تنازع الاختصاص القضائي الولائي

لا يعتد بالحكم القضائي إلا إذا كان صادراً في حدود الولاية القضائية للمحكمة التي أصدرته، فإذا أصدرت المحكمة حكماً في دعوى يخرج عن ولايتها موضوع النزاع فإن حكمها يعد في هذه الحالة منعدماً ومن ثم لا يكتسب حجية الأمر المقضي، ولا يرتب أي أثر لأن القاضي يفقد صفته القضائية خارج حدود ولايته. ويحدث أحيانا تنازع بين المحاكم والهيئات القضائية بشأن الاختصاص القضائي الولائي، وهذا التنازع قد يكون إيجابيا بأن تقرر محكمتان اختصاصهما بدعوى معينة، وقد يترتب على ذلك صدور حكمين متناقضين بشأن الدعوى نفسها. وقد يكون التنازع سلبياً بأن تقرر كل من المحكمتين عدم اختصاصها بنظر الدعوى والفصل فيها.
ومن القضايا الحديثة المتعلقة بتنازع الاختصاص السلبي، القضية القائمة منذ عام 2005 بين شركة المصافي وشركة المجموعة السعودية للاستثمار الصناعي، التي أشار إليها محمد بن فهد العمران في مقاله المنشور في جريدة ''الاقتصادية'' بتاريخ 12/2/1431هـ الموافق 27/1/2010م، بعنوان (معلقات السوق المالية السعودية)، حيث صدر حكم من ديوان المظالم بعدم الاختصاص وترتب على ذلك تحويل القضية إلى لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية التي بدورها حكمت بعدم الاختصاص أيضا، الأمر الذي جعل شركة المصافي ترفع الموضوع إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء لتحديد الجهة المختصة لنظر النزاع، وكانت النتيجة اعتذار المجلس عن تحديد جهة الاختصاص القضائي وهو ما أجبر الشركة أخيراً على رفع موضوع تنازع الاختصاص إلى خادم الحرمين الشريفين رئيس مجلس الوزراء.
لم يشر الكاتب الفاضل إلى موضوع النزاع القائم بين الشركتين حتى نحاول تحديد طبيعته القانونية، إذ في ضوء تحديد الطبيعة القانونية لموضوع النزاع يمكن الاجتهاد في تحديد الجهة القضائية المختصة بالفصل فيه.
ومهما يكن من أمر، فإن المشرع السعودي وضع تنظيماً خاصاً لحل تنازع الاختصاص سواء كان إيجابياً أم سلبياً. فالمادة (27) من نظام القضاء الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/87 وتاريخ 19/9/1428هـ قررت ما يلي:-
(إذا رفعت دعوى عن موضوع واحد أمام إحدى المحاكم الخاضعة لهذا النظام وأمام إحدى محاكم ديوان المظالم أو أي جهة أخرى تختص بالفصل في بعض المنازعات ولم تتخل إحداهما عن نظرها أو تخلت كلتاهما، فيرفع طلب تعيين الجهة المختصة إلى لجنة الفصل في تنازع الاختصاص في المجلس الأعلى للقضاء، وتؤلف هذه اللجنة من ثلاثة أعضاء، عضو من المحكمة العليا يختاره رئيس المحكمة، وعضو من ديوان المظالم أو الجهة الأخرى يختاره رئيس الديوان أو رئيس الجهة - حسب الأحوال - وعضو من القضاة المتفرغين أعضاء المجلس الأعلى للقضاء يختاره رئيس المجلس ويكون رئيساً لهذه اللجنة، كما تختص هذه اللجنة بالفصل في النزاع الذي ينشأ في شأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين، أحدهما صادر من إحدى المحاكم الخاضعة لهذا النظام والآخر من إحدى محاكم ديوان المظالم أو الجهة الأخرى).
وبينت المادة (28) من نظام القضاء الإجراءات الواجب اتخاذها بشأن الفصل في موضوع تنازع الاختصاص القضائي فقررت ما يلي:
(يرفع الطلب في الأحوال المبينة في المادة السابعة والعشرين من هذا النظام بصحيفة تقدم إلى الأمانة العامة للمجلس الأعلى للقضاء تتضمن - علاوة على البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم وأماكن إقامتهم وموضوع الطلب - بياناً كافياً عن الدعوى التي وقع في شأنها التنازع أو التخلي أو النزاع الذي نشأ في شأن حكمين نهائيين متناقضين. وعلى الطالب أن يودع مع هذه الصحيفة صوراً منها بقدر عدد الخصوم مع المستندات التي تؤيد طلبه، ويعين رئيس لجنة الفصل في تنازع الاختصاص أحد أعضائها لتحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة، وعلى الأمانة إعلام الخصوم بصورة من الصحيفة مع تكليفهم بالحضور في الجلسة التي تحدد لتحضير الدعوى. وبعد تحضير الدعوى تعرض على رئيس اللجنة لتحديد جلسة أمام اللجنة للمرافعة في موضوعها).
ثم قررت المادة (29) من النظام المذكور بأنه (يترتب على رفع الطلب إلى اللجنة المشار إليها في المادة السابعة والعشرين من هذا النظام وقف السير في الدعوى المقدم في شأنها الطلب. وإذا قدم الطلب بعد الحكم في الدعوى فلرئيس لجنة الفصل في تنازع الاختصاص إذ يأمر بوقف تنفيذ الحكمين المتعارضين أو أحدهما).
كما قررت المادة (30) بأن يصدر قرار لجنة الفصل في تنازع الاختصاص بالأغلبية، ويكون غير قابل للاعتراض.
ومما سبق يتضح أن التنظيم الذي وضعه نظام القضاء بشأن حسم تنازع الاختصاص القضائي مقصور على التنازع الذي ينشأ بين إحدى المحاكم الخاضعة لنظام القضاء (أي المحاكم التي تشرف عليها إدارياً وزارة العدل) وإحدى محاكم ديوان المظالم أو أي جهة أخرى تختص بالفصل في بعض المنازعات، فإذا كان التنازع واقعاً بين هيئات قضائية أخرى لا تخضع لنظام القضاء فإنه لا يمكن تطبيق قواعد حسم مسألة التنازع المنصوص عليها في نظام القضاء. ولذلك ولما كان التنازع السلبي بشأن الاختصاص الولائي في قضية شركة المصافي وشركة المجموعة السعودية للاستثمار الصناعي قائماً بين ديوان المظالم ولجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية، وهما جهتان لا تخضعان لنظام القضاء فقد كان امتناع المجلس الأعلى للقضاء عن الفصل في هذا التنازع تصرفاً يتفق وأحكام نظام القضاء.
ومن جهة أخرى، فإنه تجدر الإشارة إلى أن نظام ديوان المظالم الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/78 وتاريخ 19/9/1428هـ وضع تنظيماً خاصاً لحل تنازع الاختصاص الذي قد ينشأ بين إحدى محاكم ديوان المظالم وجهة أخرى، حيث قررت المادة (15) من النظام المذكور بأنه (مع عدم الإخلال بما ورد في المادة السابعة والعشرين من نظام القضاء، إذ رفعت دعوى عن موضوع واحد أمام إحدى محاكم الديوان وأمام أي جهة أخرى، تختص بالفصل في بعض المنازعات ولم تتخل إحداهما عن نظرها أو تخلتا كلتاهما، فيرفع طلب تعيين الجهة المختصة إلى لجنة الفصل في تنازع الاختصاص التي تؤلف من ثلاثة أعضاء: عضو من المحكمة الإدارية العليا يختاره رئيس المحكمة، وعضو من الجهة الأخرى يختاره رئيس الجهة، وعضو من مجلس القضاء الإداري يختاره رئيس المجلس ويكون رئيساً لهذه اللجنة، كما تختص هذه اللجنة بالفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من محاكم الديوان والآخر من الجهة الأخرى، وتفصل في هذه الدعاوى وفقاُ للأحكام والإجراءات الواردة في نظام القضاء).
وترتيباً على ما سبق فإن مسألة تنازع الاختصاص بين إحدى محاكم ديوان المظالم ولجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية يجب حلها وفقاً للقواعد والإجراءات المنصوص عليها في المادة (15) من نظام ديوان المظالم المشار إليها آنفاً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي