روسيا والهند والصين.. لماذا لن ينجح إحياء التحالف الثلاثي؟
حرب ترمب التجارية دفعت الدول الـ3 إلى التقارب لكن انعدام الثقة بينها مترسخ
روسيا والهند والصين.. لماذا لن ينجح إحياء التحالف الثلاثي؟
التباينات الاقتصادية والنزاع الحدودي بين الهند والصين عوامل تقلل فرص نجاح التحالف الثلاثي
الهند ستكون الشريك الأصغر إذا انضمت إلى تحالف بين الدول الـ3 وهي فكرة تفتقر إلى الجاذبية
قيام تحالف بين بكين ونيودلهي وموسكو قد يشكل تحدياً للولايات المتحدة خاصة إذ تمخض عن تقارب في المواقف
طُرحت في التسعينيات فكرة تشكيل تحالف بين روسيا والهند والصين، باعتباره ثقلاً موازناً للولايات المتحدة، وتعود الفكرة إلى الظهور حالياً بصفتها وسيلة تُمكّن الدول الـ3 من تجاوز محنة الحرب التجارية التي يشنها الرئيس دونالد ترمب. لكن الشكوك القديمة تعني أن استمرار هذا التحالف مستبعد، ورغم المشكلات المشتركة مع واشنطن، فالشراكة أقرب إلى زواج المصلحة.
ستتضح هذه الحقيقة الأسبوع الجاري، عندما تجتمع القوى النووية الـ3 في تيانجين لحضور قمة "منظمة شنغهاي للتعاون". يحث الكرملين على عقد اجتماع ثلاثي طال انتظاره، ولو دبت الحياة من جديد في هذا التحالف الثلاثي، سيبعث ذلك برسالة قوية مفادها أن القوى الجيوسياسية الكبرى توحد صفوفها أمام الضغط الأمريكي، لكن هذه النتيجة مستبعدة في ظل التوترات الكامنة بين الهند والصين، والفروق الاقتصادية بين الدول الـ3.
الهند تتلقى الضربة الأقوى من رسوم ترمب
يقع الضغط الأشد وطأة على عاتق الهند، فبعدما كانت شريكاً رئيسياً للولايات المتحدة حتى الآونة الأخيرة، باتت تتحمل الجزء الأكبر من عبء رسوم ترمب الجمركية، إذ ضاعف التعريفة الجمركية على صادرات الهند إلى 50%- من المقرر أن يبدأ سريانها ابتداء من 27 أغسطس- عقوبةً على وارداتها من النفط الروسي.
رغم أن بكين، الهدف الأساسي لواشنطن في الأصل، تحظى بمهلة تعليق مؤقت للرسوم الجمركية، فهي عالقة في منافسة إستراتيجية طويلة الأمد. أما روسيا، التي أنهكتها العقوبات وتورطت في مستنقع أوكرانيا، فتبحث عن حلفاء لتخفيف عزلتها.
كانت موسكو أول من ابتكر فكرة التحالف الثلاثي في التسعينيات، عندما اقترح رئيس الوزراء آنذاك يفغيني بريماكوف تشكيل التحالف لمواجهة النفوذ العالمي للولايات المتحدة. بدا التحالف بالغ القوة من الناحية النظرية، إذ سيجمع 3 دول باقتصادات ضخمة وعدد سكان هائل، أما من الناحية العملية، فطالما أضعفه عدم الثقة، بالأخص بين الهند والصين الخصمتين.
الهند والصين ونزاع حدودي يهدد التحالف الثلاثي
يُعد النزاع الحدودي طويل الأمد من أهم نقاط الخلاف بين البلدين، إذ يتنازعان على منطقة حدودية لم يُحسم ترسيمها بطول 3,488 كيلومتراً (2,170 ميلاً) في منطقة جبال الهيمالايا، وقد تصاعدت هذه التوترات لتتحول إلى حرب في 1962، ولا تزال نيرانها متقدة حتى الآن. واندلعت اشتباكات عنيفة بين البلدين في 2020 في وادي غالوان في منطقة لاداخ، وأسفرت عن مقتل جنود من الجانبين خلال أعنف قتال منذ عقود. جُمدت العلاقات الدبلوماسية، وعلقت نيودلهي إصدار التأشيرات السياحية للمواطنين الصينيين، وفرضت قيوداً على واردات التكنولوجيا.
لكن رسوم ترمب الجمركية دفعت الدولتين إلى التقارب، واتفقتا الأسبوع الماضي على دراسة ترسيم الحدود المتنازع عليها، ما يمثل خطوة مهمة نحو حل النزاع الحدودي. كما تراجعت التوترات المرتبطة بالتأشيرات، وأعربت الصين عن تضامنها مع الهند فيما يخص الصادرات.
قلق في الهند من العلاقة بين الصين وباكستان
مع ذلك، لا يمكن استبعاد احتمال نشوب مواجهات في المستقبل، ولا يُرجح أن تتلاشى التناقضات الجوهرية في ديناميكية العلاقة بين البلدين قريباً، وفقاً لما أوضحه هابيمون جاكوب، مؤسس ومدير مجلس الأبحاث الاستراتيجية والدفاعية (CSDR)، في مقال في صحيفة "هندوستان تايمز". ورغم احتمال تجنب اندلاع أعمال عنف خطيرة في الوقت الراهن، يظل التقارب الدائم مستبعداً، فمن الصعب على نيودلهي أن تثق تماماً بنوايا بكين، بالأخص في ظل نهجها العسكري الصارم في مناطق مثل بحر الصين الجنوبي وتايوان.
كما أن علاقة الصين الوثيقة مع باكستان تتجاوز الحد اللازم لطمأنة الهند، إذ أصبحت بكين أهم شريك عسكري لإسلام آباد منذ نهاية الحرب الباردة، وقالت إسلام آباد إنها استخدمت مقاتلات "جيه 10 سي" (J-10C) الصينية في إسقاط 5 طائرات حربية هندية، خلال النزاع بين باكستان والهند في مايو، كما قالت نيودلهي إن الصين قدمت لخصمها الدعم بالدفاع الجوي والأقمار الصناعية. ويفاقم هذا التوافق مخاوف الهند الأمنية، ويعزز القناعة بعدم إمكانية الثقة بالصين.
تباين التعاون الاقتصادي بين موسكو وبكين ونيودلهي
بغض النظر عن الجانب الأمني، فالمنطق الاقتصادي ليس في صالح نيودلهي؛ فالهند تعتمد على التكنولوجيا، ورأس المال، وسلاسل الإمداد الأميركية، ولا يمكن لروسيا ولا الصين تعويض ذلك. كذلك، تُعد الولايات المتحدة السوق الأهم للمنتجات الهندية بفارق كبير عن غيرها، إذ بلغت قيمة مشتريات المستهلكين من البضائع الهندية 77.5 مليار دولار في 2024، بحسب تقرير صدر عن "بنك أوف بارودا" (Bank of Baroda)، في المقابل، لم تمثل الواردات إلى الصين وروسيا سوى جزء ضئيل من هذا المبلغ.
على النقيض من ذلك، ترتبط موسكو بعلاقة أوثق بكثير مع بكين، فمنذ فرض العقوبات الغربية على روسيا في 2014 بعد ضم شبه جزيرة القرم، ارتفعت التجارة الثنائية بين البلدين إلى مستويات غير مسبوقة، وتجاوزت 200 مليار دولار العام الماضي. كما يتزايد ارتباط الشركات بالنظام المالي الصيني عبر استخدام اليوان، والاستعانة بخدمات مثل بطاقات "يونيون باي" (UnionPay). أما بالنسبة لنيودلهي، فإن الانضمام لهذا التكتل يعني أن تصبح الشريك الأصغر، وهو احتمال يفتقر إلى أدنى قدر من الجاذبية.
التحالف الثلاثي قائم على الضرورة
لكن ذلك لم يمنع موسكو من السعي إلى إحياء الفكرة، وصرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مايو بأن "الوقت قد حان لإحياء" فكرة التحالف الثلاثي، كما دعمت بكين المبادرة، مشيرة إلى أن التحالف قد يدعم السلام، والأمن، والاستقرار في العالم.
قد تمثل عودة فكرة التحالف إلى الظهور تمثل تحدياً أمام الولايات المتحدة إذا أسفر عن مواقف أكثر تنسيقاً، لكن ما يجمع هذه الدول هو الضرورة، لا الثقة. ورغم أن الاجتماع في تيانجين سيتيح الفرصة لإظهار دفء العلاقات، لكن طابعه سيكون رمزياً أكثر من كونه جوهرياً. إنها شراكة هشة بطبيعتها، قد تتفكك إذا تراجع الضغط الأمريكي.
كاتبة في بلومبرغ تغطي السياسة الآسيوية مع التركيز بشكل خاص على الصين. كانت مذيعة بي بي سي الرائدة في آسيا وعملت لدى بي بي سي في جميع أنحاء آسيا وجنوب آسيا لمدة عقدين من الزمن سابقا
خاص بـ "بلومبرغ"