لائحة خدم المنازل أم هدم المنازل! (2 من 2)
لا نتطلع إلى صدور لائحة خدم المنازل إلا إذا استطاعت أن تلبي حاجة المستخدم، والمستخدم وحفظت حقوق الطرفين، ولا نريد تنظيم يزيد معاناة كل مواطن لديه خدم في منزله، فالمعروف عرفا كالمشروط شرطا وإن لم يذكر بالتفصيل في عقد الخدمة. فمثلا لا يمكن أن نقول إن السائق يعمل ثماني ساعات فقط في اليوم لأنه لا يعمل طوال الوقت مثل سائق الليموزين أو سائق في شركة، بل يستخدم في ساعات مختلفة أثناء الحاجة، أما باقي الوقت فهو في انتظار الحاجة يقوم بأعماله أو راحته من نوم أو مشاهدة تلفزيون أو غيره . كما أن المعروف مثلا أن السائق يبقى في المنزل طوال الوقت ماعدا يوم إجازته أو أثناء صلاة الجمعة، فلا يمكن أن يخرج كل يوم وليلة بعد الانتهاء من عمله إلا بإذن، هذا هو العرف.
والعرف أيضا يحدد أن الخادمة يقدم لها الطعام والشراب فلا يمكن أن يطلب منها دفع ثمن الوجبات المنزلية، ومن العرف أن تبقى الخادمة مع العائلة في المنزل وتخرج معهم أو برفقة الأولاد إلى المدرسة أو الملاهي.. مثلا، وليس من العرف أن تبيت خارج المنزل حتى لو كان يوم إجازتها إلا إذا كانت ممن له عائلة أو زوج مقيم. فلا يمكن أن نصدر تعليمات وتنظيما يخالفان العرف الجاري في المملكة، وينبغي على مكاتب الاستقدام أن تعرف الوافد بما هو متبع في البلاد لأن ما يلقاه مختلف عن ذهابه للعمل في دول أخرى لا تمانع أن تخرج الخادمة مثلا لتقضي الليل أو جزءا من النهار خارج المنزل بحريتها.
إن حل قضية عدم دفع الراتب في وقته يتمثل في فتح حساب بنكي لكل وافد، على الكفيل إيداع الراتب كل شهر وفي حالة طلب استخراج تأشيرة خروج أو خروج نهائي أو خلافه أو تجديد إقامة وعلى الكفيل تقديم نسخة مما يثبت دفعه الرواتب في مواعيدها وإذا لم يكن ملتزما فينبغي معاقبته وأيضا حرمانه من الاستقدام إذا لزم الأمر. إن هذه الطريقة ستظهر للجهات المسؤولة كثيرا من الوافدين الذين لا يعملون عند كفلائهم أو الذين لا يدفعون الراتب شهريا، كذلك سنعلم عن العاملين المقيمين الذين لا عمل لهم. إن كثيرا من الوافدين تمردوا لعلمهم بصعوبة وغلاء الحصول على تأشيرة فأصبحوا يضعون شروطهم إلى درجة استغلالنا إلى أبشع درجة.
وماذا عن الوافدين المقيمين في المملكة أنهم لا يستطيعون أن يستقدموا خدما لعائلاتهم وسيزداد عدد هذه الأسر المقبلة للقيام بالمشاريع الكبيرة التي نرغب في إقامتها فماذا سيفعلون؟ إنهم سيقومون بما قام به أسلافهم من تشغيل كل هارب ومقيم نظامي أو غير نظامي للحاجة لهم. إن معظم عائلات الوافدين وحديثي الزواج من المواطنين العاملين لا يحتاجون إلى خادمة في كل الشهر بل قد يحتاجون إليها ليوم في الأسبوع مثلا أو عند وقوع ظروف خاصة مثل المرض والولادة أو مناسبة كبيرة، لذلك لا خيار لهم إلا مخالفة الأنظمة لأنه لا بديل لديهم.
قبل سنوات كان خدم المنازل يهربون ثم يعملون بأسعار منخفضة، لذلك كان يشغلهم الوافدون والعائلات السعودية، أما اليوم فإن كثيرا منهم يشغلون الخادمات الهاربات ويخالفون جميع الأنظمة، لأنه لا بديل لهم، فالاستقدام مكلف جدا وغير ممكن في معظم الأحوال وحتى إذا تمكنوا من استقدام خادمة فهي عرضة للهرب وخسارتهم آلاف الريالات لوجود مسوقين ومحفزين لاستغلال الخادمات وتوظيفهم برواتب تفوق 1500 ريال وأكثر، خصوصا في المجمعات السكنية للأجانب، ولا يعملون إلا بالساعة أو ثماني ساعات في اليوم مع حريتهم الكاملة في التسيب والفساد، فماذا نحن فاعلون؟
إننا نرى كثيرا من المسؤولين لا يعطون هذه المشكلة حقها، ومن يراقب السوق يرى أن هناك نموا في السوق السوداء لخدم المنازل تديره عصابات من الوافدين ولا أعلم إن كان هناك مواطنون خلفهم أو يتسترون عليهم! ولكن ستصبح هذه السوق السوق الفعلية. يجب أن نسارع في بحث الحلول، ومن الحلول تسهيل استقدام خدم المنازل وتسهيل نقل الكفالات وجعل تكلفتها موحدة بصرف النظر عن نقلها لمرة أو أكثر، فليس من المعقول أن ندفع للدولة ستة آلاف ريال لأن السائق يحول كفالته للمرة الثالثة. علينا تشجيع إنشاء شركات سعودية خاصة ومساهمة لتقديم خدمة المنازل للجميع بأسعار تنافسية، جربوا وسنرى النتيجة وعندئذ نستطيع تطبيق العقوبات المالية والسجن على المخالفين حيث لا عذر لهم . وسيقوم كثير من العائلات الوافدة والمواطنين باستخدام خدمة هذه الشركات التي تكون مسؤولة عن الخدم سواء عملوا بالساعة أو اليوم أو الشهر أو السنة. ونستطيع أن نضع الضوابط لذلك ومن يده في الماء ليس كمن يده في النار ولا بديل لذلك، إلا تشجيع السوق السوداء للعمالة المنزلية بمباركة رسمية غير مباشرة لا خيار لهم فيها، أما التهديد وتطبيق العقوبات بدون إيجاد الخدمة النظامية هو هدر للوقت ونشر للجريمة والفساد .
إن وزارة العمل لا يمكنها العمل دون وزارة الداخلية في حل قضية خدم المنازل ولا يمكن لهما أن ينظّروا الحلول بل يجب أن تكون واقعية حتى لو غيرنا بعض التعليمات القائمة التي تجبر المواطن والمقيم على مخالفتها لحاجتهم الضرورية. إن وظيفة الأنظمة التي توضع هي خدمة المواطنين وتيسير أمورهم وتنظيمها وليس تعسير الأمور لتحقيق العقوبات وزيادة تكاليف الاستقدام والاستخدام للعمالة المنزلية.