تنويع الاقتصاد .. دروس من الماضي

أوصى خبراء صندوق النقد الدولي أخيرا بأن تدرس الحكومة السعودية خيار استحداث ضريبة عقارية على أساس القيمة السوقية للعقار، مع توقع أن تدر ما يعادل 1% من الناتج المحلي.
هذه التوصية تأتي في إطار الجهود المستمرة لتنويع مصادر الإيرادات غير النفطية، وهو أحد المحاور الرئيسية في رؤية السعودية 2030. لكن أي خطوة من هذا النوع تحتاج إلى أن تُوازن بين تحقيق الإيرادات وحماية النشاط الاقتصادي من التباطؤ. منذ قرون، أشار ابن خلدون إلى قاعدة اقتصادية ما تزال صالحة حتى اليوم..
انخفاض الضرائب يمكن أن يزيد من العائدات على المدى البعيد، في حين أن الضرائب المرتفعة قد تؤدي أحيانا إلى انكماش النشاط الاقتصادي. وركّز على أن ترشيد النفقات الحكومية هو السبيل الأمثل لتعزيز الإيرادات.
هذه القاعدة الفكرية تجد صداها في رؤية 2030، التي تركز على كفاءة الإنفاق بقدر تركيزها على تنويع الدخل. سياسة الرئيس رونالد ريجان في الولايات المتحدة مثلاً خفضت الضرائب وشجعت الاستثمار، لكنها زادت الدين العام. في المقابل، قاد لي كوان يو سنغافورة من الفقر إلى الازدهار من خلال جذب الاستثمارات، وتطوير الصناعة، دون الاعتماد على الضرائب.
أما الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، فنجح في الجمع بين الانضباط المالي والتحفيز الاقتصادي، محققاً فائضاً في الميزانية لأول مرة منذ عقود. هذه النماذج تبرز أن النجاح الاقتصادي لا يأتي من رفع الضرائب فقط، بل من إدارة التوازن بين الإيرادات والنفقات، وتوسيع قاعدة الاقتصاد الإنتاجي.
في السعودية.. يجري هذا التوازن بالفعل عبر مشاريع ضخمة لرؤية 2030، مثل نيوم، القدية، والبحر الأحمر، التي لا تهدف فقط لإيجاد إيرادات جديدة، بل لإعادة تشكيل الاقتصاد جذرياً، بحيث يكون أكثر تنوعاً واستدامة. كما أن برامج مثل تحفيز القطاع الخاص وتحفيز المستثمر الأجنبي تؤكد أن النمو المستدام يحتاج بيئة ضريبية ورسوم محفزة، واستحداث ضريبة عقارية قد يكون مفيداً إذا طُبّق بأسلوب ذكي بحيث يُوجَّه جزءا من إيراداتها إلى تطوير البنية التحتية والخدمات التي تزيد من قيمة الأصول العقارية نفسها، ما يحوّل الضريبة من عبء إلى استثمار غير مباشر.
لكن رفع الضرائب كحل سريع لتعزيز الإيرادات قد يتعارض مع فلسفة التحفيز الاقتصادي التي تحتاجها السعودية في مرحلة التحول الحالية. رؤية 2030 وضعت الأساس لمعادلة دقيقة.. تقليل الاعتماد على النفط، وتعزيز الإيرادات غير النفطية، مع الحفاظ على ديناميكية النمو. وفي ظل قيادة ولي العهد الأمير رئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان، فإن الاستفادة من الدروس التاريخية مع توظيف قوة المشاريع الوطنية الكبرى يمكن أن تجعل الاقتصاد السعودي نموذجاً عالمياً للتنويع الناجح.

رجل أعمال وكتاب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي