المدن الاقتصادية.. هل طرحها للاكتتاب في مصلحة الاقتصاد الوطني؟

<p><a href="mailto:[email protected]">falkassim@fincorpgroup.com</a></p>

ظهرت مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في رابغ، ولم نعلم عنها إلا ليلة إعلانها, طبقت الهيئة العامة للاستثمار قاعدة "تعاونوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"، وهي قاعدة أصيلة في مجال الأعمال، تبعتها مدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد في حائل، ثم قرية المعرفة في المدينة المنورة، والبقية تأتي.
كانت ردة الفعل الطبيعية لحمى سوق الأسهم هي المبادرة بطرح هذه الشركات للاكتتاب، وأعلن خادم الحرمين الشريفين, حفظه الله, ذلك في حينه، لم نر ولم نسمع ولم تعلن الهيئة العامة للاستثمار، الأب الروحي للشركة، عن جدوى المشروع أو المشاريع التي تبعته، وهي مشاريع يتجاذب جدواها الاقتصادية العرض والطلب، فإذا افترضت الدراسة أن الطلب على المشروع إيجابي، وأن قيمة الخدمات عالية فستكون الدراسة مشجعة، وإذا افترضت أن الطلب إيجابي جداً وأن قيمة الخدمات عالية ومتنامية فستكون الدراسة مشجعة ومحفزة جداً جداً، والعكس أيضاً صحيح، وبذلك فإن نتائج الدراسة تعتمد اعتماداً كليا على الفرضيات التي من الممكن أن تغير رأي المؤسسين والمساهمين والمستثمرين وأصحاب المصالح بمن فيهم متخذو القرار في الجهات الحكومية.
عند دراسة المشاريع الصناعية فإنها تعتمد على السوق والفجوة السوقية ما بين العرض والطلب، وعند دراسة المشاريع الخدمية يمكن قياس المستقبل بناء على تاريخ المشاريع المشابهة، ولكن في حالتنا هذه فإن المشروع يقوم بالكامل على افتراض تغيير الواقع في هذه المناطق، وهذا التغيير ليس محصوراً في البنية الأساسية فقط، إذ إن هذه يمكن تجاوزها حيث إنها مسؤولية الشركات نفسها، ولكن هذه الدراسات تفترض التغيير في البيئة والسياسات والإجراءات الحكومية، بل حتى إنها تفترض تجاوز العقبات الأمنية وحل مشكلة الجمارك والضرائب، وهي ما تعارف عليه بأنها مناطق تنمية خاصة، يمكن إصدار قوانين خاصة لها، وهذه لعمري بدعة حسنة وبشرى لكل مواطن ومقيم ومتعامل مع السعودية، ولكن السؤال الكبير: هل هذه الفرضيات التي تم بناء نتائج الدراسة عليها وسيتم اكتتاب المواطنين بناء عليها قابلة للتحقيق؟ أتمنى ذلك، ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه. إذا اتفقنا على عدم ضمان تحقق هذه الفرضيات فهناك اتفاق على وجود مخاطر في المشروع، وكلما زاد الشك في تحقق هذه الفرضيات زادت مخاطر المشروع. المشكلة أن مثل هذه المشاريع عندما تطرح فإن الناس لا يقرأون مستندات الاكتتاب التي فيها تحديد وإفصاح كامل عن المخاطر (هذا بفرض أن هذه الشركات نوهت عن هذه المخاطر)، حتى لو علم المساهمون يكفي تبني الحكومة الشركة لإقبال الجميع على الشراء، ليس إيماناً بالشركة أو بمستقبلها، ولكنه إيمان المساهمين بسوق الأسهم، وليقين المساهمين أن قيمة سهمهم ستتضاعف أضعافاً كثيرة بمجرد الإدراج في السوق، ليس لأنه يساوي هذا المبلغ ولكن لأن واقع السوق يفرض قواعد اللعبة.
الهيئة الملكية للجبيل وينبع قامت بمشاريع مماثلة من قبل، وعلى مستوى عال من المهنية والموضوعية ونتائج هذه التجربة ظاهرة للعيان، لماذا لا نستفيد من التجربة، ونحول الهيئة الملكية للجبيل وينبع إلى مطور رئيس لهذه المشاريع؟ وبناء على ذلك فنحن نعطي الخبز خبازه، وبالتالي تقوم الهيئة بتطوير أفكار هذه المشاريع ، وتطوير الفكرة يشمل الدراسات الاقتصادية والفنية والمالية .. إلخ. وعند جاهزية المشروع يطرح للمواطنين للمساهمة فيه، بدلاً من الركض وراء مشاريع لم تبدأ بعد ولم نشاهد لها أي أثر.
هذه الشركات لا تظهر نتائجها خلال أسابيع أو أشهر ولا حتى خلال سنواتها الأولى، وبالتالي سيتمكن المؤسسون في هذه الشركات من بيع أسهمهم بعد مضاعفة قيمتها في أي وقت، ولكن ما مصير هؤلاء المساهمين الذين تعلقوا بالشركة؟ بل ما تأثير مثل هذه الشركات في سوق الأسهم والاقتصاد السعودي عند فشلها لا سمح الله؟ من المتضرر وما حجم الضرر، خاصة إذا علمنا أن رساميل هذه الشركات أكبر من بعض البنوك؟
اقتراحي هنا هو دراسة إمكانية تخصيص الهيئة الملكية للجبيل وينبع، لتكون شركة مساهمة عامة يتملك المواطنون 30 في المائة منها ، وتبقى 70 في المائة منها ملكا للدولة على غرار "سابك"، بحيث تدخل الهيئة شريكا رئيسياً في كل مشروع تطويري تثبت الدراسات جدواه وتظهر التجربة السابقة للهيئة إمكانية تطبيقه، ومن ثم يطرح المشروع على المواطنين للاكتتاب ولكن بملكية قدرها 30 في المائة للهيئة و70 في المائة للمواطنين، وبالتالي فإن المنح الحكومية والمكارم الملكية التي تمنح للمشاريع إنما تمنح للدولة ومواطنيها بالعدل وليس إلى مجموعة محددة من المستثمرين. أما إذا استمر تأسيس هذه المشاريع بالوتيرة الحالية فإني أقترح عدم طرحها للاكتتاب العام إلا بعد مرور خمسة أعوام على التأسيس وثبوت جدواها الاقتصادية حقيقة على أرض الواقع، حتى لو طرحت آنذاك بسعر أعلى وبعلاوة إصدار مناسبة بناء على القيمة السوقية العادلة للسهم .
تخيلوا معي لو خسرت الشركة مستقبلا أو تعرضت لأي هزة اقتصادية أو شابها ما ابتلت به بعض الشركات من فساد وسوء إدارة, وهذا أمر ممكن الحدوث, فالشركة مثل أي شركة أخرى لا يمكن استثناؤها من القواعد العامة؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي