1444 .. رقم تنموي مميز بحاجة لضبط التنفيذ

اعتمد مجلس الوزراء السعودي في جلسته المنعقدة بتاريخ التاسع من آب (أغسطس) من العام الجاري، محتويات خطة التنمية التاسعة للمملكة للفترة (2010 ـــ 2014)، بإجمالي إنفاق يصل إلى 1.4 تريليون ريال، وبما يزيد على ما تم رصده خلال خطة التنمية الثامنة بنحو 67 في المائة.
ما يميز خطة التنمية الجديدة، أنها أعدت وفق رؤية تنموية شاملة ومتوازنة، ركزت على التحسين والارتقاء بأداء مستوى الخدمات العامة والأساسية المقدمة للمواطنين والمقيمين على حد سواء، وبالذات في مجالات حياتية مهمة وحيوية، مثل الصحة والتعليم، بما في ذلك خدمات المياه والكهرباء، ليتحقق عن ذلك الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي المنشود في المملكة العربية السعودية، ولينعم بذلك المواطن والمقيم براحة ورغد العيش الكريم، بعيداً عن منغصات الحياة اليومية، المتمثلة في محدودية الأسرة في المستشفيات العامة، وقلة المقاعد الدراسية في الجامعات، والانقطاعات المتكررة للكهرباء، وشح المياه في معظم مناطق المملكة.
اللافت للانتباه أن الاعتمادات المخصصة للإنفاق على مشاريع وبرامج خطة التنمية الجديدة، ركزت بشكل كبير على تنمية الموارد والكفاءات البشرية في المملكة، بتخصيص نحو 50.6 في المائة من إجمالي المخصصات المعتمدة للخطة للإنفاق على تنمية الموارد البشرية، باعتبار أن تنمية العنصر البشري هو مرتكز وأساس التنمية في أي اقتصاد في العالم، بما في ذلك الاقتصاد السعودي، كما ركزت الخطة على تعزيز أسس ومتطلبات واحتياجات التنمية المتوازنة في المملكة، حيث تنعم جميع مناطق المملكة بتنمية حضارية شاملة، تساعد على استقرارها الاجتماعي، بما في ذلك استقرار أبنائها، والحد من هجرة المواطنين ونزوحهم إلى المدن الرئيسة، بهدف البحث عن فرص تعليمية أفضل أو الحصول على وظائف.
من بين أبرز معالم خطة التنمية الجديدة على مستوى الاقتصاد الكلي، تحقيق الناتج المحلي الإجمالي خلال سنوات الخطة، معدل نمو سنوي يقدر بنحو 5.2 في المائة في المتوسط بالأسعار الثابتة، مما ينعكس إيجابياً بالزيادة على متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، ليصل إلى نحو 53.2 ألف ريال بنهاية عمر سنوات الخطة بحلول عام 2014، أو ما يعادل نسبة زيادة تقدر بنحو 15 في المائة، مقارنة بما كان عليه في عام 2009، الذي بلغ نحو 46.2 ألف ريال، كما يتوقع بنهاية عمر الخطة، أن ينخفض معدل البطالة في السعودية من 9.6 في المائة في عام 2009، إلى 5.5 في المائة.
دون أدنى شك، أن خطة التنمية التاسعة الجديدة، اشتملت على برامج ومشاريع تنموية طموحة، تستهدف ـــ كما أسلفت ـــ في المقام الأول الارتقاء بحياة المواطن والمقيم ببلادنا على حد سواء، وتوفير جميع وسائل الراحة لهما لينعما بحياة كريمة وهادئة ومستقرة، ولكن سيظل التحدي أمام تنفيذ برامج ومشاريع الخطة، قدرة الإدارات والأجهزة الحكومية المختلفة على الالتزام بالجداول والخطط الزمنية الموضوعة للتنفيذ، حيث إن عدم الالتزام الحرفي بالبرامج الزمنية الخاصة بالتنفيذ، يعنى تعثر تنفيذ مشاريع وبرامج الخطة، وعدم قدرتها على تحقيق طموحات وتطلعات المواطنين في المملكة، الأمر الذي سيضاعف من حدة المشكلات التنموية، التي تعانيها السعودية خلال السنوات المقبلة، التي يأتي في مقدمتها وعلى رأسها، ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب والشابات السعوديين، التي وصل معدلها خلال العام الجاري إلى نحو 10.5 في المائة.
إن التعثر أو التأخير في تنفيذ برامج ومشاريع الخطة، سيضاعف من حدة معاناة المواطن والمقيم بسبب تردي مستوى الخدمات العامة والأساسية، مثل خدمة الكهرباء وخدمة المياه، وبالذات في ظل الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية في المملكة، الذي ينمو بنحو 8 في المائة سنوياً، وأيضاً في ظل محدودية مصادر المياه غير المتجددة، أضف إلى ذلك تدني مستوى خدمات الصرف الصحي بشكل عام في المملكة، بما في ذلك تدني مستوى خدمات الشبكات المسؤولة عن تصريف مياه السيول والأمطار.
لتفادي مشكلة التقاعس في التنفيذ، وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز جميع الأجهزة الحكومية المعنية بتنفيذ برامج وخطط خطة التنمية التاسعة، بضرورة الحرص الشديد على تنفيذ برامجها ومشاريعها وتحقيق أهدافها في مددها الزمنية المحددة، خاصة في ضوء ما تم رصده من مبالغ ضخمة لتنفيذ تلك البرامج. للخروج من مأزق الإخفاق المتكرر وعدم الالتزام بتنفيذ برامج خطط التنمية الخمسية وفق المدد المحددة لها، الأمر يتطلب ـــ وفقما أشارت إلى ذلك كلمة ''الاقتصادية'' في العدد 6133 ـــ أن هناك حاجة ماسة إلى الاحتذاء بعملية ''الجرد'' لمجريات عمليات التنمية كي نقف على حقيقة الموقف فيما خططنا له واعتمدناه، وللتعرف أيضاً على مدى نجاحنا في ترجمة مشاريعنا وبرامجنا التنموية، ومدى اتساقنا وتطابقنا مع المهام المرسومة لنا في هذا المجال أو في ذاك القطاع.
إن تقوية دور وزارة الاقتصاد والتخطيط في المملكة، ومنحها مزيدا من الصلاحيات المرتبطة بوضع خطط التنمية، حيث يتعدى دورها الحالي المتمثل في استقبال مشاريع وبرامج كل وزارة، إلى تولي مسؤولية وضع تلك البرامج وفق خطة واستراتيجية وطنية تنموية شاملة، وتخويلها صلاحية الحساب والعقاب، وليس فقط إعداد التقارير ورصد للمشاريع المنجزة، حيث إن ذلك سيعمل بكل تأكيد على تجنيب المشاريع والبرامج التنموية من أن تكون عرضة للتأخير والتعثر، وكما هو واقع حالنا المؤلم اليوم، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي