمدت نيودلهي "على النف"، فإن ضربات رسوم ترمب ستكون موجعة، ومن المتوقع أن تقضم 0.8 % من الاقتصاد الوطني.
لكن بلا شك، ستخفف الهند الوطأة إذا ما تمكنت في النهاية من مواصلة برامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأته بقوة في الآونة الأخيرة. فالحكومة الحالية حققت بالفعل خطوات عملية في هذا الاتجاه، ولكن يبقى عليها أن تحافظ ما أمكن لها، على توازن في علاقاتها التجارية سواء مع الولايات المتحدة أو غيرها. في ظل هذا المشهد، لا قيمة عملية للتعهدات التي أطلقت من الطرفين بداية العام الجاري، بإيصال حجم التجارة الثنائية إلى 500 مليار دولار بحلول العام 2030. فإذا لم تكن هناك اتفاقية تجارية واضحة، لن تشهد هذه التجارة أي تقدم. بل على العك، من المحتمل أن تعج بالاضطراب في الأشهر القليلة المقبلة على الأقل.
المواجهة التجارية بين أكبر وخام أكبر اقتصاد في العالم، ستستمر في الفترة المتبقية من العام الحالي، ولن يهدأ المسألة سوى تفاهمات واضحة، تأخذ في الحسبان مخاوف ترمب وأدارته تجارياً، وقلقه أيضاً من العلاقة المتنامية جداً بين الهند وروسيا، خصوصاً في ظل تعثر محاولات الرئيس الأمريكي للوصول إلى وقف للحرب الروسية الأوكرانية، التي يعول عليها لتحقيق منجزات سياسية شخصية. دون أن ننسى، أن نصف صادرات الهند باتت تحت رحمة التعريفات الجمركية المضاعفة. إن مسألة معقدة، ولكنها قابلة للحلول الوسط، إذا ما تم تقليل الخطوط الحمراء التي يتحدث عنها الجانب الهندي على وجه الخصوص.

كاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي