شركات التكنولوجيا الأمريكية قد تصبح هدف الانتقام الأوروبي من رسوم ترمب

"ميتا بلاتفورمز" و"ألفابت" تعتمد على السوق الأوروبية في تحقيق ما بين 20% إلى 30% من إيراداتها

كل انخفاض بنسبة 10% بالصادرات الأوروبية لأمريكا يمكن تعويضه بزيادة 1% فقط في التجارة بين دول القارة العجوز

أجّل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الاتحاد الأوروبي، بعد أيام قليلة فقط من إطلاق تهديده الأول. وربما يبدل موقفه مجدداً مع حلول موعد الإفطار. نحن أمام حدود واضحة لإستراتيجية المجنون في التفاوض، فكلما طال أمدها، بدت أشبه بنداء "الذئب قادم".
في المقابل، تعاملت الأسواق المالية مع الموقف بهدوء نسبي، متجاهلة التهويل، وهو ما ينبغي أن يحتذي به الأوروبيون أيضاً، بتفادي الوقوع في فخ الاستسلام لأسلوب متغطرس، مهما بلغت قوته ونفوذه.

أثر الرسوم الجمركية في ألمانيا وأمريكا

كما اضطر الاتحاد الأوروبي إلى التزام الهدوء ومواصلة التفاوض عندما هدد ترمب سابقاً بفرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 20%، وكذلك عندما علق القرار لمدة 90 يوماً بسبب اضطرابات الأسواق المالية، فعليه الآن أن يتبع النهج ذاته في مواجهة تهديد أشد وطأة مثل فرض رسوم بنسبة 50%.
نعم، التأثير الاقتصادي لمثل هذا السيناريو الكارثي سيكون هائلاً، إذ سينخفض إجمالي الصادرات إلى الولايات المتحدة إلى النصف، بحسب "بلومبرغ إيكونوميكس"، وهو ما سيشكّل ضربة قاصمة لألمانيا التي تواجه عاماً جديداً بلا نمو اقتصادي.
في المقابل، سيتراجع الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة أيضاً بنسبة تزيد عن 2%، إلى جانب ارتفاع الأسعار بأكثر من 1%، ما يجعل بقاء هذه الرسوم لفترة طويلة أمراً مستبعداً، وهو أحد الأسباب التي جعلت موجة البيع في سوق الأسهم الأسبوع الماضي محدودة نسبياً.
المسألة لا تتعلق بافتراض خداع ترمب، بل بفهم أنه يفضل ممارسة تكتيكات ضغط رخيصة بدلاً من الانخراط في تفكيك تجاري باهظ الثمن، خاصة في وقت يحذر فيه أمثال جيمي ديمون من شبح الركود التضخمي. ولهذا، من الأفضل أن نأمل في الأفضل، ونستعد للأسوأ، مع مواصلة طرح سُبل لتهدئة التوترات، كما فعلت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عندما نجحت في كسب مزيد من الوقت.

ثمن الخضوع للضغوط الأمريكية

أما البديل عن الرضوخ للمطالب الأمريكية، فسيعني استسلاماً على نطاق صناعي واسع، إذ سيلغي الاتحاد الأوروبي ضرائب أساسية ومعايير غذائية لمجرد أن أيديولوجية "لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً" (MAGA) تعتبرها رسوماً جمركية.
التنازل عن إيرادات سنوية تُقدّر بتريليون يورو (1.1 تريليون دولار) من ضريبة القيمة المضافة، سيجعل الاتحاد الأوروبي أكثر غضباً وفقراً، وأقل قدرة على الدفاع عن نفسه في وجه روسيا. ولا ينبغي التغافل عن أن الساسة الأوروبيين بدورهم لديهم انتخابات يحرصون على كسبها.
بينما ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يواصل تقديم "الجزرة"، مثل تقليل الانتفاع المجاني بمظلة دفاع "الناتو"، واتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه فائض التجارة الصيني، وزيادة شراء السلع الأمريكية، فعليه أيضاً أن يلوح بـ"العصا" إذا استمر تهديد فرض رسوم بنسبة 50%.
وبدلاً من ذلك، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يعلن بوضوح استعداده لاستهداف قطاع الخدمات الأمريكي، لا سيما شركات التكنولوجيا الكبرى. فشركات مثل "ميتا بلاتفورمز" (Meta Platforms) و"ألفابت" (Alphabet)، تعتمد على السوق الأوروبية في تحقيق ما بين 20% إلى 30% من إيراداتها.
وقد حذر المستشار الألماني فريدريش ميرتس يوم الاثنين قائلاً: "نحن نحمي شركات التكنولوجيا الأمريكية بشكل كبير حالياً... لكن هذا يمكن أن يتغير".

تهديدات ترمب فرصة لإعادة الهيكلة

وأخيراً، ثمة مشكلة ملحة، والتي تتعلق بما إذا كان الاتحاد الأوروبي قادرا على أن يستفيق ويصبح هو نفسه الحل لأزماته في عالم يتباطأ فيه النمو وتتصاعد فيه الديون؟
تشير تغريدات ترمب إلى عالم يزداد عدائية ونزعة تجارية بالنسبة إلى تكتل القوة الناعمة الذي يعتمد على عديد من الشركاء الخارجيين لتحقيق الازدهار.
هذا الواقع سيتطلب جهداً محلياً متضافراً لتحفيز النمو من داخل السوق الأوروبية الموحدة. وهو أمر ممكن، إذ يقدّر اقتصاديون في "بي إن بي باريبا" (BNP Paribas) أن كل انخفاض 10% في الصادرات إلى الولايات المتحدة يمكن تعويضه بزيادة قدرها 1% فقط في حجم التجارة البينية داخل الاتحاد الأوروبي.
لكن لتحقيق ذلك، سيحتاج الأمر إلى مزيد من الإصلاحات الاقتصادية، وزيادة حجم التبادل التجاري مع الدول المجاورة مثل المملكة المتحدة، وتحول في أنماط الإنفاق داخل الدول المُقتصدة مثل ألمانيا.

40 يوماً لحسم مسار الاتحاد الأوروبي

من المفارقات أن ترمب، بكل إنذاراته التجارية المكتوبة بأحرف كبيرة، يُقدّم لأوروبا خدمة غير مقصودة. فكل تهديد جديد يُضعف المعنويات ويُبطئ الاستثمارات، لكنه في الوقت ذاته يحفز الاتحاد الأوروبي على إعادة ترتيب أوراقه في غضون الأربعين يوماً المقبلة، بدءاً من تعزيز دعمه لأوكرانيا وصولاً إلى إزالة الحواجز الداخلية التي تعيق النمو، بدلاً من الاكتفاء بالتفاوض بصبر حول استثناءات من الرسوم الجمركية.
وكما صرح وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن أخيرا لصحيفة "لو فيجارو" الفرنسية: "الرئيس ترمب يحترم القوة، وعندما ينظر إلى أوروبا، لا يرى قوة".
وختاماً، فإن تكرار الصراخ بوجود "ذئب" كثيراً، يؤدي في النهاية إلى ظهوره فعلاً.

خاص بـ"بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي