سيادة القانون تتراجع بأعداد الشيكات المرتجعة

أشار تقرير صدر أخيراً عن الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية ''سمة''، ونشر في العدد الثامن في مجلة ''الائتمان''، التي تصدر عن الجهة نفسها، إلى أن ظاهرة تحرير الشيكات (بدون رصيد) في السعودية أو التي يسميها البعض بالشيكات المرتجعة، سواء تلك المحررة للأفراد أو المحررة للشركات، آخذة في الانخفاض الملحوظ، ولربما في طريقها للتلاشي في المستقبل القريب.
ما يؤكد على الانخفاض الملحوظ في قيمة وأعداد الشيكات المرتجعة في السعودية المحررة للأفراد، ما شهدته قيمة تلك الشيكات - بما في ذلك أعدادها - من تراجع كبير جداً بنهاية عام 2011، بلغت نسبته 57 و49 في المائة، على التوالي مقارنة بنهاية الفترة ذاتها في عام 2010، حيث انخفضت قيمة إجمالي تلك الشيكات من نحو أربعة مليارات ريال في نهاية عام 2010 إلى نحو 1.7 مليار ريال في نهاية عام 2011، في حين انخفض إجمالي أعداد الشيكات المرتجعة للأفراد في نهاية عام 2010 من 41.375 ألف شيك في إلى 21.164 ألف شيك في عام 2011.
الشيكات المحررة للشركات هي الأخرى شهدت تراجعاً ملحوظاً في قيمتها وفي أعدادها خلال الربع الرابع من عام 2011، مقارنة بالربع المقابل من عام 2010، حيث شهد إجمالي أعداد وقيمة الشيكات المرتجعة للشركات بنهاية الربع الرابع من عام 2011، تراجعاً بلغت نسبته 65 و54 في المائة على التوالي، مقارنة بنهاية الربع ذاته من عام 2010، حيث بلغ عدد الشيكات المرتجعة 5.950 ألف شيك في نهاية الربع الرابع من عام 2011 مقابل 16.918 ألف شيك بنهاية الربع ذاته من عام 2010، في حين انخفضت قيمة تلك الشيكات من نحو 1.4 مليار ريال في نهاية الربع الرابع من عام 2010 إلى نحو 525 مليون ريال في نهاية الربع ذاته من عام 2011.
دون أدنى شك أن الانخفاض الحاد في أعداد وقيمة الشيكات المرتجعة في المملكة، سواء تلك المحررة للأفراد أو المحررة للشركات، يؤكد بما لا يقبل الشك أو للتأويل، على سيادة وهيبة القانون، وبالذات حين النظر إلى القرار الصادر عن مجلس الوزراء السعودي في وقت سابق، الذي قضى بتجريم والتشهير بكل من يصدر شيكا بدون رصيد واعتبار مثل هذا التصرف والسلوك من الأفعال المنصوص عليها في المادة (118) المعدلة من نظام الأوراق التجارية الموجبة للتوقيف. كما أن التسريع في إجراءات النظر في قضايا الشيكات المرتجعة، قد أسهم بشكل كبير في الانخفاض الملحوظ في أعداد وقيمة الشيكات بدون رصيد، حيث أكد قرار مجلس الوزراء على ضرورة تولي هيئة التحقيق والادعاء العام التحقيق في جرائم الشيكات المرتجعة ورفع الدعوى العامة أمام الجهة المختصة بالفصل في تلك الجرائم كأي جريمة أخرى، وفقاً لنظامها ونظام الإجراءات الجزائية، علاوة على توجيهه للجهة المختصة بالفصل في منازعات الأوراق التجارية بإصدار قرارها في القضية، التي تنظر فيها خلال 30 يوماً من تاريخ إحالة القضية إليها، وعلى الجهة المختصة أيضاً بالفصل في منازعات الأوراق التجارية العمل على تشديد العقوبات على مرتكبي جرائم الشيكات، وخاصة إيقاع عقوبة السجن والتشهير في الصحف اليومية الصادرة، التي تصدر في منطقة مرتكب الجريمة. كما وجه قرار مجلس الوزراء مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما'' بوضع إجراءات تنظم إصدار ورقة الاعتراض وتمنع المصرف المسحوب عليه الشيك من المماطلة في إعطاء حامل الشيك ورقة اعتراض على صرف الشيك.
من بين الأسباب أيضاً، التي أسهمت في تراجع قيمة الشيكات المرتجعة، وبالذات المحررة للأفراد، النمو الملحوظ في حجم وأعداد العمليات المصرفية الإلكترونية، نظراً لما تحققه من مرونة وسهولة كبيرة في تسوية المدفوعات، حيث على سبيل المثال، شهد عدد العمليات بما في ذلك قيمة العمليات المنفذة من خلال أجهزة الصرف الآلي (الشبكة السعودية للمدفوعات الآلية - سبان وأجهزة المصارف)، نمواً كبيراً بين عامي 2010 و2011، حيث بلغ عدد العمليات المنفذة من خلال شبكة سبان وأجهزة المصارف بنهاية عام 2011 نحو 1.3 تريليون عملية، بنسبة نمو بلغت نحو 17 في المائة، في حين ارتفعت قيمة السحوبات النقدية، التي نفذت من خلال شبكة سبان وأجهزة المصارف بنهاية عام 2011 لتبلغ 578.3 مليار ريال، مقارنة بمبلغ 468.4 مليار ريال، بنسبة نمو بلغت 23.5 في المائة. كما ارتفع عدد العمليات المنفذة من خلال أجهزة نقاط البيع من 151.2 مليون عملية في عام 2010 على 190.3 مليون عملية في عام 2011، في حين ارتفعت قيمة المبيعات المنفذة في عام 2010 من خلال أجهزة نقاط البيع من 71.9 مليار ريال إلى 98.9 مليار ريال في عام 2011.
خلاصة القول، أن الشيكات بدون رصيد شهدت تراجعاً كبيراً بنهاية عام 2011 مقارنة بالعام الذي سبقه، لعدة أسباب، من بينها صرامة العقوبات والإجراءات الأخيرة الصادرة عن مجلس الوزراء السعودي في حق محرري الشيكات المرتجعة، إضافة على التسريع في إجراءات البت في قضايا الشيكات المرتجعة، والتشهير بمحرريها في الصحف اليومية. كما أن النمو الملحوظ في التعاملات المصرفية الإلكترونية، قد أسهم بشكل كبير في لجوء عدد كبير من الأفراد إلى تسوية تعاملاتهم المالية إلكترونيا عوضاً عن إصدار الشيكات، مما قلل من أعداد وقيمة الشيكات المحررة.
دون أدنى شك أن مثل هذا الانخفاض الحاد في أعداد وقيمة الشيكات المرتجعة، سيضفي على البيئة المالية والاستثمارية في المملكة بما في ذلك البيئة التجارية بعداً تجاريا واستثماريا حضاريا وقانونيا، سيبعث الثقة بالبيئة الاقتصادية السعودية، ويحفز المستثمرين على التعامل التجاري والاستثماري المأمون والمحصن ضد مخاطر الشيكات المرتجعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي