ضغوط الرسوم على الاقتصاد الألماني
العيون في أوروبا تحدق في الاقتصاد الألماني، ولا سيما بعد "موقعة" الرسوم الأمريكية التي شملت الجميع. صحيح أن اتفاقات تجارية تمت بالفعل مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، لكن الصحيح أيضاً، أن حالة عدم اليقين لا تزال حاضرة على الساحة، خصوصاً في نطاق تفاصيل الاتفاقات ومستقبل تنفيذها. كما أن هناك، مساحات اقتصادية لا تزال خارج نطاق هذه الاتفاقات، وارتبطت تلقائياً بجودة التنفيذ، بما في ذلك مسار الاستثمارات الأوروبية الموعودة في الاقتصاد الأمريكي. الاقتصاد الألماني يبقى الأكثر محورية على الساحة الأوروبية، ليس من جهة حجمه فحسب، بل من المشاكل التي يمر بها منذ عدة سنوات، ما يجعل عبء الرسوم الأمريكية قوياً عليه، مع انكماش بلغ 0.3 % في الربع الثاني، وتراجع ملحوظ في وتيرة الإنتاج.
ثالث أكبر اقتصاد في العالم، هو حالياً في منطقة الركود، وكل المؤشرات تقريباً تجمع على أنه لم يتعاف قبل منتصف العام المقبل على الأقل، علماً بأن الأمر ليس كذلك في الاقتصادات الـ3 الرئيسة في أوروبا (فرنسا وإيطاليا وإسبانيا)، وإن تشهد هذه الاقتصادات ضعفاً واضحاً. فاقتصاد ألمانيا حالياً وصل إلى مستوى أقل مما كان عليه في العام 2019.
والرسوم الأمريكية الأخيرة عززت هذه الحالة، في الوقت الذي يعيش فيه البنك الأوروبي حالة من الارتباك في مسألة التعاطي مع مستويات الفائدة، التي خففها بصورة متواضعة أخيراً. والذي يزيد من تعقيد المشهد، أن اليورو مازال قوياً أمام العملات الرئيسة الأخرى، ما رفع من حدة الضغوط على الصادرات الأوروبية عموماً، والألمانية على وجه الخصوص.
التأثيرات والمؤثرات كبيرة في أكبر اقتصاد أوروبي. فإلى جانب الساحة التجارية التي ستبقى مضطربة لفترة لن تكون قصيرة، هناك سعر صرف العملة الأوروبية، والرابط مع التيسير النقدي وأوضاعه. إنها عوامل مهمة وقوية، تضع مزيداً من علامات الاستفهام، حول التعافي لهذا الاقتصاد.
والمخاوف ترتفع بقوة أيضاً، حول الأوضاع الحالية للشركات المتوسطة على الساحة الألمانية. فهذا النوع من الشركات يتصدر المشهد في قائمة "ضحايا" الرسوم، في ألمانيا وعلى مستوى العالم، ما يوسع نطاق عدم اليقين في الاقتصاد الألماني عموماً. الضغوط آتية من كل الاتجاهات، وعلى المشرعين الألمان ومعهم الأوروبيين، التحرك في كل الاتجاهات، للتقليل من آثار الرسوم الأمريكية، والعمل على دفع النمو إلى الأمام، دون المخاطرة بمستويات التضخم في اقتصاد اليورو.
المسألة معقدة ومتشابكة. فالرسوم الأمريكية التي تبلغ حالياً (بعد الاتفاقات) 15 %، تعد عالية بالفعل. وإذا ما عرفنا أن ألمانيا تصدر أكثر من 10% من إنتاجها إلى الولايات المتحدة، يمكن تصور التأثير السلبي في النمو المأمول في هذا البلد.
في الربع الأخير من العام الحالي، لا بد أن تحدث نقلة ما على الساحة الألمانية، تضمن على الأقل عدم استمرار الركود إلى نهاية السنة المقبلة، وإلا فإن "رجل أوروبا المريض"، بحسب الوصف الأوروبي لألمانيا، سيواصل مواجهته للاضطرابات والتقلبات وعدم اليقين لفترات أطول.