القضاء السعودي والمصالح السياسية
يعتبر القضاء أعلى وأهم سلطة في أي دولة, كما أن استقلالية القضاء تأتي في مقدمة المعايير والمؤشرات لقياس مدى تقدم الدول وتحضرها واستقلالها. ويعتبر التدخل في الأحكام القضائية سواء لمحاولة التأثير أو التغيير عملا مستهجنا ومثيرا للاستفزاز, سواء كانت محاولة التأثير والتغيير في الأحكام القضائية من الداخل أو من قوى خارجية. وتعتبر السلطة القضائية في بلادنا من أكثر السلطات القضائية استقلالية ونزاهة على مستوى العالم, وأحكامها نافذة على الجميع ولا يمكن التأثير فيها أو تغييرها تحت أي ظرف أو مسوغ ـــ ولله الحمد. ومنذ توحيد المملكة على يد المغفور له - بإذن الله - الملك عبد العزيز إلى عهد الملك عبد الله, حفظه الله, واستقلالية القضاء ونفاذ أحكامه مكفولة ومضمونة ولا تخضع لأي معيار سياسي أو مصلحي مهما علا شأنه. ومن هذا المنطلق يأتي أسف حكومة المملكة العربية السعودية, الذي عبر عنه مصدر سعودي مسؤول, حيال تصريحات جهات دولية عديدة, تجاه حكم قضائي في قضية جنائية بحتة, قائمة على أدلة وبراهين قطعية لا تحتمل أي تفسير مغاير لما تم التوصل إليه.
فالتصريحات الصادرة عن كل من الأمين العام للأمم المتحدة وعن نائبة رئيس المفوضية الأوروبية والممثلة العليا للاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية والأمن والمتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان للأمم المتحدة وعدد من الجهات والهيئات الأجنبية, أقول تصريحاتهم أتت قبل أن يتبينوا حقيقة القضية وأركانها وحيثياتها وحقائقها وملابساتها. كما أتت التصريحات وكأنها تتقصد تضليل الرأي العام العالمي والغربي بالأخص. فعند العودة إلى التصريحات المنشورة للجهات المتعددة المذكورة في بداية الفقرة نجد أنها تركز وبشكل يثير تساؤلات عديدة على سن العاملة المنزلية السريلانكية أثناء ارتكاب الجريمة. فمعظم الجهات التي انتقدت الحكم القضائي تصر على أن عمر العاملة أثناء ارتكاب الجريمة كان 17 سنة, بينما جواز سفر العاملة يشير وبكل وضوح إلى أن عمرها كان 21 سنة. وحقيقة أن سن العاملة كان 21 سنة حسب جواز السفر تم إغفالها ولم يتم التطرق لها في كافة الصحف ومواقع الإنترنت الغربية التي تابعتها وقرأتها. والغريب أيضا, أن تبني المفوضية العليا لحقوق الإنسان للأمم المتحدة, موقفها من قضية العاملة بناء على ''تقارير تسلمتها'' تتحدث عن الظروف غير الطبيعية أثناء المحاكمة. ولا أعلم ما مصادر هذه ''التقارير'' المزعومة, ولكن الأكيد أن العاملة حصلت على ''دفاع رسمي, كما تابعت السفارة السريلانكية مجريات القضية, إضافة إلى إحاطة مسؤولي دولتها الذين قاموا بزيارة المملكة ومنهم النائب العام السريلانكي بكافة الظروف والملابسات والإجراءات التي صاحبت القضية منذ بدايتها''. كما أبدت الحكومة السريلانكية شكرها وتقديرها لكافة الجهود الحثيثة من قبل أعلى المستويات لإقناع أولياء الدم باعتبارهم أصحاب الحق الأول في العفو أو قبول الدية والتنازل عن حقهم الخاص.
كثيرون في المجتمع الدولي لا يعجبهم استقلال القضاء السعودي, وأكثر منهم من لا يعجبه تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء على القتلة والسارقين والزناة. وكثير من المراقبين لا يستوعبون حقيقة أن المملكة العربية السعودية ذات نظام قضائي مستقل ولا يمكن إخضاع أحكامه لميزان المصالح السياسية والاقتصادية. هذا النظام القضائي العادل الذي لا يفرق بين غني أو فقير, بل لا يفرق بين حاكم ومحكوم. نظام قضائي تحميه وترعاه دولة عظيمة مستقلة وذات سيادة مطلقة على أراضيها ولا تسمح لأي مصدر بالتأثير والتشويش على قرارات القضاة والمحاكم.
إن النظام القضائي في بلادنا القائم على الشريعة الإسلامية الغراء, والذي يتمتع باستقلالية تامة, وبصلاحيات قضائية مطلقة, والذي تنفذ أحكامه على الجميع وبلا استثناء, مصدر فخر واعتزاز واطمئنان لكل سعودي وسعودية. ومهما حاولت بعض وسائل الإعلام الغربية تشويه صورة القضاء السعودي وأحكامه القائمة على الشريعة الإسلامية الغراء, تظل الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها ماثلة وحاضرة أمام الجميع, هذه الحقيقة التي مفادها أننا ننعم بالأمن والأمان والاستقرار. هذا الأمن الذي نعيشه في المملكة, والذي تفتقده أكثر دول العالم تقدما وحضارة وعلما, ما كان ليتحقق لولا توفيق الله ثم استقلال نظامنا القضائي القائم على هدي القرآن وسنة الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم.