هل لا تزال استضافة الأولمبياد مجدية اقتصاديا؟

في الـ23 من يونيو، أي قبل يومين، احتفل العالم باليوم الأولمبي العالمي، تخليداً لذكرى تأسيس اللجنة الأولمبية الدولية عام 1894. وبينما تُستحضر هذه المناسبة غالبًا من زاوية رياضية أو ثقافية، فإن ما يدعو للتأمل بعد انقضاء هذا الاحتفاء ليس إنجازًا رياضيًا أو رقمًا قياسيًا، بل سؤال اقتصادي جوهري يفرض نفسه بقوة: هل لا تزال استضافة الألعاب الأولمبية مجدية في عصر تتزايد فيه أهمية المحاسبة المالية والاستدامة والمساءلة الاجتماعية؟
لأكثر من قرن، شكّلت الألعاب الأولمبية منصة استثنائية استُخدمت لتوليد الحماس الوطني، وتحفيز التنمية الحضرية، وتسويق صورة الدول في الساحة العالمية. ولفترة طويلة، كانت الاستضافة تُعد "جائزة إستراتيجية"، حتى وإن لم تكن دائمًا مربحة من الناحية المالية. فقد كان يُنظر إليها كرافعة سياسية واقتصادية، وليست مجرد حدث رياضي.
لكن الموازين بدأت تتغير. فقد أصبح من الواضح أن النماذج التقليدية في تنظيم الأولمبياد، التي تعتمد على استثمارات رأسمالية ضخمة، وبنية تحتية جديدة، ومرافق رياضية مخصصة، غالبًا ما تنتهي بفاتورة تتجاوز بكثير التوقعات الأولية. وتُترك المدن المضيفة مع أصول يصعب استثمارها بعد انتهاء الحدث. وتظل تجربة أثينا 2004 مثالاً تحذيريًا على الكلفة العالية لمشروع لم يُهيأ له نموذج استثماري مستدام.
في المقابل، تشير نماذج جديدة مثل أولمبياد باريس 2024 ولوس أنجلوس 2028 إلى تحول في الإستراتيجية الأولمبية نحو ما يمكن تسميته بـ "اقتصاد الإرث القابل للتنفيذ". لا يهدف هذا النموذج إلى تحقيق المكاسب الرمزية فحسب، بل يسعى إلى تحقيق عائد اقتصادي طويل الأجل على الاستثمار، سواء عبر إعادة استخدام المرافق القائمة، أو عبر إدماج الاستضافة ضمن خطة تنموية حضرية أوسع.
من منظور اقتصادي، لا يمكن الحكم على جدوى الأولمبياد فقط من خلال الإيرادات المباشرة، كالتذاكر وحقوق البث. بل يجب النظر إليها من خلال 4 محاور رئيسية: أثرها على الناتج المحلي الإجمالي، مساهمتها في تحفيز قطاعات مثل السياحة والتشييد، تأثيرها في صورة الدولة كوجهة للاستثمار، وقدرتها على ترك إرث مجتمعي مستدام، مثل تحسين النقل العام أو البنية الرياضية أو الصحة العامة.
لكن الأهم من ذلك هو أن تستضيف المدن الأولمبياد وفق عقيدة الاستثمار الإستراتيجي، وليس الطموح الرمزي فقط. بمعنى آخر، يجب أن تخضع مشاريع الاستضافة لنفس أدوات التحليل التي تُستخدم في تقييم الاستثمارات الكبرى، كحساب العائد المتوقع، وتقييم المخاطر، وتقدير الأثر طويل المدى على الإنفاق العام والفرص البديلة.
ثمة فرصة لإعادة تعريف العلاقة بين الرياضة والاقتصاد، عبر بناء نموذج شراكة بين القطاعين العام والخاص يعزز من كفاءة التخطيط المالي، ويدمج الحوكمة الرشيدة ضمن عملية التنظيم. وهذا لا يعني تجريد الأولمبياد من روحها، بل التأكد من أن القيمة الرمزية تتكامل مع القيمة الاقتصادية، لا أن تحجبها.
في زمن تتزايد فيه الأسئلة حول الاستدامة، والإنفاق العام، ومبررات الاستثمار في الفعاليات الكبرى، بات من الضروري أن تنتقل النقاشات حول الأولمبياد من دائرة "كم أنفقنا؟" إلى "ماذا بنينا؟" ومن "كيف ظهرنا؟" إلى "ماذا بقي؟". وربما هذا هو التحدي الحقيقي للحركة الأولمبية في القرن الـ21: أن تتحول من منصة استعراض وطني إلى أداة تنمية إستراتيجية قابلة للقياس والحوكمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي