الاقتصاد السعودي ومنظور صندوق النقد
منذ إطلاق رؤية السعودية 2030 الهدف الأكبر منها كان في تنويع القاعدة الاقتصادية للسعودية، والتوظيف الأمثل للتركيبة العمرية للبلاد التي تمتاز بشريحه واسعة من الشباب حيث تمثل الفئة العمرية دون 35 عاما ما نسبته 71% من إجمالي السكان، أيضا يمثل الموقع الجغرافي للسعودية أحد محاور الرؤية لتعزيز إيجاد قطاعات جديدة ومساهمتها في قاعدة الاقتصاد.
كذلك سعت السعودية إلى تعزيز دور القطاع السياحي في الاقتصاد ككل استغلالا لتنوع بيئتها الطبيعية بين المناطق كافة، وتعزيز الدور السيادي لصندوق الاستثمارات العامة في التنوع الاقتصادي وتعظيم العائد الاستثماري لتلك الثروة السيادية واستقطاب المعرفة وتعريف قطاعات اقتصادية جديدة. أخيرا تسعى خطط الرؤية إلى توظيف الثروات الطبيعية لتعزز الاستدامة والنمو في الاقتصاد السعودي.
رحلة السعودية منذ أن أعلن ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان خطط الرؤية ومبادراتها، لم تكن سهلة ولم يتوقع منها أن تكون كذلك. فالسعودية تسعى إلى تغيير هيكلي في الاقتصاد يستغل الموارد، ويقلل التركيز الاقتصادي على الجانب النفطي الذي كان وما زال يخدم أهدافها في النمو والمالية العامة.
إلا أن كل تركز وإن طال أمده وعائده الإيجابي يعد من المخاطر التي يشار إليها عند أي تقرير على وجه العموم وهذا شكّل خطر التركز وسط التذبذب الكبير لأسعار النفط وحال السوق في السنوات الـ10 الماضية، إذا أزلنا أثر كوفيد المفاجئ بالأسعار السالبة، فالنفط وتحديدا برنت سجل 16 دولارا كأقل سعر للبرميل الواحد و 139 دولارا للبرميل كأعلى سعر للبرميل خلال عقد من الزمان، وفي المجمل كان متوسط سعر النفط عند 66 دولارا للسنوات الـ10 الماضية وفي أغلب الأحيان بحسب تقديرات إدارات الأبحاث الاقتصادية يتطلب أن يبقى النفط في معدلات مرتفعة لتعزيز المالية العامة والإنفاق، وهذا أساس ضرورة تنويع القاعدة الاقتصادية.
ظل صندوق النقد الدولي بطبيعته الدورية يتابع التطورات الاقتصادية للسعودية بحسب جدوله الزمني للدول الأعضاء إضافة إلى التقارير الدورية التي يصدرها عن الاقتصاد العالمي بما فيها السعودية، منذ أن عرفت خططها إلى العالم والأنظار تتجه لها وبالتأكيد أن صندوق النقد الدولي إحدى الجهات ذات الاختصاص التي تتابع مجريات الاقتصاد العالمي.
منذ تجاوز العالم أزمة كوفيد 19، عاد الاقتصاد السعودي للتعافي بشكل أسرع من تقديرات الصندوق على عدد من الأوجه الاقتصادية، النمو، الإنفاق، سوق الوظائف والقطاعات الأخرى ذات التأثير وفي مناسبات مختلفة منذ ذلك الوقت كانت النتائج الاقتصادية للبلاد قد تفوقت على تقديرات الصندوق.
تضمن تقرير مشاورات المادة الرابعة لعام 2025 تغطية واسعة لأهم ملامح الاقتصاد السعودي الذي أظهر استقرارا وسط تقلب المزاج العام الاقتصادي وخصوصا النفط مع تركيز صندوق النقد الدولي على تحفيز موارد المالية العامة بعناصر إضافية تعزز التنوع وهذا طبيعي كمنظور شمولي عام.
أبقى الصندوق على نظرته الإيجابية لمساهمة الطلب الاقتصادي المحلي على النمو في ظل تقلب الظروف الاقتصادية العالمية المؤثرة في الاقتصاد، وفي ذات الوقت أكدت الحكومة على استمرار خططها في الإنفاق ما سيعزز النمو الاقتصادي خصوصا أن خطط الإنفاق كانت إحدى النقاط المترقبة من المتابعين للشأن الاقتصادي ما يضيف طمأنينة إضافية للوصول إلى النمو المستهدف.
أبقت السعودية على نظرتها الإيجابية للنمو، الإنفاق والاستدامة المالية واستقلالية الرأي، وحددت مواطن الفروقات بين ما تراه الحكومة وخبراء الصندوق، ما يعزز استقلال منظور الدولة لخططها وقراراتها الاقتصادية والمالية مع التوافق بقراءة صندوق النقد.
الرئيس التنفيذي للاستثمار BLME