الجينوم .. 10 سنوات مضت
قبل نحو عشر سنوات وبالتحديد في شهر حزيران (يونيو) من عام 2000 أعلن كل من الرئيس الأمريكي آنذاك بل كلينتون ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير في وقت واحد من واشنطن ولندن اكتمال المشروع العلمي غير المسبوق, وهو رسم خريطة الشفرة الوراثية للإنسان. ذلك المشروع شارك فيه المئات من الباحثين على مدى 13 عاما، أُنفقت خلالها ما يقارب ثلاثة مليارات دولار. وليس من باب المبالغة أن يقال إن ما أنجزه ذلك المشروع كان ضربا من ضروب الخيال, إذ تمكن من تحديد الترتيب المتوالي لثلاثة مليارات من الأزواج الأساس من الحمض النووي DNA للإنسان، وهو عمل ما كان له أن يتحقق لولا القفزات التقنية الكبيرة في قدرات معدات وأجهزة البحث وعلى رأسها الحاسبات الآلية العملاقة.
غير أن تلك اللبنة الجديدة في بنية المعرفة الإنسانية لم تكن هدفا لذاتها، إنما استقبلها ورحب بها العلماء والباحثون على اختلاف تخصصاتهم كوسيلة للمضي قدما نحو آفاق جديدة لعلاج بعض الأمراض التي ما زالت مستعصية في عصرنا الحاضر مثل كثير من أنواع السرطان. إذ كان يُعتقد حتى الأمس القريب أنه متى ما عُرفت الاضطرابات أو التشوهات الجينية المرتبطة بتلك الأمراض أمكن علاجها والتغلب عليها. لكن على الرغم من الخطوات الواعدة التي تمت في ذلك السبيل خلال السنوات العشر الماضية ما زال الوسط العلمي في الغرب ينظر إليها بعدم الرضا, إذ يرى أنها أقل من المأمول ودون التوقعات.
هناك عدة أسباب لتلك الفجوة بين سقف التوقعات وبين ما تحقق من نتائج، بعضها تم كشفه والآخر ما زال مجهولا. عدد من تلك الأسباب تناولتها مجموعة من الدراسات نشرتها مجلة Technology Review في عددها الأخير, التي تصدر عن جامعة MIT الأمريكية. ما يمكن استخلاصه من تلك الدراسات أن هناك حزمة من العوامل، كان يُعتقد أنها ثانوية، ثبت أنها تلعب دورا في صحة الإنسان لا يقل أهمية عن الدور الذي تلعبه الجينات ذاتها. من بين تلك العوامل موضوع كمية البروتين المنتج في الجسم، ومدى تأثير بعض الآليات على تعبير الجين عدا ما هنالك من تأثير بسبب الترتيب المتوالي، وعما إذا كانت هناك نسخ إضافية أو مفقودة من الجينات. أي أن مشكلة ''غياب عامل الوراثة'' أو بمعنى آخر عدم القدرة على إسناد مرض وراثي ما بشكل كامل إلى جين بعينه يرتب ضمنا الكثير من التبعيات بالنسبة لاختيار العلاج المناسب.
تلك المصاعب لا تقلل، في نظر البعض، قيمة الفوائد التي تحققت حتى الآن من مشروع الجينوم. على رأس أولئك المتفائلين ''إيريك لاندر'' Eric Lander, الذي كان واحدا من قيادات المشروع، ويرأس حاليا معهد the Broad Institute وهو مؤسسة علمية بحثية في مدينة كامبردج بولاية ماساشوستس مرتبطة بكل من جامعة MIT وجامعة هارفارد، وتعد المرجع الأول على مستوى العالم في أبحاث الجينوم. يقول الدكتور لاندر ''أن نكتشف أن الجينوم أمر في غاية التعقيد ينبغي ألا تكون مفاجأة لأحد. ثم لا ننسى أنه قد مضت 60 عاما بين تطوير نظرية الجراثيم وبين تصنيع المضادات الحيوية''.
إن الآراء التي يتم تداولها اليوم في الولايات المتحدة حول تطلعات المجتمع لثمرات مشروع الجينوم، ولا سيما في علاج الأمراض المستعصية، لم تعد تقتصر على الإصدارات والدوريات العلمية المتخصصة، بل يجري تناولها في الصحافة العامة كجريدة ''النيويورك تايمز'' وغيرها. وقد حاولت في هذه المقالة، التي هي تلخيص لرؤوس أقلام الدراسات التي سبق الإشارة إليها، أن أشرك القارئ العربي غير المتخصص في بعض من ذلك الجدل، ولو بنزر يسير.