الرشاقة وعوالمها .. الرشاقة الروحية (1-2)

أما الآن فلقد وصل الحديث بنا إلى حيث الروح, والإنسان وإن وقف عاجزا في علمه في معرفة كينونة هذه الروح إلا أن ما يصله من هذه الروح نور يستهدي به في طريقه إلى الله ــ سبحانه وتعالى ــ وهذا النور أيضا قوة جذب تشد الإنسان إلى الأعلى ليسمو إلى الله «يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه», فهل تتلوث أرواحنا هي الأخرى فيقل نورها ويضعف جذبها فنعيش عندها في قاع الحياة وفي مناخات كالحة الظلام لا نعرف الطريق المعوج من الطريق المستقيم, ولا الصحيح من الخطأ, ولا الحق من الباطل. وهل عندما تتلوث أرواحنا ويختل توازنها تضطرب حياتنا وتهتز قيمنا وتطفو على السطح من القيم والقناعات ما يفكك من وحدتنا ويهدد استقرار مجتمعاتنا ويخرب علينا ألفتنا بعضنا مع بعض. وكيف لهذه الروح أن تتلوث وهي طاقة لها قدرة عظيمة ودائمة أن تحرق من يدنو منها من الشياطين, فهل التلوث فيها أم في الإناء والوعاء الذي يحويها, فهذا الوعاء إما أن يكون شفافا يمرق النور من خلاله, وإما أن يكون معتما لكثرة ما عليه من حجب فينحبس هذا النور مكانه, وبين هذا وذاك درجات متفاوتة من النور والظلام في حياة الإنسان لا لضعف أو قلة في نور الروح الأصلي, لكنه تفاوت نتيجة لما يضعه الإنسان نفسه من عوائق وحجب في طريق هذا النور من الوصول إليه. الإنسان هو كون في حد ذاته ومركز هذا الكون هو روحه, ويحوي هذا الكون الإنساني عوالم متعددة, ولكل عالم من هذه العوالم مدارات خاصة به من النشاط الإنساني ولها مراتب من حيث كبرها وحجم تأثيرها في وجود الإنسان. لكن كل هذه العوالم تستمد حركتها وطاقة نشاطها من المركز وهو الروح. عالم الجسد وإن كان أصغر هذه العوالم وأقربها لوعينا وإدراكنا كما هو الحال بعلمنا واطلاعنا على المجموعة الشمسية بالنسبة إلى مجموع الكون, فعالم الجسد هذا على صغره إلا أنه عالم معقد فيه من العلوم والأسرار ما سيبقي الإنسان في اجتهاد متواصل للتعرف عليها, فهذا العالم تدور فيه من التفاعلات والأحداث ما جعل الإنسان في حيرة كيف بمقدوره أن يفهمها وأن يصفها, الخلايا تتواصل فيما بينها بلغات مختلفة وعلى درجة عالية من التعقيد, وكل خلية منها هي مدينة صناعية ضخمة لا تضاهيها أرقى وأكبر مدينة صناعية يحلم الإنسان ببنائها, ويقول بعض العلماء إن هذه المدينة الصناعية التي تحويها الخلية الواحدة تدار من قبل أكثر من ألف مركز سيطرة على درجة عالية من التنسيق فيما بينها, وتنتج هذه الخلية شتى أنواع الطاقة التي بات الإنسان يحلم بالاستفادة منها واستخدامها في إدارة حياته في الخارج. وكل هذه العظمة التي يحويها عالم الجسد هذا في الإنسان هي قليل إذا ما قورن بعالم العقل والتفكير, فهذا العالم فيه من الطاقة ما لا حد لها ويكفينا ما يقوله العلماء إننا أقصى ما استخدمناه من هذه الطاقة لم يصل حتى إلى 10 في المائة منها, فأقل من 10 في المائة من هذه الطاقة هي التي أنتجت لهذا الإنسان كل هذا العلم الذي كشف فيه كثير من أسرار نفسه وألغاز الكون المحيط به. وعندما يريد العلماء التحدث عن عالم أو عوالم ما فوق الوعي أو العقل الباطن كما يسمونه فإنهم يقفون مذهولين لما هناك من قدرات خارقة وإمكانات غير محدود وكأن هذه العوالم وهذا العقل على قرب من مصدر طاقة تفتح للإنسان فتوحات وقدرات لا تخطر على باله. وفوق ذلك تأتي نفس الإنسان وفيها تتلاطم عوالم لا حد لها, وأما المسافات التي بينها فهي بعيدة جدا حتى إن السنة الضوئية التي نقيس بها بعد الكواكب عنا وعن بعضها هي أصغر بكثير من أن نقيس بها المسافات التي بين أطراف النفس وعوالمها. أما لو تخيلنا أننا عندنا من الصواريخ المتطورة التي بمقدورها أن تقذف بنا بعيدا إلى حدود عالم الروح ودعونا نفترض أننا عندنا ما نحتمي به من ألبسة تمكننا من هذا السفر والإبحار في فضاء هذا العالم من غير أن نحترق أو نندك على أنفسنا لشهدنا ذلك النور الذي بعث فينا الوجود,هذا النور الذي طاقته هي طاقة الحياة كلها, وهي الطاقة التي تمد العوالم الأخرى للإنسان بما تحتاج إليه من طاقة, وعندها المزيد والمزيد لا بل إن الطاقة التي تؤخذ منها لا تنقصها بل تزيدها اتساعا ونورا وإشراقا. فهذا العالم من النور بمقدور الإنسان أن يزيده اتساعا إذا ما هو أراد, وكلما اتسع هذا النور امتد وجود هذا الإنسان وبالعكس ربما تضيق مساحة هذا النور فينكمش وجود هذا الإنسان, وبتلاشي هذا النور تتضاءل إنسانية هذا الإنسان, فلا غرابة أن يصدر من هذا الإنسان الذي يعيش الظلمة لغياب هذا النور ممارسات شيطانية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي