فاجعة ينهض لها بطل الأمة
كانت صدمتنا نحن سكان مدينة جدة بكارثة السيول كبيرة. كانت مآسيها وآثارها مذهلة لم نعهدها من قبل. وعندما صحونا من الصدمة وأخذنا نتحسس أنفسنا وجيراننا ومدينتنا، بدت تتكشف لنا فواجع. كانت صور ضحايا السيول وهم صرعى على أرصفةِ الشوارع وجنبات الطرقات صادمة وموجعة. علمنا عن ضحايا نعرفهم وسمعنا عن أسر فقدت. ثم رأينا دمارا شاملا في بعض المناطق خاصة في المنطقة الواقعة على ضفتي طريق الحرمين بين كوبري طريق الملك عبد الله وكوبري الجامعة. والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
إن ما زاد من ألم الناس أن أغلبهم لم تصلهم تحذيرات جادة عن مخاطر هذه الأمطار من الجهات المسؤولة (كهيئة الأرصاد، البلدية، الدفاع المدني، وسواهم) ناهيك عن أن يكونوا على دراية بخطوات وتفاصيل طرق توخي الحذر التي عليهم اتباعها. كثيرا ما تحدثنا في مدينة جدة - وما زلنا - عن خطر بحيرة المسك، لكني لا أعرف ولم أر تعليمات مكتوبة بخطوات محددة وزعت على سكان جدة ومدارسها ودوائرها بكيفية التصرف في حال حدوث مكروه. وهو إجراء معهود في الدول والمدن المعرضة لكوارث طبيعية. كانت مدينة سان فرانسيسكو في كاليفورنيا، حيث درست معرضة - وما زالت- لمخاطر الزلازل، وكانوا يذكرون الناس بشكل مستمر بكيفية التصرف في كافة الأحوال التي يكون عليها الناس في البيوت أو على الطرقات أو في المباني والمستشفيات.
في فاجعة جدة كانت استعداداتنا الإنقاذية ضعيفة جدا ومتأخرة، كما كانت التغطية والمتابعة الإعلامية المباشرة متواضعة كالعادة، فلجأ الناس لبدائل ووسائل الاتصال الحديثة، في وقت كانوا يأملون أن يجدوا متابعة مباشرة وتغطية تلفزيونية شاملة وشريطا معلوماتيا مستمرا على شاشات التلفزة ومحطات الإذاعة يتابع تطور المأساة ويقدم النصائح المناسبة ويوجه الناس في المنطقة المنكوبة، ويطلب من المتطوعين والقادرين التوجه إلى هذه المناطق لمد يد المساعدة . يجب أن يعرف الناس ويتعودوا على العمل الجماعي والتطوعي.
في أوضاع متراكمة كأوضاع مدينة جدة وفي فاجعة كفاجعتها، كان المجتمع بحاجة إلى نهوض بطل غير عادي يقوم بإجراءات غير عادية. وكنت شخصيا على ثقة بأن بطل الموقف سيكون صاحب القلب الطاهر الكبير، ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، الملك الممتلئ إنسانية وعطفا، الملك الصادق مع ربه وشعبه ونفسه. فما إن استوعب حجم الكارثة وتبدى له حجم المأساة واكتملت لديه التقارير حتى انتفض ونهض نهضته المعهودة، فلم يكتف بإصدار الأوامر اللازمة، ولكنه إدراكا منه – حفظه الله ورعاه، وسدد على طريق خطاه، وجزاه عن أمته خير الجزاء - بأهمية الموقف، وإمعانا في تأكيد مشاعره وبث جميل مواساته وتوضيح مقدار ألمه وانزعاجه، ورغبة في إيصال أوامره بشكل قاطع وواضح وعاجل، آثر توجيه بيان ملكي للأمة فكان ما عرفه الآن القاصي والداني. وقد كان بيانا مؤثرا شعر الناس بقوته ولمسوا صدق كلماته وعرفوا لغته الحاسمة. هذا الملك الذي امتدت مآثره الإنسانية فشملت شعوبا في أصقاع الأرض، ما كان سيرضى أن تمر هذه الفاجعة مرورا تقليديا، فكان منه ما كان.
كم نحن بحاجة - بعد تضميد الجراح – إلى وضع النقاط فوق الحروف، واستيعاب كافة الدروس، والبدء بمحاسبة النفوس. فوالله إن هذه إرهاصات تشير إلى ما هو أخطر إن نحن تباطأنا في علاج أحوالنا أو تأخرنا عن إصلاح مؤسساتنا. يبعث الله لنا كل حين تحذيراته ونحن عنها غافلون. ويا أمان الخائفين، ارحم عبادك المستضعفين.