عالم آخر وراء الجدران!

الدراسة الفريدة التي أعدها الدكتور ''يحيى العطوي''.. المتخصص في علم الجريمة والتي نشرتها جريدة ''عكاظ'' في 14 يونيو 2011 لفتت نظري بشدة.
ففي الوقت الذي تأخذنا فيه هموم المجتمع السعودي نسينا أن هناك عالما آخر غاب عن اهتماماتنا. ذلك هو عالم السجون.. ذلك العالم الذي يضم مجموعة من المواطنين السعوديين يعيشون بعيدا عن أعيننا.. ولا نهتم بهم.. وإذا كان السجن تهذيبا وإصلاحا.. فإن الدراسة تؤكد غير ذلك.. تؤكد أن العنف هو النغمة السائدة داخل السجون.. سواء كان هذا العنف يمارس بين السجناء وبعضهم بعضا.. أو بين السجناء والعاملين في إدارة السجون.. فهناك تقسيمات قبلية بين المسجونين.. كأن ينحاز أبناء المنطقة الواحدة لبعضهم بعضا.. ويكونون قوة ضد الآخرين.. أو يتفرد سجين بدور الزعيم على السجناء يأتمرون بأمره.. وهذا يطرح قضية إدارة السجون.. فأين الإدارة من هذه التقسيمات التي تحدث داخل السجون؟ وما موقف الإدارة من اعتداء مسجون على آخر؟ ظني أنهم لا يلقون بالا لما يحدث ويتركون السجناء يحكم بعضهم بعضا.. وكأننا في غابة ليس لها قانون.. خصوصا - وكما طالبت الدراسة - أنه لا يتم عزل السجناء الخطرين عن بقية السجناء العاديين.. فالأحكام التي صدرت ضد هؤلاء المساجين تراوح بين قضايا المشاجرات والمخدرات وقضايا السرقة.. وهي قضايا مختلفة تشير كل منها إلى خطورة مرتكبها.. فالمسجون في قضية مخدرات، ليس كالمسجون في قضية شجار ربما تكون لها ظروفها.. وهي مختلفة عن قضية السرقة مثلا.. أي أن هناك مستويات من الجريمة تستتبعها مستويات في الإجرام.. ولذلك يجب الفصل بينهم.. حتى لا يتحول من حكم عليه في ''خناقة'' إلى تاجر مخدرات أو إلى لص.. ونكون بذلك قد ارتكبنا جرما في حقه.. وتكون فلسفة السجن.. ليست التهذيب والإصلاح.. ولكن صناعة مجرم جديد سوف يروع المجتمع بعد أن تنقضي عقوبته.
الدراسة قدمت أنماطا من العنف الذي يقع في السجون، ومن أبرزها العنف ضد المسجونين بالسب والشتم وتمزيق ممتلكات الآخرين وسرقتها.
ويصل العنف إلى حد التحرش الجنسي.. وإذا كان هذا يحدث بين المسجونين وبعضهم.. فهناك عنف يمارسه السجين ضد نفسه باستخدام آلات حادة، أو إدمان أو إهمال نظافته الشخصية أو الإضراب عن الطعام.. ويصل هذا العنف إلى حد الانتحار، ذلك كله يعني أن السجين فقد الأمل في غد أحسن عندما يعود إلى المجتمع من جديد... لأن بيئة السجن لا تساعده على ذلك.. ولهذا السبب يحدث العنف ضد إدارة السجون والعاملين فيه من خلال تخريب المرافق الصحية أو كسر أبواب العنابر وإثارة الشغب والتمرد.
دراسة الدكتور ''يحيى العطوي'' تكشف الكثير عن عالم السجن.. ولذلك يطالب - ونحن معه - بضرورة متابعة السجون وزيارتها من قبل منظمات حقوق الإنسان.. فالسجين إنسان في النهاية.. وله حقوق حتى وهو خلف الجدران التي تخفي هذا العالم عن أعيننا واهتماماتنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي