خافيير بلاس: رغم كل شيء ما زال ارتفاع أسعار النفط بعيد المنال
أسعار النفط ستشهد مزيداً من الانخفاض قبل أي انتعاش
عندما لا يصيب رهان ما، يميل المستثمرون في العادة إلى التمسك به، مقنعين أنفسهم بأن التداول قصير الأجل كان يهدف دوماً إلى أن يصبح استثماراً طويل الأمد. ويُعد هذا النوع من تضليل النفس الأكثر سهولة في أسواق السلع الأولية؛ فطابعها الدوري يعني -حتماً- أن السعر المرتفع سينخفض في النهاية، والعكس صحيح. كل ما يحتاجه الأمر هو الصبر، والقدرة على تحمل الخسائر مهما طالت.
في ظل انخفاض أسعار النفط القياسية بنحو 20% خلال العام الماضيين، لا يزال المستثمرون المتفائلون في حالة انتظار بدافع الضرورة. بل وأصبح شعار "نظل متفائلين" (We remain bullish) رائجاً على منصات التواصل الاجتماعي، مخالفاً بذلك حقيقة أن معظم بنوك "وول ستريت" لا تزال متشائمة بشكل حازم بخصوص 2026.
إن كان لرأيي وزن، فأنا متشائم أيضاً في المدى القصير. لكن هذا لا يعني أن أسعار النفط، والأسهم المرتبطة بسوق الطاقة، لن تنتعش في النهاية.
طريق الارتفاع طويل
أوجز علي النعيمي، الذي شغل منصب وزير النفط السعودي لأكثر من 20 عاماً، حياته المهنية ذات مرة بوصفها رحلة من تقلب الأسعار، وقال في 2016، قبل تقاعده مباشرةً: "على مدى العقود السبعة التي قضيتها في القطاع، شهدتُ النفط يُباع بأقل من دولارين للبرميل، وبسعر 147 دولاراً للبرميل، وكثيراً من التقلبات بينهما". ولا تزال حكمته صالحة في الوقت الراهن.
لكن انتظار انتعاش الأسعار سيحتاج إلى جبل من الصبر، وتحمل تكاليف كبيرة للفرص البديلة. وينطبق ذلك بالأخص على كل من اشترى النفط بسعر أعلى من 100 دولار للبرميل، بالنظر إلى أن السعر يلامس 65 دولاراً حالياً. بل إن الوضع أكثر سوءاً فيما يخص جانب الأسهم، إذ جرى تداول أسهم شركات النفط صغيرة ومتوسطة الحجم بمكررات ربحية مبالغ فيها خلال 2022 و2023، ومنذ ذلك الحين، انخفض كثير منها ما بين 20% و50%.
لن يكون التعافي من هذه الانخفاضات سهلاً. فالانخفاض الكبير السابق في الأسعار يوضح أن الطريق أمام المتفائلين حافل بالصعوبات؛ فقد تراجع سعر خام برنت دون 100 دولار في 9 سبتمبر 2014، ولم يعُد إلى هذا المستوى حتى 28 فبراير 2022. مرت 7 سنوات و5 أشهر و19 يوماً شاقة ومكلفة، قبل التمكن من إعلان النصر.
عوامل تدعم ارتفاع أسعار النفط
يمكن رسم صورة تحمل قدراً طفيفاً من التفاؤل بشأن أسعار النفط، في موعد أقربه 2027 على الأرجح، وبدرجة أكبر في 2028 و2029، في ظل عاملين رئيسيين.
الأول؛ لا يزال نمو الطلب العالمي على النفط قوياً في الفترة الحالية رغم تباطئه، ولا يفصله فارق كبير عن متوسط الارتفاع في المدى الطويل خلال 20 عاماً بنحو 1.1 مليون برميل يومياً. وما لم نشهد كساداً عالمياً، فالأرجح أننا وصلنا قاع نمو الطلب.
الثاني؛ أن انخفاض الأسعار السائدة سيؤدي إلى تراجع الاستثمار، وبالتالي، إنتاج الدول غير الأعضاء في تحالف "أوبك+" في المستقبل. وقد بدأ قطاع النفط الصخري الأمريكي، الأكثر حساسية لانخفاض الأسعار والأسرع تجاوباً معها، بالفعل في دق أجراس إنذار خفض الإنتاج؛ فكشفت "دايموند باك إنرجي"، أكبر منتجة للنفط الصخري الأمريكي، في وقت سابق من هذا الأسبوع أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط واجه انخفاضاً "حتمياً" بعد تقليص الشركات وتيرة التنقيب.
تشير توقعات عرض وطلب النفط لعامي 2026 و2027 إلى أن مراقبي السوق بدأوا في الأسابيع الماضية خفض تقديراتهم للإنتاج العالمي خلال العامين المقبلين. وهذه إشارة مهمة إلى أن نقطة التحول قد تقترب. علاوة على ذلك، فمع رفع دول "أوبك+" الإنتاج، سيُستنزف ما تبقى من الطاقة الإنتاجية الفائضة، وهذا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار عادةً. وأخيراً، كانت مخزونات الخام العالمية عند مستويات منخفضة قبل وصول تخمة المعروض إلى السوق، ما حد من عمليات التخزين.
أضف إلى هذا المزيج المتفائل عوامل مجهولة محتملة أخرى؛ إعصار يعطل إنتاج النفط في خليج المكسيك في الولايات المتحدة، أو شتاء بارد يرفع الطلب، أو حتى اندلاع حرب في دولة منتجة للنفط، وفضلاً عن ذلك، هناك دونالد ترمب؛ فكل ما يفصل بين سوق نفط تواجه تخمة كبيرة وأخرى تعاني نقصا هائلا هي رسالة ينشرها الرئيس على منصات التواصل الاجتماعي يعلن فيها فرض عقوبات نفطية حقيقية على إيران وروسيا، وبالتالي، قد تصيب توقعات المتفائلين إذا ساعد البيت الأبيض.
لسوء حظهم، أوضح ترمب أنه لا يفضل أسعار النفط المرتفعة، رغم فرضه رسوماً جمركية إضافية 25% على الصادرات الهندية الأربعاء عقوبة على استمرارها في شراء النفط الروسي.
انخفاض الأسعار ضروري قبل ارتفاعها
إذا جمعت كل هذه العوامل معاً، هناك احتمال كبير أن يتحقق الرهان على أن أسعار النفط سترتفع خلال ما بين 18 و24 شهراً، لنفترض أنها ستتجاوز نطاقاً يراوح بين 75 و80 دولاراً للبرميل. وماذا عن سعر 100 دولار للبرميل؟ هذا غير مرجح. ماذا عن أسعار قياسية تتجاوز مستوى 150 دولاراً للبرميل؟ ليس مستحيلاً، لكنه مستبعد.
لكن هناك مقابل مثير للقلق؛ فبعض العوامل الدافعة لارتفاع أسعار النفط تقتضي انخفاضها أولاً، وليتوقف نمو إنتاج الدول غير الأعضاء في "أوبك+"، أو يتراجع حتى، يحتاج القطاع للمرور بفترة صعبة تراوح فيها الأسعار ما بين 50 و60 دولاراً، ما سيقنع مجالس إدارات الشركات كافةً بتقليص الاستثمار. وليستنزف "أوبك+" الطاقة الإنتاجية الفائضة الحالية، عليه رفع الإنتاج أولاً، ما سيؤدي إلى تراجع الأسعار. الخلاصة أنه لتصبح متفائلاً في المدى المتوسط، عليك أن تكون متشائماً في الأجل القصير.
تحديات أخرى
هناك عقبات أخرى، فرغم أن الطلب على النفط لا يزال قوياً، فمعدل نموه على مسار انخفاض هيكلي نظراً للتغيرات في بنية الاقتصاد الصيني، إضافة إلى انتشار السيارات التقليدية الأكثر كفاءة في استهلاك البنزين، والمركبات الكهربائية. وكلما تأخر بدء دورة ارتفاع الأسعار، زاد الخطر المتمثل في ألا يكون نمو الطلب كافياً لإعطاء دفعة للأسعار.
وقد يفاجئنا ارتفاع إنتاج الدول غير الأعضاء في "أوبك+" أيضاً، بالأخص بعيداً عن قطاع النفط الصخري الأمريكي، إذ إن المشاريع في غيانا، والبرازيل، وكندا، وأوغندا، والنرويج، والصين ستضيف مزيداً من الإمدادات خلال الأعوام المقبلة، بغض النظر عما يحدث للأسعار. ربما يتباطأ نمو إنتاج الدول غير الأعضاء في التحالف، لكنه لن ينخفض.
الأسعار الحالية ستستمر
لذلك، بينما يمكننا التفاؤل بشأن آفاق النفط خلال العامين المقبلين، فإن اتخاذ مركز شراء في عقود برنت الآجلة تسليم ديسمبر 2027 (كمثال على رهان شائع) يحتاج إلى استعداد كبير لتحمل خسائر صورية محتملة خلال هذه الفترة.
أما في الوقت الراهن، فكل العوامل تشير إلى تراجع الأسعار خلال الأشهر القليلة المقبلة، ولا سيما بعد انحسار الطلب الموسمي خلال فصل الصيف في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. ستُرسي الأسعار المنخفضة حالياً بشكل تدريجي أسس الارتفاع الدوري القادم، لكنه لا يزال بعيداً جداً.
كاتب عمود في مجال الطاقة والسلع في بلومبرغ.
خاص بـ "بلومبرغ"