أسطول الحرية الثاني وموقف المجتمع الدولي

في أسطول الحرية الأول سجلت إسرائيل نصراً هائلاً على كل دعاوي الحرية والعدل، وانتصارا على كل القيم التي طالب المجتمع الدولي باحترامها، حيث اقتحمت قواتها بكل أنواع الأسلحة الأسطول المدني الأعزل وأوقعت فيه مذبحة ترهب بها كل من يفكر بعد ذلك في تحرير غزة من الحصار والتدمير. وكانت النتيجة توتر العلاقات مع تركيا، ودعم أعمى من واشنطن لإسرائيل في رسالة واضحة بأن الحصار الإجرامي على غزة هو سياسة رسمية إسرائيلية وأمريكية عقاباً لشعب غزة على التصدي للمحرقة وعدم الانكسار أمام كل صفوف الإبادة.
على الجانب الآخر، استجابت الثورة المصرية لأنات شعب غزة وقررت فتح معبر رفح لكسر الحصار براً على غزة، ولكن يتردد أن ضغوطاً عنيفة إسرائيلية وأمريكية تمت ممارستها حتى لا يكون فتح المعبر سياسة ثابتة وإنما استجابة لبعض الظروف الإنسانية الملحة، وإلا كان فتح المعبر تحدياً لسياسة الحصار دون أن تحقق هذه السياسة النتائج التي تريدها إسرائيل.
ثم جاء الإعلان عن أسطول الحرية الثاني وهو فصل أشد قسوة في ظلم المجتمع الدولي وتواطئه على سكان غزة، بل على كل الشعب الفلسطيني، ولا عزاء للقانون الدولي بكل فروعه، خاصة إذا تعلق الأمر بإسرائيل، ولذلك تفخر إسرائيل بأنها نجحت فيما سعت إليه بجهودها وضغوطها لمنع تحرك الأسطول. بدأ المسعى الإسرائيلي تجاه تركيا فتخلت تركيا عن رعاية إبحار الأسطول من أراضيها، ثم منعت اليونان تحت الضغوط الهائلة إبحار الأسطول بحجة الخوف من بطش إسرائيل بركابه كما فعلت مع أسطول الحرية الأول، خاصة أن اليونان تعانى الآن انهيارا اقتصاديا وتوترا اجتماعيا مدمرا. لكن اللافت للنظر هو أن يكون الحصار عمليا هو سياسة القوى العظمى في العالم، رغم ما تردده يوميا من عدم مشروعية الحصار وضرورة رفعه وليس كسره، وقلنا إن رفع الحصار يتم بإرادة إسرائيل، أما كسره فيتم رغماً عنها ولم تجرؤ دولة كبرى على أن تتحدى إسرائيل وتتصدى لوقف جريمة الحصار. فقد أعلن بان كي مون منذ أسابيع معارضته لأسطول الحرية، ثم أعلنت اللجنة الدولية الرباعية التي يفترض أنها تسعى في مسرحية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، أنها ضد هذا الأسطول، أي أن المجتمع الدولي ضد الحصار نظرياً ولكنه يدعمه عمليا في صورة يبدو فيها الوجهان بأنصع صورة. الدرس المستفاد هو أن القرارات والأحكام والقواعد القانونية لها قيمة أخلاقية، لكن الواقع شيء آخر، وهذه هي المتوازية المعروفة في إدارة العلاقات الدولية، بين القانون الدولي ونظرية الصراع الدولي، فلا تحصل دولة من هذا القانون إلا بقدر قوتها.
من الواضح أن إسرائيل تملك كل أوراق القوة السياسية المادية، كما تملك مشروعاً في فلسطين، وقد تمكنت من إضعاف الساحة الفلسطينية والعربية، كما تمكنت من الحصول على مساندة من قوى النظام الدولي قاطبة، ولذلك فإن الغريب أن يكون الحصار جريمة ومع ذلك تساعد هذه القوى إسرائيل على استمرار هذه الجريمة. وفي الجانب الآخر هناك مطالبات باحترام حقوق الإنسان ومعاقبة المعتدين على هذه الحقوق، وقد تحركت المحكمة الجنائية الدولية ضد البشير والقذافي ولكنها لن تتحرك ضد إسرائيل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي