الحق في الرعاية الصحية وواقع المواعيد الطبية
يقول: ''تم تحويلي من مستشفى إحدى المحافظات إلى أحد المستشفيات الحكومية المتخصصة في الرياض، وبعد عدة مراجعات على مدى أشهر، تقرر إجراء عملية، وقبل موعد الدخول بيومين؛ وردتني رسالة بتأجيل العملية نظرا لاستقالة الطبيب، ليكون الموعد الجديد بعد سنة. ذهبت إلى مستشفى آخر فإذا الموعد بعد أكثر من سنة، أو دفع تكاليف العملية وإجراؤها من قبل الأطباء أنفسهم في مركز خاص''. هذه خلاصة قصة واقعية لأحد المرضى. وهو واقع يعايشه كثيرون في مستشفياتنا، واقع يثير عددا من الأسئلة حول مدى وفاء هذه المستشفيات بالحق في العلاج الذي تكفلته الدولة وهيأت له موارد مالية ضخمة؛ حيث نصت المادة (31) من النظام الأساسي للحكم على: ''تعنى الدولة بالصحة العامة، وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن''.
الحق في الرعاية الصحية يتفرع من الحق في الصحة بمعناه العام الذي يعد من الحقوق الأساسية للإنسان، ويقوم على أربعة عناصر هي: التوافر Availability، وإمكانية الوصول Accessibility، والمقبولية Acceptability، والجودة Quality. ويرمز لها اختصارا AAAQ.
مفهوم الحق في الرعاية الصحية لا يعني مجرد الحصول على رقم ملف طبي؛ بل هو منظومة متكاملة ومتفرعة من الحقوق تحقق الرعاية الصحية بمعناها الشامل؛ ومن ذلك الحق في الحصول على الرعاية الصحية الجيدة في وقتها المناسب. الوقت المناسب ليس الانتظار أكثر من سنة أو حتى إلى أشهر؛ بل هو مواجهة المشكلات الصحية في أسرع وقت؛ لا على أساس مبدأ إنقاذ الحياة؛ بل على أساس التخلص من آلام المرض وتوفير الرعاية الصحية. المرض هو ثالث الفقر والجهل، ولا مجال لتأخير مواجهته بحجة ازدحام المستشفيات أو أي حجة أخرى. هو حق كفلته الدولة وتنفيذه يجب أن يكون كاملا غير منقوص.
كيف تضيق المواعيد الطبية في المستشفيات الحكومية وتنفرج في المستشفيات الخاصة؟ إذا كانت هناك ضرورة تحول دون توفير الخدمات الصحية في وقت معقول في المستشفيات الحكومية؛ فليتم تحويل المرضى للمستشفيات الخاصة وتتحمل وزارة الصحة أو الخدمات الطبية الأخرى تكاليف العلاج؛ كي لا يبقى المرضى يعانون مرضهم وذوو الحاجة منهم واقفون على أبواب المحسنين يعطونهم أو يمنعونهم تكاليف العلاج، أو يجدون من يكون نافذا على المواعيد الطبية؛ لتكون الأشهر أسابيع، والأسابيع أياما، والأخيرة ساعات.
إن هناك مؤشرات ومعايير لقياس كفاءة الرعاية الصحية، ومدى الوفاء بهذا الحق على النحو الأمثل كما وكيفا، ونتطلع إلى أن تنشر الجهات الصحية في المملكة تقارير لقياس ذلك. على الأقل قياس مدى الرضا عن الخدمات المقدمة في هذه المستشفيات. هذه المؤشرات هي شاهد إثبات أو نفي لحقيقة ما يقدم من خدمات صحية في المملكة من الناحيتين الفنية والإدارية. توجد بعض الاستفتاءات على موقع وزارة الصحة على الإنترنت؛ إلا أن موضوعاتها محدودة ونطاق قياسها ضيق؛ فهي لا تعبر عن حقيقة ما يجب قياسه، ولا أعتقد أنه يمكن اتخاذها مقياسا لأداء الخدمات الصحية في المملكة. سؤالي لكم: من يأتي بمؤشر يستطيع قياس الأداء في مستشفى أعطى موعدا لإجراء عملية جراحية بعد أكثر من سنة (لغير سبب طبي بالطبع)؟!!