حق حرية السكن
(حق ا لأمن للمقيمين) كان هذا هو عنوان المقالة السابقة التي أشرت فيها إلى ما ورد في نظام الحكم الأساس للمملكة واهتمام الدولة بأمن المقيمين على أراضيها ولا يجوز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب النظام، وأشرت إلى من يدخلون إلى أراضي المملكة متسللين بطرق غير نظامية خاصة من دول الجوار وما تتخذه المملكة من تصرفات حكيمة، كما أود أن أضيف أن المملكة تحرص على التعاون مع تلك الدول التي تعاني من ضعف حركة التنمية والبطالة والفقر وذلك بإعطاء قروض ميسرة ومنح ومساعدات لتلك الدول حسبما تمليه على المملكة الأخوة الإسلامية والعربية وحقوق الإنسان وحسن الجوار وهذا يساعد على التخفيف من تسرب مواطني تلك الدول إلى المملكة بطرق غير نظامية، كما وضحت جهود الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في الرفع للجهات المختصة في الدولة عما ترصده الجمعية من تجاوزات من بعض موظفي الدولة عند تعاملهم مع المتسللين، وأخيرا تحدثنا عن حق حرمة المساكن التي أشار إليها النظام المذكور والمنطلقة من اهتمام الإسلام بها وحماية ذلك الحق، والآن نكمل ما تبقى من الحديث عن حرية السكن التي وردت في كتاب (الإحكام في حقوق الإنسان في الإسلام) لمؤلفه المواطن المهندس عبد العزيز سندي، الذي استندنا إليه عند الحديث عن حرية السكن، والآن إلى ذلك المصدر وما تبقى من الحديث عن حرية السكن:
الإسلام حث على ضمان الحريات الثلاث للمسكن وهي:
1- حرية اختيار المسكن واستعماله وفق الضوابط الشرعية، فيستعمل السكن فيما لا يلحق الضرر بجيرانه ولا بغيرهم (لا ضرر ولا ضرار).
2- عدم دخول المسكن بغير إذن صاحبه إلا بمسوغ شرعي.
3- عدم النظر إلى داخل المسكن، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه أنه - سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: (لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح). رواه البخاري، كما يدخل في حرية السكن عدم التجسس أو الاستماع إلى أسرار من بداخل البيت والنهي عن التنصت، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من استمع إلى حديث قوم وهم يفرون به منه صُب في إذنه الآنك يوم القيامة)، وقصة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، معروفة عندما كان يمشي في المدينة المنورة ليلا فسمع صوت رجل يتغنى فتسور عليه فوجد عنده خمرا فقال: يا عدو الله أظننت أن الله يسترك وأنت في معصيته فأجابه الرجل قائلا أنت يا أمير المؤمنين لا تعجل عليّ وإن كنت عصيت الله واحدة فقد عصيت الله في ثلاث، فقد قال تعالى (ولا تجسسوا) وقد تجسست، وقال تعالى (وأتوا البيوت من أبوابها) وقد تسورت عليّ، ثم قال تعالى: (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا...) وقد دخلت عليّ بغير إذن. عند ذلك قال عمر: هل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال نعم والله لا أعود فقال رضي الله عنه، اذهب فقد عفوت عنك، كما منع الإسلام الاستيلاء على المسكن أو هدمه دون مسوغ شرعي كأن يزال لتوسعة طريق أو بناء مسجد وفي هذه الحالة يجب الاستئذان من ولي الأمر وبتعويض عادل).
انتهى موجز ما جاء في المصدر المذكور، ولا شك أن المسكن هو المأوى الذي يلوذ به الإنسان بعد الله تعالى، ويجد فيه السكنى والأمن والطمأنينة ويقيه الحر والبرد ويستره عن عيون الناس ويضم أسرته ويستقبل فيه ضيوفه ويتلقى فيه المعايدات وتقام فيه الأفراح والمآتم والبيت وعاء التربية، والبيئة التي ينشأ الأبناء فيها وهو عنوان ومقياس لذوق رب الأسرة والزوجة بل والأسرة كافة، وقد قارن الله تعالى، إخراج الناس من بيوتهم وطردهم منها بالأذية والضرر الكبير الذي يلحق بالإنسان، وورد في ذلك كثير من الآيات ومنها قوله تعالى (.... فالذين هاجروا وأُخرِجُوا من ديارهم وأُوذوا في سبيلي وقاتلوا وقُتلوا لأكفرن عنهم سيئاتِهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار...) (آل عمران .. 195). وفي الحلقة 94 القادمة نكمل الباقي.