الموتُ قاهرٌ
هكذا نُزرَعُ في أرض الدنيا، ثم يجيء الموتُ فيَحْصُدنا بلا سابق ميعادٍ أو إنذار، إذ الموتُ ينسِّفُ كل نواميس الحياة، بل ينسف الحياة ذاتها في أول لقاءٍ بينهما، إذ خلق الله الموت قبل أن يخلق الحياة..!
قالَ الحيُّ الباقي « إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » (24) سورة يونس.
وقال أيضاً « وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا » (45) سورة الكهف.
إذنْ، فلا مَهْرَبَ للأحياء من سَهم الموت، فهو سهمٌ قد انطلق من قوس القدر، منْ لحظة أنْ قذفتنا الأرحام إلى الدنيا، والمسافة التي يجتازها ليقبض أرواحنا هي مدة بقائنا في هذه الحياة، وعليه فليس أمامنا إلا اليقين بمجيئه في أي وقت، صحيح أنَّهُ يفرق الأحبة ويقطع الصُّحبة، ولكنه حُكم الخالق على المخلوقين، ولا بد لحكم الحق أن ينفذ على رقابِ الخلق، فهو اليقين الجازم الذي لا يحتمل الشك.
في كل يوم يقَطَفُ الموتُ منا حبيباً كان مفعماً بالحياة، كان يملأً الأروقة نشاطاً وأملاً، ولم نكن نعلم ولم يكن يعلم أن الموت يَترَصَّدُه، حتى وقع خبرُ رحيله على قلوبنا كالصاعقة فأدماها، وعلى نفوسنا فأعياها، وعلى عيوننا فأبكاها، إجلالاً لمن شغل في أفئدتنا منزلة الأخ والصديق، وضعفاً منا في مواجهة جبروت الموت، إذ نحن ضعافٌ جداً في مواجهة الموتِ ولو كنا أشداء!.
أيها الأخ الراحل.. كَمْ يعزُّ علينا فارقك، ولكنَّ الله أراد ذلك، ولا بد من النزول على إرادته سبحانه بالإيمان والرضا، ونعلمُ أنك ستترك فراغاً كبيراً بين أصدقائك وزملائك، ولكن سلوانا نتلمسها من سيرتك الطيبة وشخصيتك المؤثرة ومآثرك الطيبة، ولتعلم أن لك عندنا واجب الدعاء والاستغفار كما أمرنا ديننا بذلك.
اللهم اقبضنا إليك وأنت راضٍ عنا.