ثقافة الحوار

لا شك أن الدين يعد أعظم قوة مؤثرة في شؤون الإنسان وحياته، حيث كان الدين الدافع والمؤثر الروحي العظيم لبعض أعظم لحظات التاريخ المضيئة ولكن المأسوية أيضاً في حالة التطرف والغلو في الدين.. ويعد التطرف والغلو في الفكر وتبني خيارات متشددة أحد الأسباب الرئيسة للإرهاب خصوصاً الغلو المتصف بعدم قبول الرأي الآخر، لأن من يتصف بهذا النوع من الغلو والتطرف يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، وتبعاً لهذا الادعاء فإن أصحاب هذا النوع من الآراء يحاولون إقصاء من يخالفهم الرأي.. ومن الاعتقادات الخطرة لدى القلة التي تحتاج إلى التصدي لها .. هي ثبات النظرة بالاعتقاد:
(لكي أكون صحيحاً فكل من يختلف معي على خطأ)
In order for me to be right, everyone who disagrees with me is wrong
إننا في عالم اليوم نواجه حملات من الغزو الفكري وتكالب الغزو الثقافي من كل جانب، يعمل دائباً ليل نهار .. ومن فضول القول حقاً التحدث عن هذه البدهية التي يدركها كل عاقل متأمل مفكر .. ولكنى أريد أن أقول وأذكر بما أحوجنا إلى سعة الصدر ورحابة الفكر وبالخصوص مع الرأي الآخر مهما كانت درجة الاختلاف .. فالحوار يفتح آفاق المتحدث.. والاستماع إلى الآخرين يحد من الغلو والتطرف .. ومتى كان الإقصاء فهناك خلل، ولا بد من مراجعته. إن لغة الحوار الحضاري تتميز بالجدل الموضوعي والمنهجي وتنتهي بالنتائج ولا تبدأ بها .. تحترم توجهات الجميع وتطلعاتهم وتحترم القواسم المشتركة بينهم وتنتج مجتمعات قوية أساسها المحبة والإخاء والتسامح .. والعقيدة الإسلامية السمحة مبنية على المحبة والتسامح وطبيعة الإنسان المسلم تكمن في إيمانه، ثم علمه ومبادئه وأخلاقه، والله سبحانه وتعالى يخاطب نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في محكم كتابه العزيز (وإنك لعلى خلق عظيم) ويقول نبي الرحمة ـ صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وبالتأكيد لو وعينا المعاني البالغة الكثيرة لعلت هاماتنا إلى ما فوق الثريا.
يبقى القول إن مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني يبذل جهودا كبيرة تستحق الثناء الجم في ترسيخ مفهوم الحوار وسلوكياته في المجتمع ليصبح أسلوبًا للحياة ومنهجاً للتعامل مع مختلف القضايا، وتوسيع المشاركة لأفراد المجتمع وفئاته في الحوار الوطني وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني بما يحقق العدل والمساواة وحرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية .. ولا شك أن جهود المركز في تأصيل الحوار في المجتمع كان لها تأثير ملموس في حياتنا اليومية، ولا بد من التأكيد أن للمؤسسات التربوية والإعلامية دورا مساندا للمركز في تعزيز ثقافة التسامح والحوار مع الآخر وانتهاج الوسطية والاعتدال بلغات متعددة والتركيز على مفاهيم مهمة كالصدق والعدل والأمانة والتواضع والرحمة من خلال تربية الفرد والمجتمع ابتداء من الأسرة في المنزل وانتهاء بالجامعة والعمل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي