ماذا يمكن أن يتعلم قطاع الضيافة الأمريكي من القفزة التكنولوجية السعودية؟

ماذا يمكن أن يتعلم قطاع الضيافة الأمريكي من القفزة التكنولوجية السعودية؟

ماذا يمكن أن يتعلم قطاع الضيافة الأمريكي من القفزة التكنولوجية السعودية؟
"واس"

ظلت الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي رائدة في مجال تكنولوجيا الضيافة. ومن الطلب عبر الهاتف المحمول وأكشاك الخدمة الذاتية، إلى تخصيص تجربة الضيف باستخدام الذكاء الاصطناعي، أعاد الابتكار صياغة آلية عمل شركات الضيافة الأمريكية.

لكن في الآونة الأخيرة، وجد بيتر كيليس، مؤسس شركة "TRAY" ورئيسها التنفيذي، الإلهام خارج حدود الولايات المتحدة. إنه ما تشهده السعودية حاليا.

يصف كيليس نمو أعمال الضيافة والابتكار التكنولوجي في السعودية بأنه "إنجاز واعد"، مشيرا إلى أن المشغلّين السعوديين "لا يسيرون على خطى الأنظمة القديمة، بل يفوقونها تماما، بفضل الدعم الحكومي القوي والاستثمارات الطموحة في البنية التحتية وثقافة الانفتاح التكنولوجي".

يرى الرجل، وهو أيضا عضو في مجلس "فوربس" التكنولوجي، أن هذه الطفرة السعودية تمثل فرصة سانحة. وكتب في مقال نشرته "فوربس" يقول: "يمكننا، بل يجب علينا، أن نستلهم من الرهانات الجريئة التي تقدمها السعودية في مجال تكنولوجيا الضيافة لإعادة النظر فيما هو ممكن في أسواقنا".

اتساع الطبقة المتوسطة، والنمو السياحي، والتعاون بين مختلف القطاعات من أجل الرقمنة، إضافة إلى الدعم الحكومي لصناعة الأغذية، وثقافة الغذاء التي تركز على التنوع والسرعة، كلها عوامل تسهم في نجاح قطاع المطاعم السعودي، بحسب تقرير لمنصة "ResearchAndMarket"

البناء من الصفر

من وجهة نظر كيليس، فإن واحدة من أهم مزايا قطاع الضيافة في السعودية أن عديدا من العلامات التجارية الناشئة "تُبنى من الصفر".

على عكس شركات التشغيل في الولايات المتحدة، التي غالبا ما تضطر إلى تحديث الأنظمة القديمة بالتقنيات الحديثة، يبدأ عديد من الشركات السعودية من الصفر. وهذا يفتح الباب أمام مجموعات تقنية أكثر تكاملا وقابلية للتوسع ومواكبة للمستقبل. أحد الأمثلة الرائعة على ذلك شركة "شاورمر"، بحسب كيليس.

بدلا من جمع وتركيب مجموعة من أنظمة نقاط البيع القديمة والأجهزة المحمولة والطابعات وأدوات الجدولة، يستخدم عديد من شركات التشغيل السعودية منصات سحابية تعمل بشكل متناسق من البداية، ما يتيح لهذه الشركات استخدام الأنظمة بشكل أسرع، وتقليل تكاليف الصيانة على المدى الطويل، ومنحها مرونة أكبر للابتكار مع مرور الوقت.

يقول مؤسس شركة "TRAY": "هذا تذكير للمشغلين في الولايات المتحدة: عندما تتاح لكم فرصة ترقية أنظمتكم أو توسيعها، لا تكتفوا بإضافة أحدث الابتكارات اللامعة إلى الأنظمة القديمة. تراجعوا قليلا، وأعيدوا تقييم حزمة التقنيات المثالية لديكم، وابنوا حلولا متطورة بحيث تكون جاهزة ومناسبة للأعوام العشرة المقبلة".

دعم سعودي للابتكار

رؤية السعودية 2030 جعلت التكنولوجيا أولوية استراتيجية. وشملت النتائج استخداما سريعا لحلول تكنولوجية متطورة في المطارات ومراكز الترفيه والمطاعم، غالبا بدعم حكومي أو عبر تسهيل الإجراءات التنظيمية.

من النتائج كذلك، انتشار واسع لحلول مثل قاعات الطعام المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتجارب طلب الأطعمة أو دفع ثمنها بدون تلامس أو محاسبين، وتقنيات التعرف على الوجه في الفنادق. في كثير من الحالات، أثبتت هذه الحلول فاعليتها وحققت عوائد استثمارية ملموسة.

كذلك، دخلت شركة "هرفي" للخدمات الغذائية، أكبر سلسلة مطاعم للوجبات السريعة في السعودية، في شراكة مع شركة "SAP" لاعتماد نظام "RISE" السحابي.

قبل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في مايو الماضي، خصصت السعودية له شاحنة ماكدونالدز متنقلة ومجهزة رقميا، ومزودة بأنظمة طلب ومطبخ متكامل.

يقول كيليس: "أثبت ذلك قدرة السعودية على تقديم تجربة لعلامة تجارية عالمية بسرعة باستخدام تقنيات تشغيلية سلسة".

في حين لا تمتلك الولايات المتحدة مبادرة وطنية واحدة تركز على الابتكار في قطاع الضيافة "فإن هناك دروسا قيمة للتعاون بين القطاعين العام والخاص، وللعلامات التجارية الأمريكية التي تعمل ضمن الأطر البلدية"، بحسب كيليس.

قفزة نوعية سريعة

من أبرز ما يميز نهج السعودية هو سرعة التغيير الهائلة. تطبق المطاعم الجديدة أنظمة على نطاق المؤسسات بسرعة، من خلال الاعتماد على مزوّدي خدمات مرنين، وتبنّي أنظمة سحابية، ومنصات تركز على واجهات برمجة التطبيقات (API)، التي يمكن تخصيصها واستخدامها بسرعة.

بينما يرى كيليس أن كل ذلك يتم دون ضخامة وجمود البنى التحتية التقليدية لنقاط البيع القائمة على الخوادم، فإنه يعتقد أن من الصعب على المشغلين في الولايات المتحدة مواكبة هذه الوتيرة السريعة "حيث غالبا ما يواجه المشغلون الكبار سلسلة من الموافقات وتعقيدات التكامل وعلاقات قديمة مع الموردين تبطئ كل شيء".

يؤكد عضو مجلس "فوربس" التكنولوجي ضرورة ألا تبقى الأمور على هذا النحو في الولايات المتحدة، قائلا: "يمكن للمشغلين الأمريكيين أن يطالبوا مزودي التكنولوجيا باستخدام أسرع وأكثر مرونة للحلول التقنية".

يعني هذا من وجهة نظره التعاون مع شركاء "يفهمون حجم العمل، ويتبنون المنصات المفتوحة، ويصممون أنظمة قابلة للتخصيص بسهولة، بدلا من الاعتماد على برمجة مخصصة".

توصيات من أجل تجربة زائر متميزة

تركز السعودية في قطاع الضيافة على تجربة الزائر، ولا سيما بين جيلي زد والألفية الملمين بالتكنولوجيا، والذين يتوقعون خدمة سلسة، وسرعة في إنجاز الطلبات، وتجربة مخصصة.

في قطاع الفنادق، تتيح الحوسبة السحابية التحكم الذكي في الغرف، وتقديم توصيات مخصصة بناء على تفضيلات الضيف. وتتحكم تطبيقات الهاتف المحمول أو الأوامر الصوتية في أنظمة الإضاءة والتكييف والترفيه.

في قطاع المطاعم، لا يقتصر الابتكار على تحسين العمليات الداخلية، بل يشمل كذلك تجربة الزائر، من أنظمة طلب رقمية سهلة، وبرامج ولاء مخصصة، إلى موظفين مجهزين ببيانات لحظية تساعدهم على تقديم خدمة أسرع وأكثر كفاءة، بعيدا عن الأجهزة أو الأنظمة القديمة.

مثلا، تستفيد منصات الطلبات الرقمية الآن من الذكاء الاصطناعي لتقديم توصيات مخصصة بناء على عوامل مثل سجل الطلبات، وبيانات العملاء الديموغرافية، إضافة إلى مدخلات أخرى مثل وقت اليوم أو الموسم.

المطاعم التي تطبق هذه التوصيات المخصصة لقوائم الطعام تشهد ارتفاعا واضحا في متوسط ​​قيمة الطلب. يقول كيليس: "هذا يُذكرنا بأن التكنولوجيا لا ينبغي أن تخدم المشغل فحسب، بل ينبغي أن تسعد العميل أيضا".

"أكثر التجارب جرأةً"

لا شك أن الولايات المتحدة ما زالت رائدة في عديد مجالات الابتكار التكنولوجي في قطاع الضيافة. مع ذلك، يرى كيليس أنها لا ينبغي أن تتجاهل الأفكار الجديدة والتقدم السريع الذي يحدث في أماكن أخرى "خاصة في أسواق مثل السعودية التي تبني للمستقبل دون أن تكون مقيدة بالماضي".

ويقول: "يمكن للعلامات التجارية الأمريكية أن تستلهم من هذا الفكر. الأمر لا يتعلق بتقليد ما تفعله السعودية، بل بإدراك فرصة إعادة التفكير في الإمكانات عند التحرر من الافتراضات القديمة".

يدعو كيليس إلى البناء بعزم والتحلي بالمرونة، من أجل وضع تجربة الزائر في المقام الأول. الأهم من ذلك من وجهة نظره - وخطابه موجه للأمريكيين - "لنكن مستعدين للتعلم، ليس فقط من الماضي، بل من أكثر التجارب جرأةً التي تُشكل المستقبل".

الأكثر قراءة