العواقب غير المقصودة للقرارات الاقتصادية (1 من 2)
قد يتساءل القارئ هل هناك فعلاً آثار غير متوقعة أو مقصودة للقرارات الاقتصادية من قبل صانعي القرار؟ أليس من المفترض أن تكون النتائج المرجوة للقرارات الاقتصادية متطابقة إلى حد كبير مع الدراسات التي تم إعدادها من أجل اتخاذ هذه القرارات؟
في أدبيات علم الاقتصاد، يستشهد بقانون العواقب غير المقصودة عندما تكون تصرفات أو قرارات الحكومات ''وإلى حد ما الأفراد'' لها آثار غير متوقعة على مستوى الاقتصاد ككل. ويعتبر هذا القانون من إحدى اللبنات الأساسية في علم الاقتصاد، وكذلك بين علماء الاجتماع، وعادة ما يتم تجاهله بشكل غير متعمد من قبل متخذي القرار. في النصف الأول من القرن التاسع عشر، قام الصحافي الاقتصادي الفرنسي فريديريك باستيا بتعريف العواقب غير المقصودة في مقاله ''ما يرى وما لا يرى'': بأن هناك فرقا واحدا فقط بين الاقتصادي السيئ والاقتصادي المتميز. أن الأول يلزم نفسه بالأشياء التي لها تأثير مرئي وواضح، ولكن الآخر يأخذ في الاعتبار جميع الآثار المرئية وكذلك جميع الآثار التي يحتمل حدوثها.
من ناحية أخرى، هناك أسباب عديدة لعدم التنبؤ بحدوث الآثار غير المتوقعة، وللإيجاز قام عالم الاجتماع الأمريكي في عام 1963 بتحديد بعض الأسباب الرئيسة التي يمكن أن تكون غائبة عن أذهان متخذي القرار:
١. عدم المعرفة الكاملة: صعوبة توقع كل شيء قد تؤدي إلى دراسات ليست ذات تحليل عميق للمشكلة محل الدراسة.
٢. الخطأ: افتراض أن السياسات الاقتصادية التي كانت لها مفعول جيد في الماضي يمكن تطبيقها على الوضع الحالي.
٣. الاهتمام الفوري: عندما يقوم متخذ القرار بالتركيز على النتائج المرجوة الفورية لدرجة أنه يتم تجاهل أية آثار غير مقصودة، وهذا الجهل المتعمد يختلف عن الجهل غير المقصود الناتج من عدم المعرفة الكاملة.
٤. هزيمة الذات: أن الخوف من بعض العواقب المستقبلية نتيجة لعدم توافر المعلومات الدقيقة قد تدفع بعض الناس إلى إيجاد حلول قبل حدوث المشكلة، ولكن متخذ القرار من جهة أخرى يبني قراراته الاقتصادية على احتمال حدوث المشكلة.
لذلك، قانون العواقب غير المقصودة يوفر الأساس الذي يمكن من خلاله تقييم مدى فاعلية السياسيات الاقتصادية والمالية، وكذلك البرامج الحكومية. قد تكون الأهداف المعلنة لهذه السياسات ذات فوائد قيمة للاقتصاد ككل، ولكن عند النظر إلى الآثار غير المتوقعة من خلال التكاليف الفعلية والضمنية على أفراد المجتمع ككل نجد أن هذه البرامج غير مجدية في تحقيق الأهداف المرجوة. لذا قام العديد من الاقتصاديين بإجراء بعض التطبيقات لهذا القانون على بعض السياسات الحكومية، منها على سبيل المثال أن إنقاذ النظام البنكي خلال الأزمة المالية العالمية من قبل بعض الحكومات ربما لا تساعد هذه البنوك لكي تكون أكثر تحفظاً في قراراتها الاستثمارية في المستقبل، أو أن وضع حد أعلى لسعر سلعة معينة قد يؤدي إلى تقليل العرض لهذه السلعة من قبل التجار أو الصناع وبالتالي زيادة سعرها بشكل أكبر في الأسواق الموازية ''أو السوداء''. المقال القادم سيتطرق إلى تطبيق قانون العواقب غير المقصودة ''سواء كانت إيجابية أو سلبية'' على واقعنا المحلي من خلال مناقشة الآثار غير المتوقعة لبعض القرارات الاقتصادية والمالية.