هل حان وقت مشاركة الإخوة المقيمين في الاكتتابات؟
ما يلفت النظر في دول العالم الأول – إذا جاز التصنيف – هو ضيق الفجوة بين حقوق وواجبات المواطن والمقيم، وهذا ما نستشعره كسعوديين عندما نسافر إلى تلك الدول بغرض السياحة أو الدراسة أو الاستثمار، بل إن الأمر يتعدى هذا حيث تتيح هذه الدول للمقيم أكثر من مسار يمكنه أن يصبح مواطنا له كامل حقوق المواطن الأصلي، وهذا بطبيعة الحال يؤدي إلى تمازج وانسجام وشراكة بين المواطن والمقيم في دفع عجلة التنمية رغم الرفض الاجتماعي لهذا السلوك الرسمي في بعض الأحيان.
وهذا الوضع ليس مقصورا على الدول المتقدمة غير العرقية والتي تكونت بفعل الهجرات المتتابعة كالولايات المتحدة وكندا، بل هو موجود وواضح في دول أوروبية عرقية كألمانيا وبريطانيا وفرنسا، نعم جميع هذه الدول تمنح قوانينها المقيم حقوقا وواجبات تكاد تساويه بالمواطن – خاصة من أمضى بضع سنوات - رغم الاختلاف في الدين واللغة والعرق، كما تمكنه من اكتساب الجنسية بطرق عدة (الولادة، الإقامة، الزواج، الاستثمار.. إلخ،) بينما تتسع الفجوة بين المواطن والمقيم في الدول النامية وخاصة العربية، حيث يفتقد المقيم الكثير من الحقوق حتى الأساسية مثل حق التملك والانتقال الحر دون ضوابط، بل أحيانا يفتقد حتى حقه في الحصول على رخصة قيادة سيارة خاصة، كما أن قضية اكتسابه الجنسية قضية أكثر من معقدة وصعبة وتخضع للقرارات الشخصية أكثر منها للأنظمة والقوانين.
الدول المتقدمة أكثر نضجا ونجاحا من الدول النامية حقيقة لا يمكن أن نغطيها بمنخل، وهذه الدول استطاعت أن تميز الحقائق من المشاكل فعملت على التعامل مع الحقائق وسعت لحل المشاكل، بينما لا يزال العالم الثالث (النامي) لا يفرق بين الحقيقة والمشكلة، لذلك تجده يبذل الجهود الكبيرة لحل حقيقة باعتبارها مشكلة بدل أن يتعامل معها بواقعية واحترافية.
ومن الحقائق المتعارف عليها منذ القدم أن الناس ترحل في أرض الله الواسعة بحثا عن الرزق، وفي رحلتها هذه تتحول من وضع لآخر، حيث تبدأ دخيلة وغريبة عند الانتقال إلى أرض جديدة ثم ما تلبث بفعل التقادم أن تصبح من أهل هذه الأرض حتى تكون بعد مدة طويلة نسبيا من الزمن من السكان الأصليين، وأهل المملكة أكثر الناس دراية ومعرفة بذلك حين كانوا يعانون من شح الموارد وضيق ذات اليد مما حدا بهم للانتقال إلى الأقاليم المجاورة كالعراق، الشام، الكويت، والبحرين طلبا للرزق حتى أصبحوا من سكانها الأصليين، بل أصبحوا في أحيان كثيرة حكامها وأعيانها.
وإذا أدركنا هذه الحقيقة، وأدركنا أن العالم بفعل العولمة الاتصالية والاقتصادية أصبح قرية واحدة يكاد يعتبر الفرد فيه مواطنا عالميا يستطيع استغلال موارد العالم كافة لإنتاج السلع والخدمات وتسويقها في الأسواق العالمية كافة في إطار منافسة عادلة، تحاول منظمة التجارة العالمية إرساء دعائمها بالحد من أشكال الدعم والتفضيل كافة من ناحية وبإزالة العوائق الجمركية وغير الجمركية كافة من ناحية أخرى، أقول إذا أدركنا ذلك لعرفنا مدى حاجتنا لتغيير استراتيجياتنا وسياساتنا بما يتناسب وتلك المتغيرات حتى لا نكون من السذاجة بمكان وكأننا نعاقب أنفسنا بإصرارنا على الحلول المناسبة لما مضى من الوقت وتصلبنا في ذلك رغم أن المرونة هي الحل الأمثل للتعامل مع المتغيرات.
ومن الأسواق التي أعتقد أننا يجب أن نتيحها لإخواننا المقيمين شركائنا في التنمية سوق الأسهم السعودية، حيث يجب أن نتيح لهم حق التعامل في السوق الأولي كما أتحنا لهم التعامل في السوق الثانوي، وأعتقد أن فعل ذلك هو من صالح السوق السعودية، خاصة أنها عادت سوقا استثمارية بعد أن كانت سوقا مضاربية متضخمة بطريقة غير منطقية، نعم أعتقد أن إتاحة الفرصة لإخواننا المقيمين لمشاركة في الاكتتابات الأولية سيفتح لهم فرصة استثمارية تمكنهم من توظيف مدخراتهم في بلادنا بما يعود عليهم وعلى مجتمع الأعمال السعودي واقتصادنا الوطني بالمنفعة.
نعم أعتقد أنه حان الوقت لأن نفكر في استراتيجية جديدة للتعامل مع إخواننا المقيمين بعيدا عن النظرة الضيقة والقصيرة المدى القائمة على حماية المواطن، فالمواطن أصبح اليوم متعلما ومثقفا ومتمكنا وقادرا على المنافسة في كافة مناطق العالم بما لديه من معارف ومهارات وخبرات، وعليه أن يقتنص الفرص ويجتنب الأخطار بتقوية قدراته التنافسية.
وفي ظني أن التدرج في التطبيق يمكن أن يكون منطقيا بحيث تقسم الأسهم المطروحة بنسب إلى المواطنين السعوديين ومواطني دول مجلس التعاون والإخوة المقيمين كمرحلة أولى ومن ثم يفتح الاكتتاب للجميع دون شروط مسبقة، بحيث تكون المنافسة على الحصول على أكبر كمية من الأسهم المطروحة عادلة للجميع.