المبتعثون في الغربة بين طموح متقد وهموم وآمال

في الحقيقة عندما أتأمل حال أكثر الشباب هذه الأيام أرى جذوة من طموح مشتعل يتقد حدة في نفوسهم نحوالتعليم الجيد والعمل الجيد والتميز والتنافس في العطاء لهذا الوطن المعطاء.. وهذا يشعرني بالسعادة وبالأمل لهذه البلاد بغدٍ أكثر إشراقاً رغم ما نحن فيه من خير نحمد الله عليه ليلاً ونهاراً. والدليل على الحال الذي وصفته هو هذا الاندفاع الكبير من بعض الشباب نحو الدراسة في أعرق الجامعات في أدنى الأرض وأقصاها رغم قسوة الغربة .. رغم الصعوبات .. والبعد عن الأهل والوطن لسنوات!!، ثم هذا الاندفاع من آخرين للسفر والدراسة على حسابهم الخاص بكل طموح وإصرار ممن لم تتح لهم فرصة الابتعاث.. وأخيراً هذا الاندفاع من كثير من الشباب أيضاً للجمع بين العمل والدراسة داخلياً رغم صعوبته ممن لم تتح لهم ظروفهم العملية أو الأسرية أو قدرتهم على الغربة الطويلة للسفر والدراسة خارج الوطن أو الدراسة للفترة الصباحية.. ثم ما أجمل أن يستشعر والدهم الحنون وراعي هذه النهضة العلمية والثورة التي لا تهدأ في مجال التعليم عموماً والتعليم العالي خاصة خادم الحرمين - حفظه الله - هذه الآمال ويتلمس هذه الطموحات فيدفع بها إلى الأمام ويرعاها ويسقيها بقرار تلو قرار .. بدءا من برنامج خادم الحرمين للابتعاث إلى افتتاح المزيد من الجامعات ودعم وتطوير القديم منها، إلى دعم المبتعثين وزيادة مكافآتهم واعتماد كادر أعضاء هيئة التدريس، إلى احتضان طلاب التعليم الموازي والتكفل بتكاليف دراستهم .. وأخيراً موافقته وفقه الله ورعاه على إلحاق الطلاب والطالبات الدارسين حالياً والمنتظمين بدراستهم على حسابهم الخاص في المعاهد والجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا ونيوزيلندا بعضوية البعثة كما طالعتنا بذلك الصحف قبل أيام.
لقد نشر لي قبل أشهر مقالان عن «قوافل المبتعثين وتحديات ما بعد العودة» في هذه الصحيفة المميزة «الاقتصادية»، الأول بتاريخ 21/1/ 1431 هـ والثاني بتاريخ 06 صفر 1431 هـ، وقد ناقشت فيهما من واقع تجربة ومخالطة لبعض الشباب المبتعثين أهمية الاهتمام بتوجيه المبتعث للتخصص الذي يحتاج إليه عمله أو يحتاج إليه الوطن والحرص على إلحاقه بهذا المجال الذي درسه بعد عودته حتى يؤتي هذا الاستثمار الوطني الكبير أكله ويدفع عجلة التنمية كما خطط له، كما تم التأكيد في المقالين على أهمية حرص المبتعث على تطبيق ما تعلم من منهجيات علمية مفيدة في عمله عبر طرحها كأفكار تطويرية مفيدة ومشاركة الآخرين الحوار حولها وتكييفها لتلبي حاجة وظروف بيئة العمل حتى يتم تبنيها بشكل جماعي دون تصادم أومقاومة.
ولقد تلقيت على إثر هذين المقالين اتصالاً من سعادة الدكتور عبد العزيز العريني المستشار في وكالة وزارة التعليم العالي لشؤون البعثات يبدي فيه اهتمامه واهتمام سعادة وكيل الوزارة الأستاذ الدكتور عبد الله الموسى شخصياً بما طرح فيهما من أفكار ومقترحات وتقبلهما الرحب لكل نقد بناء أو مقترح مفيد شخصياً أوعبر الصحف، وقد أثلج صدري هذا الكلام وهذه الروح «الرياضية» في تقبل النقد البناء الذي إنما يكون للمسؤول المتميز الذي يعمل كثيراً وينجز أكثر، وأتمنى من جميع المسؤولين التحلي بهذه الروح الطيبة وفتح قلوبهم وعقولهم لآراء الآخرين وانتقاداتهم الواقعية فلا غرابة أن يقع بعض التقصير من بشر يصيب ويخطئ ويأتي مع هذا التقصير دور الإعلام الهادف في إبراز الإنجاز للمحافظة عليه وتشجيعه ونقد الخطأ بهدف إصلاحه، فبارك الله في جهودكم يا سعادة الوكيل ويا سعادة المستشار ولكم مني ومن كل المبتعثين فائق التقدير والاحترام.
كما تلقيت أيضاً دعوة خاصة من سعادة المهندس عبد الله الرخيص رئيس مجلس أمناء برنامج الشمال للتنمية مشكوراً بعد إشادته بهذين المقالين للمشاركة في حلقة النقاش التي أقامها فريق العمل المشترك في برنامج السعودية أكسفورد للقيادة في رحاب جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية يوم الثاني عشر من أيار (مايو) لعام 2010 بعنوان «ماذا بعد عودة المبتعثين إلى المملكة؟»، وإذ لم أتمكن من حضور حلقة النقاش هذه لظروف خاصة فقد أحببت أن أضيف لما ذكر سابقاً مقترحين لوزارة التعليم العالي في هذا الشأن:
أولاً: بخصوص ما يواجهه أكثر الطلاب عند بداية وصولهم إلى مقر الإقامة والدراسة من الحاجة إلى كثير من المصاريف لدفع إيجارات المنازل المرتفعة وما يتبعها من تأمين ولوازم تأثيث وسيارة وغير ذلك من ضروريات الحياة خصوصاً للمتزوجين الذين ترافقهم أسرهم مما يضطرهم إلى البحث عن دائن والتعرض لبعض الضغوط النفسية في الوقت الذي تتكاثف فيه الأعمال فيما يتعلق بإكمال إجراءات التسجيل في الجامعة وحضور المحاضرات والتسجيل في الملحقيات وغير ذلك، وكذلك الحال بعد انتهاء البعثة والعودة للوطن بعد أن أمضى المبتعث عددا من السنوات خصوصاً غير الموظفين إذ يحتاج غالباً لاستئجار منزل وشراء سيارة وغير ذلك من تكاليف الحياة التي ربما لا يقدر عليها فيما قد يضطر للبحث عن وظيفة لفترة تمتد لعدة أشهر.
لذا أقترح الرفع للمقام السامي بمنح المبتعث بدلا ماليا مناسبا فور وصوله إلى مقر البعثة ليعينه على تكاليف الإقامة والمعيشة المكلفة له ولأسرته، كما أقترح منح الخريج مكافئة مالية مجزئة مقطوعة مقدارها «عشرون أو ثلاثون ألف ريال أو أكثر» لتيسير أموره المعيشية بعد عودته حتى يجد وظيفة مناسبة.
ثانياً: فقد كثرت المطالبات بالحرص على تأهيل المبتعث نفسياً وعلمياً قبل ابتعاثه، وإذ أؤيد هذا المقترح فأرى أن يكون التأهيل خفيف الظل من خلال منتديات حوار تضم عددا من خريجي برامج الابتعاث مع الراغبين في الانضمام لهذه القوافل ليوضحوا لهم من خلال تجاربهم الواقعية ما سيواجههم من صعوبات ويسدوا لهم النصائح في شتى الأمور التي تقلقهم في الإقامة والدراسة، ومن جهة أخرى أقترح إلزام العائدين من البعثات كشرط للحصول على شهادة المعادلة حضور دورات تأهيل توضح لهم كيف يمكنهم تسويق أنفسهم بطريقة مناسبة لقطاعات العمل، والإدماج في بيئات العمل المختلفة وتفعيل ما تعلموه من أساليب علمية ومنهجيات تطوير بطرق مناسبة دون التصادم في الآراء مع الموظفين والمسؤولين السابقين.
أخيراً: لا بد من الاستفادة من كل الخريجين المتميزين عبر جمع المعلومات عنهم بعد عودتهم والحرص على منحهم عضويات في الجمعيات البحثية المختلفة كل حسب اختصاصه ومكامن إبداعه حتى تتاح لهم فرصة التعلم واكتساب المزيد من الخبرات وحتى يستفيد منهم الوطن أكثر وأكثر.
،، ودمتم بخير وسعادة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي